عمار البنا.. عاشق البحث العلمي وأمل أطفال التوحّد

ت + ت - الحجم الطبيعي

وقع في حب علم النفس البشرية بعد أن أبحر في عالم الطب، وعشق البحث العلمي منذ نعومة أظفاره، فأسس مختبراً في منزله حين كان طفلاً، وأيقن الدكتور عمار البنا بعد ذلك بأن البحث العلمي رحلة ‏ممتعة لا حدود لها. يؤلمه حال أطفال التوحّد، وأجرى دراسة على أكثر من 100 طفل لفهم أسبابه الجينية واستكشاف نمط العلاج والوقاية وتخطيط أنظمة الرعاية الصحية.

‏أحب الدكتور عمار البنا، استشاري الصحة النفسية للأطفال واليافعين في مستشفى الجليلة التخصصي للأطفال، الطب منذ نعومة أظفاره، وكان والداه، وكعادة حب الشرقيين تدريس أبنائهم الطب، ينادونه بالدكتور، وحينما كان في المرحلة الابتدائية أسس مختبراً في المنزل احتوى على مجهر، وأجرى ‏بعض التجارب الكيميائية المعدة سابقاً التي تباع في محلات الأطفال ليبحر في عالم الطب محاولاً اكتشاف العالم الغريب الذي تحتويه نقطة الدم.

نشأ الدكتور عمار البنا في إمارة الشارقة في أسرة تهتم بالعلم، فوالداه حاصلان على شهادات عُليا من جامعات مرموقة. قضى أربع سنوات من طفولته حتى الصف الخامس الابتدائي بمنطقة ويلز في بريطانيا ما أكسبه ‏مَلَكة الاهتمام بالقراءة ‏وحب الاكتشاف منذ طفولته.

سبب الاختيار

وقال: طبعاً كما هو معروف عالمياً تخصص الطب يحتاج إلى مجموع عال في الثانوية، ‏وبفضل الله حصلت على المجموع الذي أهلني لدراسة الطب والذي كان في الغالب الاختيار الأول حسب ثقافتنا، خاصة أنني كنت الطبيب الأول في العائلة والنقطة الفارقة عندما تمكنت من دراسة مادة علم النفس في جامعة بوستن كمساق صيفي فوقعت في حب علم النفس وبالأخص كان هناك تجارب في هذا المساق أدت إلى اكتشافات مهمة في نفسية الأطفال وكيف يتعلمون، ومنذ تلك اللحظة تولد لديّ شغف بدراسة علم النفس وفهم مكامن النفس البشرية والدماغ البشري الذي يعتبر أكثر كتلة تعقيداً على وجه الأرض، وبالتالي ومنذ ذلك الحين دخلت مساراً متعلقاً بالطب النفسي، ‏ولا أستطيع أن أغفل الدور المهم لأساتذة الجامعة الذين ساهموا في وضعنا على هذا المسار ‏ومساندتنا.. والحمد لله بإمكاني أن أقول إنني لم أنظر للخلف ولا مرة واحدة.

الاهتمام بالبحث العلمي

بدايتي البحثية مبكرة جداً، ولله الحمد كنت محظوظاً ‏بدراسة الطب في جامعة الإمارات، حيث كان هناك مسار متعلق بالطب المجتمعي، ‏وبسبب اهتمامي بالطب النفسي وخاصة للأطفال اخترت مع زملائي ‏دراسة أجريناها عن مدى انتشار والعوامل المرتبطة ‏بالاضطرابات السلوكية لدى الأطفال والمراهقين ‏وذلك في المراكز التأهيلية والعقابية ‏في مختلف إمارات الدولة، والحمد لله نشرنا هذه الدراسة وتم اقتباسها عدة مرات من قبل باحثين آخرين، وهنا تكمن أهمية وجود المرشدين الذين يعطونا أولاً الثقة بإمكانياتنا التي تمكننا من تحقيق أهدافنا ومن ثم إرشادنا للطريق الصحيح.

أهمية الأبحاث

‏تعلمت خلال تلك الدراسات المبكرة أن البحث العلمي رحلة ‏ممتعة، ‏وعلى الباحث أن يستمتع بها من البداية إلى النهاية، هذا ‏إذا كانت هناك نهاية، ‏ففي الحقيقة الانتهاء من بحث يقود إلى أبحاث أخرى عن طريق نفس الباحث أو باحثين آخرين في عملية البحث العلمي المتنامية، وشرف عظيم أن نكون جزءاً من هذه المسيرة، ومن المهم أن نستمتع بكيفية بناء السؤال البحثي، وتوضيح السؤال، ومن ثم وضع الآليات للإجابة عن هذا التساؤل ومن ثم جمع المعلومات والتي أجريناها بأنفسنا، ‏إلى تحليل البيانات وكتابة البحث العلمي ومن ثم نشره.

دوافع

ومضى الدكتور عمار البنا قائلاً إن من أهم دوافع البحث العلمي هو الفضول، وهذا الفضول تولد لدينا تلقائياً عندما جئنا لهذا العالم، ومما لا شك فيه أن البحث العلمي وضع منهجية لهذا الفضول الفطري، بحيث نطرح أسئلة علمية ومن ثم نقوم بدراستها وتقديم النتائج بأسلوب علمي، وهذا الفضول ‏وشغف المعرفة والاستكشاف كان ولا زال الدافع الرئيسي وليس البحث ‏لمجرد نشر الأبحاث، خاصة أن البحث العلمي ليس بالسهل، فعندما يكون لديك سؤال علمي عليك أن تبدأ بالبحث، وهناك خطوات عديدة ‏تتطلب مثابرة واجتهاداً وأحياناً سوف يصادفك الرفض، عشرات المرات وهذا أمر طبيعي في البحث العلمي.

‏وأضاف: الكثير منا يعتقد أن الباحث يعيش في مختبر مغلق ‏منعدم النوافذ أمام عينة الدم عينة البكتيريا أو يمر خلال المجهر الإلكتروني وهذه كلها أمور مهمة للبحث العلمي، ولكن البحث العلمي أوسع من ذلك بكثير، فالحياة في حد ذاتها مختبر، العلاقات البشرية مختبر، بإمكاننا أن نقنن أسئلة علمية لنا ترحب في بيئات مختلفة ‏في مختلف مناحي الحياة فهناك دراسات نجريها بالفعل مع الزملاء في مجال الجينات، ولكن الأبحاث التي أيضاً أود التركيز عليها هي الأبحاث السريرية والإكلينيكية، مثلاً المتعلقة بكيفية تطوير الخدمات الطبية المقدمة، سواء أن كانت في مجال الكشف المبكر تطوير وسائل التشخيص وتستخدم تطوير وسائل التدخل والبحث عن وسائل جديدة ومبتكرة تحسّن ‏من الرعاية الصحية ‏ومن الصحة النفسية وننظر حولنا إلى الحياة ولا نركز فقط على عدسة المجهر.

نمط علاجي مبتكر للأطفال

‏ومضى الدكتور عمار قائلاً: ‏هناك أبحاث أكملناها ونشرت وهناك أبحاث عديدة قيد الدراسة والبحث، فمثلاً من الدراسات التي أكملناها دراسة مستقبلية تابعنا خلالها أطفالاً ذوي اضطراب طيف التوحد من الإمارات، وكذلك دراسة استشرافية تم من خلالها التعرف على الصعوبات التي يمر بها الأهالي ‏في رحلة العلاج، وكذلك هناك بحث قيد النشر مع المجلة العلمية والمراجعة المقننة قمنا من خلالها بتطبيق نمط علاجي مبتكر للأطفال ذوي اضطراب فرط الحركة وصعوبة التركيز، بحيث يقوم الطبيب العام طبيب العائلة للتشخيص والعلاج بإشراف من الاستشاريين المتخصصين في هذا المجال، ما يفتح الباب لتوسيع مدى تقديم هذه العلاجات وتسهيل الوصول إليها من قبل الأهالي والأطفال.

وأضاف: من الأبحاث التي تم نشرها بحث حول مدى انتشار الاضطراب السلوك لدى نزلاء المؤسسات العقابية وكذلك أكثر من بحث متعلق بتوصيف الاضطرابات الجينية لدى الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد في دولة الإمارات وهناك دراسة كبيرة شملت أكثر من 100 طفل تم تحليل الجينات ‏لمعرفة المسببات.

وتيرة الأبحاث في الإمارات

وقال البنا: أولاً نفتخر بأن لدينا في دولة الإمارات ‏وزيرة لشؤون العلوم المتقدمة معالي سارة الأميري، ‏والتي أيضاً تقود مجلس علماء الإمارات لتطوير وتيرة البحث العلمي، وعلينا أن نستمر في المضي في الخطوات التي وضعتها حكومتنا الرشيدة مثل الاستمرار في زيادة تدفق الأموال لتمويل الباحثين من خلال المنح البحثية ونأخذ بعين الاعتبار أن نركز على مختلف المجالات خاصة من المجالات التي تهم بلادنا، ونؤكد أيضاً على مختلف الشرائح مثل تمويل الباحثين الجدد على سبيل المثال، بالإضافة إلى منح بحثية بمبلغ أعلى لتمويل البحث العلمي كونه يحتاج إلى دعم مادي، ولكن نحن في المسار الصحيح وعلينا الاستمرار، ففي منظمة اليونسكو تقوم دولة الإمارات بشكل سنوي بزيادة نسبة الإنفاق على البحث بالنسبة للدخل القومي وهو أمر إيجابي وأيضاً علينا أن نستمر في إبراز نماذج مختلفة من الباحثين على مختلف مراحلهم في مسيرته البحثية، وأن نركز على البحث العلمي حتى من عمر المدرسة، وعلينا أن نضع قدوة للطلاب الباحثين وعلماء ونعطيهم فرصه التجربة خلال المرحلة الدراسية بحيث يعيشوا ويستمتعوا بهذه التجربة.

‏التعاون الإقليمي والدولي

وأضاف هناك مجالات لا يمكن أن نصل لها في الاكتشافات العلمية إذا ركزنا على عينات محليا فقط ولكن من المجدي أن نقوم بالمقارنة بين دول مختلفة، وهذا يفتح المجال للتمويل الدولي لهذه الأبحاث، وأود هنا أن أشكر مؤسسة الجليلة للأبحاث وجامعة الشيخ محمد بن راشد ‏للطب والعلوم الصحية لدعمهم للأبحاث العلمية والتي ستعود مردود إيجابي على خبرات الأطباء المواطنين ونوعية الخدمات الطبية التي يقدمونها وكذلك على الرعاية التي سيحصل عليها المرضى.

يقود الدكتور عمار دراسة مستقبلية لأطفال الإمارات المصابين باضطراب طيف التوحد لفهم الأسباب الجينية الفريدة للاضطراب في دولة الإمارات بشكل أفضل، بالإضافة إلى نمط العلاج الذي يسعى إليه آباء الأطفال المصابين بالتوحد، وستمهد الدراسة الطريق للدراسات الشاملة المستقبلية التي ستساعد في النهاية في تحديد الدعامة الجينية لاضطراب طيف التوحد التي سيكون لها آثار مهمة، بما في ذلك الوقاية وتخطيط أنظمة الرعاية الصحية والعلاج الفردي. سيعمل البحث على تعزيز فهم المتغيرات الجينية والسريرية والاجتماعية والديموغرافية المرتبطة بالتوحد في دولة الإمارات العربية المتحدة، والإبلاغ عن أنماط العلاج الحالية، وفي النهاية المساعدة في تنفيذ الاستراتيجيات التي تعمل على تحسين الوصول إلى العلاجات الفعالة القائمة على الأدلة. سيتضمن النهج استخدام طرق التشخيص الموحدة لإجراء تقييم شامل ومتابعة الأطفال المصابين بالتوحد.

يقول البنا: ليس هناك شك في أن المنحة البحثية التي تلقيتها كمحقق رئيسي من مؤسسة الجليلة كان لها تأثير مهم على مسيرتي البحثية. يركز بحثي على الجوانب السريرية والوراثية لاضطراب طيف التوحد في مرحلة الطفولة، وهو جهد تعاوني بين مستشفى الجليلة التخصصي للأطفال وجامعة محمد بن راشد للطب والعلوم الصحية وغيرها من المراكز الأكاديمية الدولية المرموقة. بالإضافة إلى القيمة البحثية، كانت هذه المنحة البحثية مفيدة في تشكيل برنامج شامل قائم على الأبحاث لاضطراب طيف التوحد في مستشفى الجليلة التخصصي للأطفال.

Email