شموخ يعانق السماء

يرمز الصقر للكبرياء والعزة والحرية، كما يسرد قصة شموخ، وهو يفرد جناحيه كقبس من السماء، فليس صدفة أن يطلق على أحد أنواع الصقور اسم الحر، ولذلك يستخدمه الانسان رمزا لعزة الدول وسيادتها، ومن بينها دولة الإمارات التي يتصدر الصقر شعارها، لكن يجب التفريق هنا ما بين الصقر والنسر، الذي استخدمته بعض الدول مثل الولايات المتحدة شعارا لها، حيث يؤكد الصقار علي عبد الله بن حليس أن الفارق بين الصقر والنسر هائل، فالأول طائر حر

لا يأكل إلا فريسته، بينما يقتات النسر على جيف الحيوانات التي تقع فريسة غيره من الطيور والحيوانات.

تحط الصقور رحالها في دولة الإمارات، أثناء مواسم الهجرة، ولقد اعتاد البدو في الأيام الخوالي اصطيادها في بداية فصل الشتاء، والعمل على تدريبها على الصيد، وبعد ذلك إطلاق سراحها في نهاية الفصل، لمنحها فرصة العودة إلى أماكن تكاثرها.

وتصطاد الصقور الطيور الأخرى، التي تعد فريستها الطبيعية، ونذكر منها على سبيل المثال طائر الحبارى والكروان، الذي يقتات على النباتات الصحراوية. وينظر البدو إلى صيد الصقور مع فرائسها كرياضة ومصدرا للطعام معاً.

في أيامنا هذه، يندر وجود الصقور والحبارى والكروان، وإن رغبنا في العودة إلى ممارسة رياضة الصقور، ينبغي علينا أولاً تربيتها في الأسر. فعندما بدأ الناس بتربية الصقور من أجل الصيد، قاموا أيضاً بتربية الصقور الهجينة التي امتازت بقوة أكثر وقدرة أكبر على الاحتمال من نظيراتها الصقور الأصيلة، وتحديدا الشاهين منها. ولعل صقر الجير المتحدر من البلدان الشمالية (ذات الطقس الأبرد) خير مثال على الصقور الهجينة.

 

موعد الصقار

كل الصقور التي يمتلكها علي عبد الله بن حليس هي طيور صيد، وطير الصيد يفرق عن طير "لعبة الفروخ" وطير السباق، طير القنص معاملته مختلفة وكذلك طير السباق، فهذا يحتاج إلى مزيد من الوقت، ولذلك يقتني الطيور المتخصصة بالقنص، ويذهب بصحبتها في رحلة طويلة إلى العراق وليبيا ومصر والسعودية، حيث قضى العام الماضي 40 يوما في العراق، بينما ذهب هذا العام إلى مصر التي انتقل منها إلى ليبيا، لكن عندما ساءت الأوضاع فيها، وجد نفسه مضطرا للعودة إلى الإمارات.

كان الموعد عند الجامع الكبير في منطقة زعبيل بدبي، كنا أنا وزميلي المصور مصطفى الأميري في انتظار بن حليس عند ناصية الجامع، فجاءنا بسيارته ذات الدفع الرباعي مرحبا وهو يهرول لاستقبالنا، جريا على العادات البدوية العربية الأصيلة.

تبادلنا التحية وقادنا بسيارته إلى بيته، ومن هناك انطلقنا إلى عش الصقور التي يملكها وهو عبارة عن غرفة خشبية مستطيلة الشكل طولها نحو خمسة أمتار وعرضها نحو ثلاثة أمتار مزودة بمكيفات ومواد عازلة بيضاء من الداخل وبعوارض حديدية مغلفة بالقماش معلقة على ارتفاع متر واحد تقريبا عن سطح الأرض، على كافة جدران الغرفة التي يطلق عليها الصقارة اسم "المقيظ"، الذي يضم في حالة بن حليس أربعة صقور، ما إن كسرنا خلوتها حتى تجمعت على إحدى العوارض الخافية في نهاية المقيظ.

 

مكمن الصقر

المقيظ؟ هو المكان الذي يوضع الطير فيه بعد انتهاء موسم الصيد في شهر مارس تقريبا عندما يأتي موسم الصيف بحرارته المرتفعة، لذلك يحرص الصقارة على تزويد المقيظ بمكيفات مناسبة وأجهزة لشفط الهواء، حيث يترك الصقر وحده، وكلمة مقيظ مستنبطة من كلمة "قيظ" في اللهجة المحلية، والتي ترمز للصيف وتعني في العربية الفصحى القيظ أي الحر الشديد، لكن قد يختلف وقت وضع الصقر في المقيظ من صقار لآخر حيث أن بعضهم يضع الطير من شهر فبراير أو مارس وذلك ليتسنى للطير اسقاط ريشه وتبديله في وقت مبكر مما يعود بالفائده على الصقار في الموسم القادم للقنص.

سر المقيظ يكمن في ضرورة عزل الطير تماما عن أية مؤثرات خارجية، حتى لا يتعرض لأي حادث قد يفقده ذلك العدد الضئيل من الريش البازغ توا، حتى أن الصقارة يلجؤون إلى تقليم مخالبه ومنقاره حتى لا يؤذي نفسه أو يؤذي الطيور التي تجاوره في المقيظ، فضلا عن تغليف المقيظ بمواد طرية، لكن الأهم من كل ذلك هو ترك المقيظ على حاله من دون تدخل الصقار الذي تقتصر وظيفته خلال فترة القيظ على تقديم الماء والطعام للطيور، حيث يحرص كل الحرص على عدم المكوث طويلا داخل المقيظ، الذي يترك بلا تنظيف طوال هذه الفترة.

 

مصادر

حول مصادر اقتناء الصقور، يقول بن حليس إنه في يومنا هذا كثر صقر الجير الخاص بالتفريخ والتربية، وهو نوع من الصقور التي تعيش أصلا في المناطق الباردة مثل أوروبا وخاصة سيبيريا، ولذلك فإن الأجداد وكبار السن من أبناء الإمارات لا يعرفون ما هو الجير، حيث كان الصقر الذي يسمونه "العبور" هو السائد في المنطقة، لكن الصقارة كانوا يذهبون إلى بلدان أخرى مثل مصر وباكستان وإيران وسوريا ويصيدون الصقور هناك ويحضرونها إلى الإمارات.

وكان الأكثر شهرة من بينها جميعا الشاهين الإيراني والحر الشامي، الذي لا يعبر من المنطقة على خلاف الشاهين، الذي كان يأتي من إيران ويأخذ قسطا من الراحة في الإمارات، قبل أن يغادرها إلى بلدان أخرى، لكن هذا لا يعني أن الصقر المحلي لم يكن موجودا في الماضي، فمن الممكن أنه عاش في المناطق الجبلية من الإمارات وخاصة المحاذية للبحر منها، حيث يحتاج الصقر للمرتفعات والبحر سعيا وراء البرودة والطعام.

وهنا يلاحظ الصقار أن الصقر بحاجة إلى الطبيعة والهدوء والخلاء وأنه ربما تأثر سلبا بالنهضة العمرانية في البلاد فهجرها.

 

أنواع وميزات

فيما يتعلق بأنواع الصقور هي في الأصل الحر والشاهين والتبع والقرموشة، والقرموشة هي ذكر الحر والتبع ذكر الشاهين، لكن مع مرور الوقت راح الصقارة يهجنون ما بين هذه الأنواع، حيث تخلط مقادير معينة من الشاهين والجير والحر أو شاهين بشاهين، ويضيفون عليها نسبة جير، فيقال إن هذا الصقر هو جير- شاهين، وربما تكون نسبة التهجين مناصفة وقد تكون ربعاً إلى ثلاثة أرباع، أي ثلاثة أرباع شاهين وربع جير.

وتتم هذه العمليات في أماكن مخصصة ومعقمة بعناية فائقة، وهي عملية معقدة ومتعبة إلى حد كبير، على حد تعبير بن حليس، لأنها بحاجة إلى صبر ووقت، لاسيما وأنها تتكرر مرارا وتكرارا وربما يظهر خلالها بيض فاسد،

ويمكن أن يبيض الطير بيضا غير ملقحاً، ويمكن لكل الطيور أن تلقح بعضها بعضاً إلا الجير- شاهين، فعملية التلقيح هذه تفضي إلى نوع من البيض يسميه الصقارة" النغل" الذي لا نفع منه، وقد وجد بن حليس في يوم لقائنا به بيضتين من هذا النوع في مقيظه.

وموسم التزاوج عند الصقور يبدأ من أول يناير ويستمر حتى مارس او أبريل ويتم التزاوج حسب نفسية الطير، فمن الممكن أن لا يلقح إذا كانت نفسيته غير مرتاحة. وتبدأ الصقور بالتزاوج عادة من عمر ثلاث سنوات وما فوق ونادراً ما يحدث في أول السنتين وهناك تسميات للطير الذي يكمل السنة من عمره وهو (جرناص سنة) و (جرناص ثلاث) وهكذا.

 

أنواع نادرة

من الأنواع النادرة والمفضلة من الصقور في الامارات، يبرز السيبيري، خاصة بعد منع دخول هذا الطير السيبيري إلى جانب الشاهين الوحش والحر بسبب غلاء ثمنه، وطريقة صيده خارج البلاد، ففي باكستان، على سبيل المثال، لا ينتظرون الطير حتى ينمو ويطير بل يأخذونه من عشه، بينما يؤكد بن حليس أن أغلى طير صادفه في حياته، شاهده في قطر وهو من الجير السيبيري الخالص، ويعتبر من أندر وأغلى الطيور، وهو أبيض اللون وبيع بمليوني ريال قطري. ويقول بن حليس إن "للصقر السيبيري ثلاثة ألوان إما القريع أو السيلفر أو الأبيض وأنا أميل للقريع".

 

سبل راحة

المقصود بالمقيظ الفترة التي يبدل فيها الطير ريشه، وتبدأ من شهر أكتوبر، بحيث يجهز المقيظ بجميع سبل الراحة المناسبة للطير من مراوح ومكيفات ورمل والوكر، وطعامه من لحم البقر أو الفري أو الحمام، وفي الأيام الأولى يمكن تنظيف المقيظ، لكن عندما يبدأ ريش الطير بالظهور يمنع الدخول منعاً باتا، لكي يحافظ على ريشه ومن أهم الريش الذي فيه (الموس) آخر طرف الجناح، وبعدها (الطويلة) ومن ثم (الثالثة).

لكن قبل دخول الطير في المقيظ، تجرى له فحوصات كاملة داخل مشفى دبي للصقور للتأكد من خلوه من الأمراض التي يمكن أن تصيب الصقور مثل مرض (السومار)، الذي يضعف الطير فلا يتمكن من الأكل ويموت، ومرض (الرداد)، الذي يصيب الرئة فلا يتمكن الطير من التنفس ودود البطن والتهاب (الفرسة)، وهي المكان الذي يخزن فيه الطير طعامه، ثم يأخذ منه حاجته ويهضمها والتهاب الكبد، فإذا كان الطير سليماً وخال من الأمراض تقطع (صوايده) أي أظافره كي لا يمسك بطير آخر ويجرحه أو يؤذيه، وبذلك يكون الصقر جاهزاً لدخول المقيظ الذي يمكث فيه حتى شهر أكتوبر، بحيث يكون قد اكتمل نمو ريشه الجديد وأصبح جاهزاً للتدريب استعدادا لموسم الصيد.

ويحتاج الصقر للشمس في فترة تدريبه فيهيأ له مكان يكون على شكل مظلة من سعف النخيل، لكي تدخل الشمس، ويوضع بجانبه صحن ماء في الهواء الطلق لكي يتعود جسمه على الجو الخارجي ولا خوف عليه من الطيران لأنه يكون مربوطاً بالوكر.

 

أماكن القنص

حول أنواع الصقور التي يشركها علي بن حليس في رحلات القنص التي يقوم بها، والأماكن التي يذهب إليها لممارسة هوايته المفضلة التي ترتقي إلى مستوى الحرفة، وعما إذا كان هناك قنص على أرض الإمارات، أكد بن حليس أنه كان هناك قنص على أرض الدولة، لكن جغرافيا الأمكنة أصبحت مكتظة بالعمران والمشاريع، فلجأ القناصون إلى دول أخرى مثل باكستان وكازاخستان والعراق ومصر والسعودية.

ويقول بن حليس إن: (الصقور المفضلة بالنسبة لي في الصيد هي الجير بور (السيبيري) والجشعي والشاهين الوحش، فهذه أسبق أنواع الصقور للقنص.

والسبب في تفضيل الحر مرده إلى أنه يتحمل أكثر، ويصمد ويستطيع أن يصطاد من حبارى واحدة ولغاية الخمسة عشر، أما الشاهين، فرغم أنه من أسبق أنواع الصقور، إلا أنه لا يصمد في معركة الصيد، خاصة إذا كان يخوض المعركة مع ذلك النوع من الحبارى الذي يهاجم الصقر، والذي يطلق عليه باللهجة الإماراتية حبارى مدواس).

ويضيف الصقار: (عندما قنصنا في العراق، كان هناك حبارى منها الخرب ومنها الربدة ومنها الحفان الذي هو أصغر نوع، ويمكن أن يصطاد الصقر منها كمية كبيرة، أما الربدة والخرب فلا. في العراق واجهنا الخرب الذي حاول أن يدخل إلى السيارة حتى عندما رفعنا البرقع عن الصقور رفضت القنص.

وهناك نوع من الحبارى يطير ويعلو كثيرا في السماء بمجرد أن تراه، حتى أن لشرود الحبارى أنواعا، فمنها من يكوبر في الأرض وتضرب الطير ومنها من يشرد ويعلو علو البناء ومنها من يعلو كثيرا في السماء).

 

صيد

عندما تذهب للصيد تجد أن صيد الجير يختلف عن صيد السيبيري، فالصقر الوحش متعلم من والديه كيف يصطاد، أما الجير فإنك تتعب كثيرا معه ليتعلم كيف يأكل ويطير ويصطاد، وهناك بعض هذه الطيور يكون نادر الوجود، لكن بالنسبة لابن حليس، فإنه يفضل صيد الوحش بالرغم من أنه يملك أربعة طيور من نوع الوحش والجير والسيبيري والجير شاهين، ولكن أفضل الطيور بنظره هما الجير شاهين والسيبيري، فعندما تذهب للمقناص يجب أن يكون لديك طيور احتياطية.

وعندما ينقض الصقر على الحبارى لا يقتلها بالضرورة، وربما يكتفي بجرحها، لكن هناك بعض الطيور التي تستعجل وتحلل الطير، أي تقبضه من الرأس والصقر الوحش المتعلم من والديه هو من يفعل ذلك، وهناك طيور تمسكه فقط وتترك لراعيها أن يحلله.

 

جواز سفر

دولة الامارات هي أول دولة أصدرت جواز سفر للصقر، وذلك ضمن اتفاقية الاتجار غير مشروع بالطيور، فما أن يفرخ الطير حتى يضعون له حجل (حلقة) مكتوب عليه متى ولد، ومن هما والديه أو الرقم الخاص به ونوعه وبلاده، ويكبر الطير بالحجل الذي في رجله وهذا ما يسمى بتصريح أو بجواز السفر مما يسهل دخوله وخروجه الى أي بلد.

 

هواية القنص

وفيما يتعلق بالبعد الاجتماعي لتربية الصقور والقنص والإقبال عليهما، وإمكانية أن تتحول هواية القنص إلى هواية شعبية، يوضح بن حليس أن (هواية القنص أساسا تقليدية، قبل مسابقة الشيخ حمدان بن محمد للصقور كانت هواية تربية الصقر من أجل الصيد، أما بعد المسابقة فصارت أكثر شعبية)، ويقول: (كثرت الصقور في السوق وأصبح الذي لا يقتني صقرا يسرع لشرائه ويتعلم ويفوز أيضاً في السباقات.

بدأت تكثر الطيور ويكثر الإنتاج ويكثر المشاركون في السباق بعد مسابقة الشيخ حمدان بن محمد والطائر الفائز يشتريه سمو الشيخ حمدان تشجيعا للمشاركين. فالمشجع الأول والأساسي لذلك هو مسابقات الشيخ حمدان بن محمد).

 

بازارات الصقور

أسواق وبازارات الصقور منتشرة في مختلف المدن والمناطق الإماراتية، بحيث أي طير يراد بيعه يمكن بيعه في هذه الأسواق في سياق مواسم محددة تبدأ من منتصف شهر أغسطس، ويباع فيها كل أنواع الطيور وعلى رأسها الطيور التي تنتج محليا، حيث يقول بن حليس: (في فترة من الفترات كنت أصقر الصقور، أي أدربها وأجهزها ومن ثم أبيعها بمبالغ جيدة).

وقد شقت هواية القنص بالصقور طريقها إلى الثقافة الشعبية في الإمارات وشكلت جزءا من التراث الشعبي الإماراتي، فظهرت في الأمثال الشعبية والشعر النبطي والفصيح ، حيث تقول العرب: (ما يطيب الشعر إلا بالمقناص)، ما يعني أن القنص ارتبط عبر التاريخ بالشعر والعادات والتقاليد متحولا إلى طقس اجتماعي يجمع بين التسلية والتحدي والمرح والمزاح.

 

وثيقة خاصة

دولة الامارات هي أول دولة أصدرت جواز سفر للصقر، وذلك ضمن اتفاقية الاتجار غير مشروع بالطيور، فما أن يفرخ الطير حتى يضعون له حجل (حلقة) مكتوب عليه متى ولد، ومن هما والديه أو الرقم الخاص به ونوعه وبلاده، ويكبر الطير بالحجل الذي في رجله وهذا ما يسمى بتصريح أو بجواز السفر مما يسهل دخوله وخروجه الى أي بلد.

 

دعم وتشجيع

بدأت تكثر الطيور ويكثر الإنتاج ويكثر المشاركون في السباق بعد مسابقة الشيخ حمدان بن محمد والطائر الفائز يشتريه سمو الشيخ حمدان تشجيعا للمشاركين. فالمشجع الأول والأساسي لذلك هو مسابقات الشيخ حمدان بن محمد).

الأكثر مشاركة