بين الاختبار والاختيار

ت + ت - الحجم الطبيعي

جميعنا يملك جانباً طيباً

صادقاً رغم أخطائنا..

ويبقى العالم من حولنا مرآة تعكس لنا صور وجوهنا

 

اعتاد شيخ الصوفية أبو محمد الجريري، أن يقول: "في الدين عشرة كنوز تغنينا، خمسة كامنة، وخمسة ظاهرة، وكل من يتبع الدرب الروحاني، يفترض أن يكون واعياً لهذا الأمر".

وأما الكنوز الكامنة، فتتمثل بـ: القدرة على أن تكون صادقاً، الزهد بمتاع الدنيا، التواضع في اللباس والتقيد بالاحتشام، التوازن لتفادي النزاع مع الآخرين، التحلي بالقوة الكافية لتحمل الشدائد.

ويأتي في مقدمة الكنوز الظاهرة: اكتشاف الحب الأسمى. ثم : إيقاظ الشوق إلى التوحد مع هذا الحب، التحلي بالذكاء لتدرك أخطاءك، الوعي بالحياة، الامتنان على النعم.

وفي ما يلي ثلاث قصص عن السعي الروحي:

 

الجواب الصائب

كان معلم وتلاميذه، يتحدثون خلال سيرهم في أنحاء الريف، عن المعجزات الربانية، وفي تلك اللحظات بدأ المطر ينهمر، فاتجهوا، راكضين، صوب كوخ مجاور، للاختباء.

ومع وصول المعلم إلى الكوخ، التفت إلى تلاميذه وقال لهم: "سأسمح لكم بدخول الكوخ، شرط أن تعطوني الجواب الصحيح". وعندها، وقف التلاميذ خارج الكوخ في المطر، وهم في حالة ارتباك تامة، تتآكلهم معها تساؤلات داخلية حول كيفية، وأيضاً السبيل الأجدى، لإرضاء معلمهم. وكانوا، حينها، يرتجفون، برداً، ولكنهم لم يتمكنوا من التوصل إلى الإجابة الصحيحة على سؤال المعلم. أخيراً، وبعد وقوفهم قرابة الساعتين تحت زخات المطر، قال أحدهم:

"سيدي، أنت لم تسألنا أي سؤال، في الواقع. ونحن مع ذلك نقف هنا كمن أصابه مسّ من الجنون، محاولين إيجاد إجابة عن السؤال، فما معنى قيامنا بالبحث عن إشكالات محددة، بينما لم تطرح أنت أية مشكلة أمامنا؟".

فقال المعلم وهو يفتح الباب لتلاميذه: "هنيئاً لكم، هذا هو الجواب الصحيح عن هذا الوضع الذي نجد أنفسنا في ظله".

 

بعيداً عن كل الأنظار

كان لدى شيخ الصوفية، الجنيد البغدادي، تلميذ يفضله أكثر، من بين مختلف مريديه، وكان هذا الأمر يزعج المريدين الآخرين، فقصدوا الشيخ البغدادي، يوماً، لبث شكواهم من الوضع، في صيغة تذمرية: "حدد لنا اختباراً، ومن يفز فيه، يصبح مريدك المفضل".

وافق الشيخ، وطلب إحضار 20 طيراً، وأعطى كلاً من تلاميذه، طيراً واحداً، وخاطبهم: " المريد الأفضل، هو الذي يمكنه قتل الطير في مكان لا يستطيع أحد أن يراه فيه".

انطلق كل مريد، قاصداً بلوغ أبعد مكان يمكن إيجاده، وكان اللافت أن الجميع فعل ما طلب منه، سوى التلميذ المفضل لدى الشيخ، والذي أعاد طيره حياً. وهنا سأله: "لماذا لم تنفذ أوامري؟". فأجاب : "لأنك قلت إنه يجب قتل الطير في مكان حيث لا يستطيع أحد أن يراني فيه، ولكنني حيثما توجهت، كان الله يراني".

فرد الشيخ: "كنت الوحيد الذي أدرك مرادي".

 

بحثاً عن السوء

قرر كريشنا اختبار حكمة رعيته. فاستدعى دوريودانا، وهو ملك معروف بقسوته، وطلب منه التفتيش في مملكته عن رجل طيب صادق. وسافر الأخير طوال سنة كاملة، ثم عاد إلى كريشنا ليقول له: " بحثت في مملكتي عن رجل طيب صادق، إلا أنني لم أتمكن من إيجاد أي أحد يملك هذه الصفات، فجميعهم أناني وسيئ".

فاستدعى كريشنا الملك داماراجا، المعروف بأنه رجل تقي، وطلب منه تمشيط مملكته، بحثاً عن رجل سيئ ماكر. فأمضى الأخير سنتين وهو مسافر من أجل هذا الغرض. وفي النهاية، عاد إلى كريشنا : "اطلب عفوك..لكنني لم أتمكن من إيجاد رجل واحد سيء ماكر. فعلى الرغم من أخطائهم، إلا أن جميعهم يملك جانباً طيباً صادقاً". فقال كريشنا، بعد ذلك: "أترون؟ العالم هو مرآة تعكس لنا صورة وجوهنا".

Email