الطباعة في أبوظبي حرقت مراحــل التطور في زمن قياسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

من مرحلة الأدب الشفاهي، بكل ما يتفرع عنه من أشعار وحكايات وغير ذلك، إلى توثيق هذا الأدب المتنوع عبر طباعته في كتب، تحفظ اتقاد الفكر وخلاصة الإبداع.

وما بين الشفاهي والوصول إلى استخدم أحدث وأهم التقنيات في الطباعة، هناك نقلة نوعية شهدتها دولة الإمارات العربية خلال فترة قصيرة، ويوثق العام 1958 تاريخاً لظهور الطباعة في الإمارات، إذ تعد المطبعة التي أنشأها محمد الرضوان في دبي أول مطبعة في الدولة، وما بين ذلك التاريخ والآن محطات مختلفة رصدتها «مسارات» ومن خلالها يمكن التعرف على تاريخ الطباعة الذي يختلف بتطوره ما بين إمارة وأخرى، وكان لأبوظبي حصة في هذا التطور، الذي انتعش ليواكب أحدث التقنيات المستخدمة في العالم.

 

كانت الصحف في مطلع القرن العشرين، تكتب باليد وتوزع على العديد من الشخصيات، وظهرت «عمان» وهي أول صحيفة تصدر في الإمارات في العام 1920 في إمارة الشارقة، وسجلت الإمارات الأخرى تواريخ مختلفة، أما في أبوظبي فقد أصدر مصبح بن عبدالله الظاهري، في مدينة العين التابعة لأبوظبي، أول صحيفة جدارية.

وكان هذا منتصف العشرينات من القرن الماضي، وعرفت الصحيفة باسم «نشرة النخي» واستمرت بصدورها حتى أواخر الخمسينات، ومنذ ذلك التاريخ لم تسجل أية محاولات لإصدار صحيفة أخرى، إلى أن صدرت صحيفة الاتحاد في أبوظبي في 20 أكتوبر من العام 1969 .

وكانت المادة الصحافية حينها تجمع وتحرر بجهد فردي، إضافة إلى الاستعانة بعدد من موظفي الدوائر الحكومية، في جمع الأخبار وتغطية النشاطات التي تقام في أماكن عملهم، ومن ثم ترسل إلى بيروت لتطبع هناك في «المطبعة التجارية والصناعية» وتعاد النسخ إلى أبوظبي مرة ثانية لتوزع خلال أربعة أو خمسة أيام على الدوائر الحكومية، إلى أن تولت مطبعة «نيتكو» الأهلية والتي كانت تمتلكها أسرة سودانية في مدينة زايد القديمة في أبوظبي، مسؤولية طباعة الصحيفة وكان ذلك في العام 1970 .

وكانت الطفرة الأولى هي تحويلها من الحجم النصفي المعروف صحافيا، باسم «تابلويد» إلى الحجم الطبيعي للصحف والمسمى بـ «استاندرد».

وفي العام 1972 حدثت طفرة نوعية إذ تحولت «الاتحاد» من مطبوعة أسبوعية إلى صحيفة يومية تطبع لأول مرة في المطبعة الحديثة التي وفرتها لها مؤسسة أبوظبي للطباعة والنشر في «مطبعة بن دسمال» حيث اشترت آلة طباعة حديثة نقلت بالطائرة من بريطانيا إلى أبوظبي، والتي بفضها تحولت «الاتحاد» إلى صحيفة يومية، ويعد العام 1972 هو نفسه تاريخ دخول تقنيات صف الحروف إلى الإمارات التي انتشرت فيما بعد في المطابع الحديثة، ومن ثم بدأت تطور بتقنياتها إلى أن وصلت إلى ما هي عليه الآن.

 

مطبعة رائدة

في العام 1975 وبعد أن أنشأت جريدة الفجر اليومية، برئاسة عبيد حميد المزروعي، قررت إدارة الشركة الاستفادة من الآلية الموجودة خلال الوقت الإضافي، فتولت مهام الطباعة التجارية، بهدف الحفاظ على درجة عالية من خدمة العملاء، وتقديم العديد من الخدمات العالية الجودة في مجال الطباعة، وصنفت دار الفجر للطباعة والنشر التجاري خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في أبريل من العام 1975 بأنها واحدة من المطابع الرائدة في دولة الإمارات العربية المتحدة.

وحصلت الفجر منذ إنشائها وحتى وقت قريب، على العديد من عقود الطباعة طويلة الأجل من المنظمات المتعددة الجنسيات، ووكالات الإعلان التابعة لها دوليا، والهيئات الحكومية المختلفة، والمؤسسات التعليمية والوزارية من أجل الحصول على احتياجاتها في مجال الطباعة كاملة.

وبعد ذلك التاريخ أنشأت في أبوظبي الكثير من المطابع، منها لأغراض تجارية كطباعة بطاقات الأفراح، والباقات الشخصية، والطوابع، والتقويمات، والأكياس الورقية، وغير ذلك الكثير، ومنها ما يوثق للإبداع، إذ ظهرت العديد من دور نشر ساهمت في أن يطبع الكاتب الإماراتي أو المقيم، إصدارته داخل الدولة، بعد أن كان معظمهم يقومون بطباعة إنتاجاهم الإبداعي في دور نشر مختلفة خارج الدولة، ويجري الحديث عن خطة الكثير من الدوائر المحلية على إقامة مطبعة تابعة للدائرة نفسها، تقوم بطباعة ما تصدره عنها من أبحاث وكتب، ومجلات وكتيبات تعريفية وما إلى ذلك من نشاطات تصدر تقوم بها.

 

مطبعة المكفوفين

من منطلق الحرص الإنساني على إيصال التعليم والفكر إلى جميع الناس، بما فيهم المكفوفين، قام الهلال الأحمر في العام 1999 بتأسيس مطبعة المكفوفين في أبوظبي، وتم تسليمها فيما بعد إلى مؤسسة زايد العليا للرعاية الإنسانية في العام 2006 .

وتنتج المطبعة المناهج الدراسية، في كافة مراحلها بعد إعادة طباعها كاملة بطريقة «برايل» وتخدم المطبعة حوالي الخمسين طالبا وطالبة من مستويات مختلفة، يواجهون تحديات بصرية، ويتلقى هؤلاء الطلاب تعليمهم أصلا في مدارس التعليم العام.

وتتعدد مهام المطبعة في هذا المجال، ما بين طباعة المناهج الدراسية العامة والخاصة بطريقة «برايل، وطباعة نماذج الامتحانات والملخصات الدراسية للمراحل التعليمية المختلفة، إلى جانب طباعة الوسائل التعليمية البارزة، وطباعة الكتب والقصص الثقافية، كما تقوم الجهات المسؤولة عن المطبعة، بالعمل على تثقيف المجتمع بأساليب التواصل مع المكفوفين، وطبع الوسائل اللازمة لذلك.

 

ذاكرة الطباعة:

كثيرا ما تركز الفعاليات في أبوظبي على استحضار تاريخ الطباعة، كنوع من التذكير بأهمية هذا الإنجاز البشري الذي تطور عبر التاريخ، وفي هذا الإطار أصدر المجمع الثقافي في العام 1995 كتاب «تاريخ الطباعة العربية في العالم حتى نهاية القرن التاسع عشر» للمؤلف محمد سعيد الملاح، ومن ثم أقام المجمع الثقافي ندوة تحمل ذات العنوان، في نفس العام الذي أصدر فيه الكتاب.

ومن بعض الفعاليات التي تستحضر تاريخ الطباعة أقام معرض «آرت سكيب ... كنوز ثقافات العالم» الذي نظمته هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، بالتعاون مع معهد غوته ورش عمل فنية تتضمن عرضا للطباعة، قدمها الفنان الألماني يوهانيس هيفنز، في منارة السعديات، وعرض خلالها طرق طباعة الحرف على الورق في الأزمنة القديمة، باستخدام آلة طباعة يدوية تقليدية، معيدا إلى الأذهان تقاليد الطباعة القديمة، إلى اختراع آلة الطباعة ذات الحروف المتحركة من قبل «يوهانيس جوتينبرج» في القرن الخامس عشر، التي مكنت الإنسان من طباعة الكتب بكميات كبيرة.

وبهذا المحاضرات وغيرها، يمكن للحضور إجراء مقارنة بين ما تم إنجازه من تطور في مجال الطباعة، والتي حرصت أبوظبي أن تستخدم أحدث تقنياتها بزمن قياسي، مما يبرهن أنها تواكب النتاج الفكري المحلي، عبر مطبوعاتها، بل وتقدم الكثير من الإنتاج الإبداعي العالمي عبر الترجمات التي تقوم بها بشكل مستمر، بل وتساهم بالكثير من التقاليد العالمية مثل إعادة تدوير أحبار الطباعة.

 

 

Email