مطالبات بـ «كم» يرضي الأذواق و«كيف» يغذي العقول

فضائيات الشعر وبرامجه..بين الثــــراء الثقافي والـدور الترويجي

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تعد الطرق التقليدية في وصول الشعر إلى الناس، عن طريق الدواوين أو تواصل الشاعر مع جمهوره عبر الأمسيات المتخصصة، قناة التفاعل الوحيدة في الساحة، حالياً، فمع تطور وسائل الاتصال أطل بعض الشعراء (ومن بينهم أسماء جديدة)، على الجمهور، كضيوف ضمن العديد من البرامج الثقافية التي تبث عبر الإذاعات والقنوات التلفزيونية، ثم ظهرت برامج ومسابقات خاصة بالشعر تبحث عن مواهب متميزة لم يتح لها الظهور لأسباب مختلفة، ولم يكتف القائمون على الفضائيات بهذا، بل برزت فضائيات شعرية، تبث على مدار الساعة، ما أخذ يثير الكثير من الأسئلة حول دور وكفاءة هذه الفضائيات والبرامج.

«مسارات» يناقش مع شعراء عديدين، أبعاد هذه القضية الثقافية المجتمعية ومؤداها، مستطلعا آراءهم حول أهمية البرامج والمحطات التلفزيونية المتخصصة بالشعر، وماهية انعكاساتها وإفرازاتها في الساحة الشعرية في الإمارات خاصة، والعالم العربي بشكل عام، مسلطا الضوء على نظرتهم إلى طبيعة إسهاماتها في تحريك المشهد الشعري، وفي رفد الساحة بخامات مواهب جديدة، قادرة على أن تثبت حضورها، وأن تؤهل نفسها لتكون منافسة لرواد الشعر، في الذاكرة العربية، قديما وحديثا.

رقابة شعرية

يحكي الشاعر والباحث سلطان العميمي، عن رأيه في خصوص هذه القضية، من منطلق تجربته كأحد المحكمين في برنامج "شاعر المليون"، فيقول: "تختلف المسابقات عن برامج الشعر العادية، فهي تستمر إلى فترات طويلة.. ويجب أن تخضع الثانية، إلى نظام معين، وكذلك أن تمتلك رؤيتها الدقيقة والجيدة، بشكل مسبق، وهذا فعليا، ما توفر في مسابقة (شاعر المليون)".

ويضيف العميمي: "خمسة مواسم مرت على برنامج (شاعر المليون)، استطاع خلالها، ومن بعد وضوح نتائجها، أن يصنع حراكاً نوعياً في مضمون الساحة الشعرية.. ويتحدد هذا الحراك الذي أحدثه البرنامج، في عدة نقاط: ساهم في ضخ دماء جديدة إلى الساحة الشعرية، غيّر الكثير من المفاهيم ضمن الشعر النبطي، زاد في مستوى الوعي والاطلاع حول الشعراء المؤثرين في المجال".

وأضاف: "ان ارتفاع مستوى الرقابة الشعرية، يخلق نموذجا من التنافس والحماس والتواصل، من خلال المسابقات التي ينخرط في فعالياتها، أفراد الجمهور".

وأما عن الفائدة التي تعود بها مثل هذه المسابقات على الساحة، فيقول سلطان العميمي: "أوجدت المسابقات فرصة كبيرة لمن لم يك قد وجد فرصته لإبراز موهبته، وبالنسبة لأفراد الجمهور، ارتفعت ذائقتهم الشعرية، وباتوا يمتلكون القدرة على التمييز ما بين الشعر الجيد وغير الجيد، بفضل ارتقاء مستويات قدراتهم التفسيرية النقدية في المجال، وكذا تمكنهم من تذوق القصيدة عن وعي، من خلال متابعتهم لما يقوله أعضاء لجان التحكيم عبر البرنامج".

ويرى العميمي، في شأن القنوات التلفزيونية المتخصصة بالشعر، أن موادها متداخلة مع التراث، رغم أنه بإمكانها تقديم مادة شعرية، وذلك في حال اعتمدت على منهج التخطيط والعمل المدروس في هذا الحقل. إلا أن حشو بعض هذه القنوات بأية مادة، وتحت مسمى التراث، أمر فيه ضرر كبير.

وربما لهذا السبب، وقع العديد منها، في مطب الإفلاس ثم الإغلاق، ذلك بفعل أسباب مادية، أو لعدم قدرتها على استقطاب الجمهور، لافتاً إلى أن وجود هذه القنوات التلفزيونية (الشعرية) ظاهرة طبيعية، لأنها تشبه أياً من نظيراتها التخصصية الأخرى، كقنوات الأغاني والأفلام.

 غياب الإضافات

يرى الشاعر إبراهيم الهاشمي، أنه لم تفلح، وإلى غاية الوقت الحالي، أية قناة تلفزيونية متخصصة بالشعر، أو حتى أي برامج شعرية في قنوات غير متخصصة، في تقديم إسهامات حيوية إلى الساحة الشعرية بشكل يخدم الشعر، إلى جانب كون معظم البرامج يسلط الضوء على الشعر الشعبي، رغم أن ذاك ليس خطأ، برأيه.

ويضيف الهاشمي: " بالنسبة للشعر نفسه، لم تضف تلك القنوات التلفزيونية أو البرامج، الشعرية، شيئاً. فكم شاعراً حقيقياً قدمت إلى غاية الآن؟ وماذا أضاف من قدمتهم إلى الشعر؟..

لا أجد، شخصياً، أية إسهامات أو أطر رفد من هذا النوع، حققته تلك الجهات". ويستثني الهاشمي في أحكامه تلك، برنامجي المسابقات الشعرية: "شاعر المليون"، و"أمير الشعراء"، قائلا: "قدمت هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، هذين البرنامجين بنجاح، على شاشة تلفزيون أبوظبي، إذ حققا نتائج نوعية في سياق إغناء الساحة الشعرية والأدبية عموماً، ذلك خلافا لما قدم من مسابقات في المجال، على قنوات أخرى".

 قضايا

من جهته، يقول الشاعر عيضة بن مسعود، والذي يقدم برنامجين إعلاميين شعريين، الأول تلفزيوني والثاني إذاعي، بعنوان "مساكم شعر": أقدم هذين البرنامجين (تحت عنوان واحد: مساكم شعر)، منذ أربع سنوات، بدعم من هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام، والبرنامج مساحة للاتجاهين الشعريين: النبطي والفصيح".

ويتابع : "نفتقر في دولة الإمارات إلى برامج الشعر، وإن ظهر، أحياناً، بعضها، ومن ثم توقف بفعل أسباب مختلفة". ويقسم بن مسعود البرامج إلى قسمين، أولها تلك المتخصصة بالشعر، والثاني الخاص بالمسابقات. ويجد أن القسم الثاني لا يخدم الشعر بقدر ما يخدم الشاعر نفسه.

وتخدم المحطات التلفزيونية عبره، من وجهة نظره، خزائنها، عن طريق التصويت الذي يحدث خلال فترة بث البرنامج، وهذا أمر مشروع، كما يشير. ويشرح جملة قضايا ونقاط في هذا الصدد: "كثيرا ما يتم التركيز في البرامج الاعتيادية، على صاحب التجربة في مجال الشعر، أي انها بهذا لا تحرك الساحة الشعرية، بينما البرنامج المتخصص الذي يناقش بعض القضايا الشعرية.

وكذا القصائد، ويتواصل مع بعض الشعراء الذين يتابعهم غيرهم من الشعراء، وهو ما يحرك المياه.. وأرى، في هذا السياق، أن الأمسيات الشعرية والمحاضرات والندوات، ربما تكون أكثر فعالية وتأثيراً، وتخدم الساحة أكثر من بعض المسابقات الشعرية التي أجدها تخدم شاعراً بعينه، كان مختفيا، سواء كان يستحق أم لا، وفي المقابل يتضح جلياً، أن البرنامج، يفيد جميع الاتجاهات الشعرية ويخدمها".

 بين العرض والطلب

يوضح الشاعر محمد عبدالله البريكي مسؤول بيت الشعر في الشارقة، في حديثه عن البرامج والمسابقات الشعرية بشكل عام، أنها تمثل، في حد ذاتها، فكرة رائعة يفترض أنها تخدم الأدب والشعر بشكل كبير، وتفعّل دوره في المجتمع، ومن ثم تعمل على بناء جسور من التواصل بين الشاعر والجمهور من خلال وضع الشعر على المحك لجس نبض الذائقة الشعرية التي يأتي من خلالها دور فلترة الموجود من شعراء في ساحة الشعر.

. ويضيف البريكي: " تلك البرامج والقنوات التلفزيونية، وسيلة لتوسيع رقعة العرض، بناء على اتساع خارطة الطلب، فإذا ما سعى القائمون على هذه البرامج والمسابقات، إلى تفعيل دور هذا الهدف، فإنها ستكون ناجحة مفيدة.. أظن هذه البرامج.

وفي حال استخدمت بهدف الترويج والمصلحة الخاصة، ستكون، بكل تأكيد، ضارة في غالبية مفاصلها. ولا أريد الإشارة إلى برامج أو مسابقات بعينها، إلا أن هناك بعضا منها أفرز أسماء رائعة، كما حفز كثيرين على الكتابة وفق رؤية طرح متجدد، أخرج القصيدة من كلاسيكية الطرح واللغة والخيال".

وأما بشأن قدرة مثل هذه البرامج على تحقيق الفائدة المرجوة ضمن الساحة الشعرية، يقول مسؤول بيت الشعر في الشارقة: "لا ننكر أن بعضا من الشعراء الذين يبحثون عن المصلحة الخاصة أو الشهرة، من دون التفكير في المصلحة العامة، استفادوا ماديا وإعلاميا، من معظم هذه البرامج، لكن يجب أن نكون على ثقة في أن (الزبد سيذهب) وسيبقى الإبداع الحقيقي، وسيكتب له الخلود".

ويجد البريكي، أن أفضل مقترح لنجاح برامج الشعر، هو فقط ما يندرج تحت خانة وعنوان أمانة خدمة الأدب.

 إعادة تنظيم

يطرح الشاعر أحمد الزرعوني، مجموعة من الآراء التفصيلية في حديثه عن الموضوع المطروق، فيقول:" تركز المسابقات، بشكل عام، على العائد المادي للبرنامج الشعري والقناة التلفزيونية المعنية. وأما في تاشأن جانبي، فإثراء الساحة الشعرية وإبراز الشاعر، هما من ثانوياتها".

ويتابع الزرعوني: "يعد برنامج (شاعر المليون)، استثناء في هذا الصدد، لما يحتويه من معايير كفاءة متنوعة، تتجسد في عدة جوانب، في مقدمها: لجنة الحكام والجذب الإعلامي الكبير. ولكن توجهه أيضا مادي، بدليل ترشح الشاعر ذي التصويت الأكثر، والتصويت هو ما يسعى إليه البرنامج، أي العائد المادي" .

ويضيف الزرعوني: "ان البرامج المتخصصة باتصالات ومشاركات الشعراء في الإذاعات والقنوات التلفزيونية الشعرية، تدير عجلة الشعر فقط. ونادرا ما نجد أنها تأتي بابتكار أو تجديد في الساحة، وتنوع في أساليب الطرح.. وأود، هنا، أن أشكر القائمين على مثل هذه البرامج، إلا أنني أرى بأن تكون هناك إعادة تنظيم".

وحول رأيه في ما إذا كانت مثل هذه البرامج، تخدم شاعرا بعينه، قال انه لا شك في أنها عندما تخدم الشاعر، فعلياً، فهي تثري الساحة الشعرية، كون الشاعر هو الشجرة التي ترمي بثمارها في الساحة الشعرية، ليتذوق منها الجمهور.

وهنا نجد أن الساحة الشعرية تصبح خضراء ومفعمة. ويختم الزرعوني: "كما أسلفت، إن البرامج السابقة تسهم في تحريك عجلة الشعر، لكن من دون إضافة تجديد عليه.. وأود التحدث في هذا الصدد، عن بعض الأفكار التي أراها يمكن أن تسهم في نجاح برامج الشعر، مثل:

تسليط الضوء على شعراء مبدعين في القاع وإبرازهم للإعلام (مع ذكر أسباب اختيار هذا الشاعر ومراكز ابداعه وما ينتجه من ابتكار شعري)، استضافة فطاحل الشعر (من ذوي الشاعرية لا المهارات الإعلامية)، الدخول في تفاصيل الفكر الشعري لهذا المبدع والتعرف على كيفية تكوينه الأبيات الشعرية ونسجه للأبيات.

وما يراعيه في تسلسل نصوصه. وأخيرا - انتقاء شاعر يتميز بأسلوب غنائي ولديه أفكار (أفيهات) غنائية جديدة، والتنسيق بينه وبين ملحن ومغنٍ من طبقة مرموقة (فنيا لا إعلاميا)، لتقديم برنامج يكون سببا في التعاون الفني لطرح أغنية (مشبعة شعريا ومجددة صوتيا).. سعياً إلى الارتقاء عن الأغاني الهابطة والنصوص التافهة، والألحان المكررة والأصوات المعروفة".

 إضافة

وفي السياق نفسه، أكد الباحث محمد نور الدين، أن البرامج الشعرية لا بد وأن تضيف شيئا نوعيا، فالأدب في الإعلام إضافة. وأوضح أنه من الممكن أن تخدم هكذا برامج، الساحة الشعرية بشكل أكبر، عندما يكون هناك تنسيق للجهود، ما بين منتج البرنامج الذي يجب ان يكون على دراية في فنون التسويق والشعر، والإعلامي الذي يمتلك القدرة على العرض بشكل جيد يقنع المتلقي.

ويتابع: "يجب أن تُقدم هكذا مواد لتحقق الاستمتاع والدهشة، ولتحمل بعدا ثقافيا واجتماعيا، إلى جانب بعدها الأدبي. وهناك ثلاثة أطراف في هذه المعادلة: المتلقي والشاعر والإعلام. وعندما يحدث الاتصال بينها بشكل صحيح، يصل الشاعر إلى المتلقي عبر الإعلام، والذي يجب أن يتجاوز نطاقه الإعلامي، ويتجه إلى دوره التسويقي والدعائي.

وعن رأيه حول فضائيات الشعر، قال نور الدين: المسألة تناقش بمدى الاحتياج لهذه الفضائيات، من أجل أن تعيد ما تقدمه، وهذا ما سيجعلها تفتقد عنصر التشويق، وتذهب إلى التكرار، فالبرامج الشعرية يجب أن تقدم بطريقة مسرحية، بعيدا عن الرتابة، ومثل هذه البرامج لا يمكن أن تغطي فترة البث طوال 24 ساعة، خاصة وأن الإنسان يحتاج إلى ما يقارب 15 دقيقة يومياً إلى الشعر، فكيف يعقل أو يمكن أن نقدمها على مدار اليوم؟"

ينظر الشاعر المصري، المنجي سرحان، إلى فضائيات الشعر، على أنها تجارة يستفيد منها أصحاب المحطات الفضائية، من خلال الاتصالات التي يجريها الشعراء. ويحكي عن كيفية توظيف تلك القنوات لدعم الموهوبين، وإيجاد خامات رفد حقيقية لساحة الادب، محليا وعلى المستوى العربي: " إذا أُعيد تقييم أدائها، ومنهجيتها لخدمة المجتمع العربي بأكمله.

فمن الممكن أن تفرز أجيالاً جيدة، من خلال تقديمها إلى المشاهد والمجتمع، برؤية حيادية تماما، في جانب عرض جميع الأصوات الشعرية الصاعدة، بصرف النظر عن التوافق أو الاختلاف معهم، بحث يترك الحكم للجمهور؛ ذلك لأن الشفافية والحيادية، مطلوبان".

وشدد سرحان على ضرورة أن تقدم تلك الفضائيات، جميع المضامين والاتجاهات الشعرية التي يكتب فيها، سواء كان اجتماعيا أو عاطفيا أو سياسيا أو تأمليا، وصولاً إلى آخر الموضوعات والأغراض التي يكتب لأجلها الشعر أو يستهدفها الشعراء في كتاباتهم.

الشعر النبطي

يشير الشاعر والناقد المصري عبد العليم إسماعيل، إلى أن بعض هذه الفضائيات يبتعد عن الهدف الأسمى، وهو الشعر أو الأدب أو الثقافة بشكل عام؛ نظرا إلى اقتصارها على الشعر النبطي أو الأشعار الشعبية، واللهجات المختلفة لبعض الدول، مؤكدا أنه ليس ضد ذلك، لكن يجب أن لا يكون على حساب اللغة القومية، ضارباً المثل بالشعراء قديما، والذين كانوا يكتبون باللغة العربية الفصحى. وأما اليوم فإننا نسمع، برأيه، أشعاراً لا نفهم منها شيئا، وكل ذلك على حساب اللغة.

وانتقد إسماعيل المسابقات التي تعنى بالقصيدة: "هناك تعليقات وتحفظات على المواهب التي تفرزها المسابقات الشعرية، حيث إنها تخضع لآراء الجمهور الذي لا يعنيه مستوى القصيدة، بقدر ما يهتم بالشاعر الذي ينتمي إلى بلده.

كما حوّلت الشعر إلى مباراة في كرة القدم، كل فريق فيها، يريد أن الفوز بأي شكل.. إن هذه المسابقات ترتكب جناية في حق الشعر، وحق الوجود العربي في حد ذاته؛ لأن الأمة بدون مقومات أو أسس، تفقد الكثير من كينونتها، ولغتنا هي التي تجعلنا موحدين".

وعن الدور المفترض أن تقوم به فضائيات الشعر، يشدد إسماعيل على ضرورة الاهتمام بالمواهب الصاعدة، وبالشعر الحقيقي، والقصيدة الفصيحة، وأن تقدم دورات في علم العروض والنقد، وترفد الساحة بنقاد يتحدثون عن الشعراء وتجاربهم، بحيث يتبنى كل ناقد بعض المواهب الشابة، والشعراء أيضا، وكذلك إقامة مسابقات ذات جدوى، تعرف الشعر الحقيقي، بعيدا عن النعرات القبلية، وعن اللهجات التي تفرّق أكثر مما تجمّع.

 طرد المبدعين

يتفق الشاعر المصري حسن بدير، مع الآراء السابقة، واصفا ما يحدث في بعض القنوات الشعرية، رغم قلتها، بالتجارة الرابحة لأصحابها، والخاسرة للشعراء ذاتهم، خاصة الذين تستضيفهم تلك القنوات، فهي بمثابة قناة طاردة للمبدعين؛ لأنها تعمل على استضافة الشعراء الكبار مجانا، واستضافة الشعراء الجدد بمقابل مادي، كي يظهروا على تلك القنوات، وهو ما يمثل حائط صد بين إبداعهم والناس.

ويرى أننا نحتاج، وبوجه السرعة، إلى التركيز على أن تكون تلك القنوات، صدى مؤثراً وحقيقياً، لافتاً إلى ضرورة توافر تنوع ضمنها، بين الشعر العامي، وشعر الفصحى. بالإضافة إلى وجود الشعر النبطي الذي يمثل في وجوده توصيلا لأحاسيس معينة.

وكذا موسيقى شعرية راقية، سنعتاد عليها وتفيدنا في أشعارنا، مثلها مثل الأغاني اللبنانية واللهجات الأخرى، والتي قوبلت في بدايتها بعدم الفهم، ومن ثم لاقت استحسان الكثيرين، حتى الشعراء والكتاب المصريين والعرب، إذ اتجهوا إلى الكتابات باللهجة العامية المصرية، وآخرون بدؤوا تأليف أغانٍ وقصائد بلهجات أخرى.

ويرفض بدير فكرة ما يقال عن فشل محاولة تحويل الشعر إلى فن مرئي، فيقول: "إنها محاولة جيدة تحتاج إلى التطوير والإبداع والتنوع، ولكنني أشدد على عدم تقبلي فكرة الإذاعة الشعرية، فأنا أفضل المرئية، ذلك حتى يعيش الجمهور مع الشاعر أجواء روحية هادئة، وإحساسا مختلفا يمتزج به خيال الشاعر مع الجمهور.

 سوء إدارة

يبدي الشاعر المصري، ماهر مهران، استغرابه من قلة وجود قنوات تلفزيونية شعرية في العالم العربي أجمع، مع اقتصار الاهتمام بالشعر على منطقة الجزيرة العربية. ويؤكد في هذا السياق على ضرورة تعدد الاتجاهات واللهجات، وإن كان وجود اللغة العربية الفصحى في الشعر العربي يثري الاتجاهات كافة، في ظل التعامل مع أساسيات وثوابت تغذي الشعر ولا تضره.

ويدعو مهران إلى أهمية تنظيم المسابقات التي تصب في أكثر من اتجاه، وتعمل على استقطاب جماهيري كبير من مصر والدول العربية كافة، على أن يتم تقديم شعراء شباب بجانب شعراء كبار؛ بغرض مواكبة التقدم، وأيضا العمل على تجديد دماء لجان التحكيم، وضمان التنوع فيها، وكذا الاعتماد على أشخاص أهل لتلك المسؤولية الكبيرة.

والابتعاد عن من يتخذ هذه المهمة دعاية له ولمصالحه الخاصة، وكذلك الابتعاد عن المهرجين الأقرب إلى "الأراجوزية"، دون النظر إلى جماليات الشعر، ومن غير العمل على التنقيب عن شعراء جدد، وتبني نتاجهم الشعري.

 الحياة الشعرية الإعلامية

يؤكد الإعلامي عمر حرب، أنه من الطبيعي أن يكون اهتمام بلاد الجزيرة العربية بالشعر له منحى محدد، خاصة وأن هذه البلاد لديها عمق ثقافي وحضاري تاريخي للبادية العربية، وكان يظهر ذلك في رحلات الرحالة، وأيام حكم العثمانيين، إذ أثروا الشعر العربي بكلماتهم الجميلة وعباراتهم الموسيقية، فكان شعرهم يغلب عليه الطابع الرومانسي نتيجة الخيال الجامح والصحراء الواسعة، ولا شك أن الأثرياء العرب الآن، لديهم من رأس المال ما يُسخر لخدمة الشعر والشعراء.

ويضيف:" أعتقد أن ما يوجد، حاليا، في ساحة الفضاء الشعري، ما هو إلا اجتهادات ليست قائمة على استراتيجيات، ولا أسس إبداعية، فهي بحاجة إلى مناداة الدول العربية، والى أن تسير وفق منهج علمي دقيق، ومحدد، وتستلزم إيجاد مجلس إداري من المبدعين.

وليس الإداريين، يعتمد على منهج يقيمه وينظمه كبار الشعراء والمثقفين، لا مجموعة معدين وإداريين وموظفين. ولابد أن يصنع الشاعر المثقف من خلال إبداعاته، إسقاطات على الواقع الأدبي والعربي المعاصر، وأن يعنى بالتركيز على الكثير من الأفكار البناءة.

ولابد أن يستخدم الشعر كأداة من أدوات البحث عن الاستقرار الاجتماعي، كي يكون له دور في حل الأزمات الاجتماعية الكبيرة التي يثيرها الشعر والشعراء. ويلفت إلى انه لا مفر من حرصنا على دقة تجويد مفاصل الحياة الشعرية الإعلامية، إذ لا بد من أن يكون الشعر أداة لخدمة الوطن والمجتمعات التي نعيش فيها، وأن يكون لديه القدرة على إدارة الأزمات التي يثيرها الشعر، فهو أداة لتحقيق ذاته، ويقدم خدمة إلى الآخرين.

 محاور التطوير

يؤمن الشاعر ماهر أبو المعاطي، أن حالة الفضاء الشعري يجب إثراؤها، ففكرة وجودها هي الميزة الوحيدة لها، وتحتاج في تطويرها، إلى بضعة محاور أساسية، وهي :

❊ البحث عن الشعراء الجدد.. فأين هؤلاء؟ (على سبيل المثال، فإن الشاب هشام الجخ شاعر موهوب، ولكن هناك ألفا غيره، فأين هم؟ ومن يدعمهم أو يراعاهم؟ نحن في حاجة إلى فضاء يتبنى المواهب الشعرية ويرعاها).

❊ المسابقات الشعرية، ليس هناك سوى مسابقة واحدة، هي : "شاعر المليون"، ولا بد من وجود آلاف المسابقات الشعرية، من أجل تثقيف الشعراء الجدد، والارتقاء بمشاعرهم الإنسانية والأدبية والاجتماعية والثقافية.

❊ كم كبير من الفضائيات نحتاج إلى قرنه بالجانب الكيفي المميز، ليرضي الأذواق كافة، وليغذي العقول جميعها، لأن شباب اليوم هم جيل الفضائيات والإنترنت، فكيف يمكن أن لا نصنع لهم أشكالاً وأنواعا مختلفة من فضائيات الشعر تكون واسعة الانتشار، في البلدان العربية كافة؟ فيجب أن يحمل النايل سات، على الأقل، أكثر من عشر قنوات تلفزيونية متخصصة بالمجال، حتى تكون على مرأى ومسمع من الجميع.

ويؤكد ابو المعاطي أنه إذا وضعت كل تلك المحاور، في عين الاعتبار، سيتغير الفضاء الشعري، وينقلب رأساً على عقب، فاليوم لابد أن نعلم أن كل شيء تغير، حتى تذوق هذا الجيل للشعر تغير، وأيضا الأدب والزجل والثقافة..

 وكل شيء، فلابد أن يكون الهدف الأسمى، تثقيف جيل جديد من الشعر والشعراء، كون الإبداع وحده في هذا الفضاء، لا يكفي. إذ يحتاج إلى فكر مبدع مقرون بفكر إداري وبعقلية اقتصادية.. إنها، جميعاً، جوانب وأركان أساسية متكاملة، إذا اختل أي ركن فيها، حتما ستفشل محاولة ثراء فضائيات الشعر.

 سوق عكاظ مجدداً

حظي الشعر باهتمام ومكانة بارزين، لدى العرب، منذ أقدم العصور، أفرزتا، في ظل براعة العرب في دبج القصائد تعبيرا حتى عن أبسط المواقف، وكذا تنوع ألوان التعامل مع حالاته ومذاهبه، فتحول سوق عكاظ ميدانا لسجالاتهم ومعاركهم ومفاخراتهم الأدبية.. ويبدو أن هذه السوق، كما يرى البعض، عادت حالياً، وهي تكتسي ثوبا جديدا، ولكن ملامحها لم تختلف، وإن تغير الزمان والمكان والأسلوب؛ إذ باتت الشاشات الصغيرة (المحطات التلفزيونية)، ساحة للمنافسات وكذا للترويج لشاعر ما.

 التصويت

 توجه إلى بعض فضائيات الشعر، حاليا، والتي انتشرت أخيرا بشكل كبير، انتقادات متنوعة، تدور ما بين القبول والحماس لها كفكرة لإظهار المواهب ودعمها. وبالمقابل الرفض لكونها تسعى إلى التربح وتقلل من قيمة الشعر والشعراء، على حد زعم المنتقدين، من خلال التصويت على الشاعر على أساس المنطقة التي ينتمي إليها، وليس الموهبة التي يتمتع بها، وما بين الحياد الذي ينظر إلى كونها فكرة تحتاج إلى التطوير.

 جناية فكرية

يجد الشاعر المصري، عبد العليم إسماعيل، أنه هناك تعليقات وتحفظات على المواهب التي تفرزها المسابقات الشعرية، إذ إنها تخضع لآراء الجمهور الذي لا يعنيه مستوى القصيدة، بقدر ما يهتم بالشاعر الذي ينتمي إلى بلده، كما حوّلت الشعر إلى مباراة في كرة القدم، كل فريق فيها، يريد أن الفوز بأي شكل. ويضيف: "إن هذه المسابقات ترتكب جناية في حق الشعر، وحق الوجود العربي في حد ذاته؛ لأن الأمة بدون مقومات أو أسس، تفقد الكثير من كينونتها، ولغتنا هي التي تجعلنا موحدين".

 شرط

يوصف الإعلامي المصري، عمر حرب، الماهية الأجدى لنهج الفضائيات الشعرية ورؤاها، فيقول: "نحن في حاجة إلى فكر وعلم قائمين على أسس تضعها منظومة إعلامية هادفة، تخضع لفكر نخبة من المثقفين والشعراء، وتبحث عن الكيف وتترك الكم للعشوائية والتجارة، من ثم تحيط شعراءها الجدد بمسابقات قوية تثبّت أقدامهم على الطريق الإبداعي، وتكافئهم بمسابقات حقيقية معنوية أكثر منها مادية".

Email