إتحاد كتّاب وأدباء الإمارات

جهود التأسيس.. حكايات وتــضحيات

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

عانى مؤسسو الجمعيات ذات النفع العام في الدولة، الأمرين، في سبيل تجاوز العقبات والصعوبات، ضمن مخاضات مراحل مشروعات تأسيسها. وكان للبدايات، بما أفرزته من شجون وشؤون تطلبت جهوداً مهمة، كبير الأثر لدى مبرزين ارتبطت أسماؤهم بها منذ الانطلاقة الأولى. لذا بقي هؤلاء أمينين على مصلحة تلك المؤسسات المجتمعية ودورها.

فحرصوا على صون مكاسبها والبناء على منجزها، مهما كلفهم الأمر واحتاجه من تفان في العمل. ولعل اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، في هذا الصدد، أنموذج لامع، لما يعكسه من أمثلة حية بارزة، تدلل على التضحيات من هذا القبيل، والتي اغتذت من مخزون الإصرار على النجاح واستكمال عملية تأسيسه في أفضل وجه، وكذا ترسيخ وجوده وتحقيق رؤاه الاستراتيجية.

 

اعترضت طريق اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، في الفترات الأولى، عقب تأسيسه عام 1984م، عقبات جمة، أهمها اختلاف المؤسسين في الرأي إزاء قضايا مختلفة، وكذا حول التوجهات في مسائل شائكة ومتفرعة، علاوة على تباين وجهات النظر بشأن ماهيات مناهج العمل ومضامين خطط النتاج الأدبي والفكري، الخاصين به.

جميع تلك العوامل والمفردات، كان لها انعكاسات عملية في أرض الواقع، طالت بنية الاتحاد، بشكل أو بآخر، فكانت إفرازاتها متشعبة أدت، خاصة، إلى حدوث انقسامات في قاعدته التأسيسية، إضافة إلى اضطرار بعض الأعضاء، إلى الابتعاد عن تولي المهام وتحمل المسؤوليات، مفضلاً تركها لفريق محدد، صمد هذا الأخير، بدوره، وفي محطات بداية التأسيس، في وجه العواصف، متحدياً الظروف القاسية كافة، والتي أصبحت حكايات تروى، فسطر صفحات نجاح مهمة، تخطى معها الحواجز، بثقة واقتدار.

 

تحديات

تعددت أشكال العقبات التي برزت لـ"اتحاد الكتّاب"، وكان تعددها مصطبغاً بسمة التنوع والعمق في طبيعة كل منها، وذاك ما خلق تعقيدات ذات حساسية أخذت، حينها، تشخص بقوة فتكبل فاعلية الاندفاع والتخطيط. وإذا ما تركنا جانباً، في هذا الخصوص، حيثيات المشاكل المتمثلة، آنذاك، في اختلاف الرأي والانقسامات، مفضلين عدم الخوض في الأطروحات والأفكار المتباينة والمتقاطعة.

فإننا لا يمكن أن نتغاضى عن إدراك واستعراض حقيقة التحديات المادية التي واجهها "كتّاب وأدباء الإمارات"، والتي كانت دقيقة وخطرة جداً، حتى إنها وصلت أحياناً، حدود بلوغ الاتحاد حافة الانهيار، ومن ثم الزوال.

 

نجاح يهزم العقبات

لم تك ولادة اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات موسومة بطابع الوفرة المادية والإمكانات المالية الضخمة. إذ إنه نشأ، من وفي، رحم عسر مادي، نتيجة غياب مصادر دعم وتمويل مادي تهيئ أو ترفد، على الأقل، تحقق فكرته واقعاً ملموساً. ولكن تلك الحال لم تفلح في جعله يبقى في خانة الأحلام، ذلك بفضل جهود المؤسسين وتفانيهم، في سبيل جعله قوة راسخة ومؤثرة في ساحة الفكر والمجتمع في الإمارات.

وهكذا غدا، في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، وبفضل جهود الإخوة الأعضاء المؤسسين، أصلب عوداً وأشد تأثيراً، عقب أن هُزمت عقبة ضعف القاعدة المادية للاتحاد، من خلال تقديم الأعضاء المؤسسين، مبالغ مالية جيدة، تكفل توفير قاعدة إمداد محترمة له، وتقصي احتمالات ومخاطر تهديد مشروع وجوده كلياً..

وهكذا دفعوا من مالهم الخاص ولم يبالوا بحجم ومستويـــات الجهود التي احتاجها منهم هدف الإبقاء على حيوية الرؤى الاستراتيجية المراد بلوغها من خلاله، عبر مراحل بناء تدريجي في هيكليته ودرجات قوته. وبذا كانوا حريصين، حينئذ، على دفع عجلة سيره. ومن ثم ركزوا على إنمائه وتصليب مفاصل وجوده، حتى يصل إلى ما هو عليه من قدرات وتطلعات وإمكانات، والتي ربما لا تكون كبيرة جداً، إلا أنها مهمة ومفصلية، تحديداً في جانب الإصدارات والمطبوعات.

والتي بلغت في أرقام عناوينها، أكثر من مائتي عنوان، في حقول وألوان الإبداع الشعري والسردي والدراسي. إضافة إلى وجود أربع مجلات متخصصة، ذات مستوى نوعي، وهي: شؤون أدبية، دراسات، السرد، قاف.

 

أسماء وتاريخ

عندما أُشهر اتحاد كتاب وأدباء الإمارات عام 1984م، لم يك في حسابه المصرفي الخاص، أي مبلغ يفي حتى باحتياجات تغطية بعض المدفوعات الضرورية، إلا أن التعاون المتميز بين أعضائه، والذي كان من سمات فترة التأسيس تحديداً، دفع الجميع إلى الحركة.

وهو ما ساعدهم على الصمود. وفي الفقرات التالية، سنشير إلى مجموعة من أسماء من ساهموا فعلياً، في بناء الاتحاد، وذلك طبعاً، لا يعني أنهم هؤلاء هم الوحيدون، فربما هناك آخرون، لا تسعفني الذاكرة، الآن، في استحضار أسمائهم.

 

عوز مادي ووفرة معنوية

كان الخير كثيراً، واستفادت الآمال والمقاصد، من أطر الدعم الحيوي للجهات الحكومية المسؤولة. إلا أن تأسيس اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، لم يتواز مع دعم الحكومة، والذي جاء لاحقاً، لذا عانى المؤسسون من عدم وجود رأس المال في البداية.

لكن تعاضدهم كفل تجاوز تلك العقبة، ومن ثم تعزيز قدرات سفينة اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، على الانطلاق والعطاء. وسأذكر هنا بعض الذين قدمـــوا الدعم المتنوع للاتحاد، وكانوا فعلاً خير من قدم مساعدة فاعلة وفرت إذكاء قدراته تعزيز ركائز وجوده وحضوره في الساحة.

ومنهم، الصديق عبد الله الشرهان الذي تبرع بشقة يملكها، ضمن بنايته الكائنة عند بداية شارع الوحدة، إذ ظلت مقراً للاتحاد، حيث كان يستفيد منها من دون دفع أي مقابل مادي، إلى أن باع الشرهان البناية كاملة، عام 1987. واضطر مجلس الإدارة، إلى إيجاد مقر آخر له، وهو المجاور لدائرة البريد المركزية في الشارقة.

لم يتأخر الراحل غانم غباش، عن رفد الاتحاد بإمكانات ومقومات مهمة، فقرر إهدائه المكاتب والكراسي، وكذا الأثاث الذي كان بعهدة مجلة "الأزمنة العربية"، ووفر غباش على الاتحاد، عبر هذه الخطوة، قيمة التكلفة المادية لعملية شراء المكاتب، والتي لم يك مبلغها، أصلاً، متوافراً لديه.

كما تحمل ناصر جبران، الذي كان أميناً عاماً للاتحاد، أكلاف مصروفات يومية، ضرورية ومتنوعة لدى الاتحاد، من جيبه، ومن بينها: مبالغ تكلفة المشروبات الساخنة والباردة، إضافة إلى بعض القرطاسية.

أما الأديب عبد الغفار حسين، أول رئيس لاتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، فدفع من ماله الخاص، مرات عديدة، أجور طباعة إصدارات مختلفة لدى الاتحاد، ذلك حتى من دون أن يذكر دعمه ذاك، على غلاف تلك الكتب، ولعلي أذكر موقف عبد الغفار حسين (أبو نبيل)، في مبادرته إلى تبني طباعة كتابي الأول، حول موضوع تاريــخ المسرح، إذ دفع ألفي دولار أميركي، ثمناً لطباعته في العاصمة اللبنانية بيروت.

 

عصب رئيس

حرص الراحل سلطان بن علي العويس، على ألا تنقطـــع مساقات وقنوات رفده اتحاد كتّاب وأدبـــاء الإمارات. فلم يتوان في التبرع إليه بمبالغ مادية ضخمة، في مرات كثيرة وليس مرة واحدة، فقدم خلالها مبالغ لا تقل عن 150 ألف درهم. صرفت هذه المبالغ في حينه، على طباعة الكتب، والتي شكلت وتشكل، حالياً، العصب الرئيسي لنشاط الاتحاد.

حظي "اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات"، بأوجه دعم أخرى، متمايزة ومتعددة، ليس بمقدورنا حصرها أو تصنيفها في خانة التحديد في هيكل الأسلوب أو القيمة المالية، ذلك كونها مثلت مساق جهد استثنائي مخلص، مرماه ومؤداه النجاح في ادخـــار الاتحـــاد مبالـــغ ماليــــة كبيرة وضروريـــة.

ولعـــب هـــذا الدور عبد الحميد أحمد، من خلال اتصالاته مع الرستماني، والـــذي تربطه به صداقة عميقة، وبذلك وفر أحمد للاتحاد، ما لا يقـــل عن مائـــة ألــــف درهم، إذ إنه، وفي كل زيارة كان يقوم بها إلى الرستماني، يؤمن للاتحاد عائداً مادياً، قيمته 50 ألف درهم .

 

بيئة نموذجية

مثلت بيئة التعاطي والتواصل في الاتحاد، مجالاً حيوياً فريداً لدعم أطر تقدمه وقدرته على الاستمرار والصمود في وجه المتغيرات والظروف القاهرة، إذ ساد جو من التعاون المثمر بين أعضاء مجلس إدارته وكذا الكتاب والأدباء، ضمنه.

وكان الجميع يعمل طبقاً لمبدأ التبرع الذاتي المنبني على أساس حافر ودافع الانتماء الصادق والمخلص إلى الاتحاد. وكانت المحصلة النهائية، نجاح الاتحاد نفسه، في إطلاق وتجسيد رؤى ومشروعات عمل فكرية، كان من المستحيل ظهورها أو تحققها في ظل غياب أشكال التعاون والتكاتف تلك.

وبطبيعة الحال، فإن عاملي: تجاوب وتنسيق شتى المؤسسات الحكومية والخاصة في الدولة، أسهما في مد الاتحاد بمقومات عمل منفتح وواسع، ومن بين ذلك، على سبيل المثال، تبرع دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، بتبني مشروع ملتقى القصة والرواية في الإمارات، بدوراته الثلاث، وتحملها مسؤوليات تأمين متطلباته واحتياجاته كافة.

اتسمت مبادرات دعم الشاعر محمد أحمد السويدي، الذي كان يرأس المجمّع الثقافي في أبوظبي، لأنشطة اتحاد الكتّاب، بالسخاء، إذ تبنى المجمع "ملتقى الأدب في الخليج العربي" الذي نظمه الاتحاد في المجمع الثقافي نفسه، بشكل كامل.

 

فعاليات نوعية

صور ومواقف كثيرة وحافلة، تجلت فيها وعبرها، براهين أهمية وقيمة تعاون أعضاء اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، في مراحل متنوعة. إذ مهد ذلك، طريق تذليل عقبات لا نهاية لها، ولعل أبرز جوانب الدعم الذاتي والاعتماد على النفس، تتجسد في موقف التفاف الكتاب والأدباء حول مجلس الإدارة، في المراحل الأولى، بموازاة التركيز على العمل الرامي إلى تحقيق الأهداف وتكثيف أشكــال المنجـــز، ذلك من دون مقابل، ومن أمثلة الأعمال على هذا الصعيد: طباعة الكتب، إصدار المجلات.

واللافت انه لم يك أحد ليفكر في الحصول على مقابل مادي للجهود المبذولة في المجال، بل قامت الأعمال تلك، في أسسها، على ركائز الاندفاعات الذاتية التي كانت سمة رائجة حينذاك. ولم تك الظروف المحيطة أو الإمكانات لدى اتحاد الكتّاب، في حينها، قادرة على أن تؤطر آماله وتطلعاتـــه، لذا شرع في تنفيذ أطر عمل استراتيجي محوري، تمثل في خطط تنظيم ملتقيات وندوات أدبية موسعة، على الرغم من عدم وجود المبالغ المالية التي تغطي ميزانيات مثل هذه المشروعات، وما خدمه في هذا الشأن، تعاون مؤسسات وهيئات عديدة. ومـــن بين الفعاليات في الحقل:

الملتقى (الأول والثاني والثالث ) للقصة والرواية في دولة الإمارات- إذ أقيم بالتعاون مع دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، ندوة الأدب في الخليج العربي" 10-14 يناير 1988" بالتعاون مع المجمع الثقافي في أبوظبي ( بإشراف اتحاد الأدباء العرب، وبحضور عدد كبير من الباحثين- أمثال : جبرا إبراهيم جبرا، محمد مبارك الصوري، محمد عبد الرحيم كافود، إحسان عباس، علي جواد الطاهر، ومالك المطلبي.

كما كانت هذه الندوة، قد حصلت على دعم سخي مباشر من الشاعر محمد أحمد السويدي، والمجمع الثقافي في أبوظبي، وأتت كثمرة طيبة لتعاون المجمع واتحاد الكتّاب. ولعل أبرز المنجزات النبيلة التي جاءت حصيلة الندوات، تتمثل في تشكيل البينة الأساسية لأدب متميز ومؤهل، يمكنه شغل موقعه الطبيعي في مجمل المكون العام للفكر الإنساني العربي، وكذا يجدي في تعزيز مسالك وجهود ربط المشهد الثقافي في الإمارات، بنظيره العربي العام.

 

ملتقى نوعي

ربما أننا لا نبالغ في القول، إن الندوة الاستثنائية التي نظمها اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، بالتعاون مع اتحاد المؤرخين العرب، عن: أسد البحار أحمد بن ماجد ( من 10 إلى 12 يناير عام 1989م)، إذ كانت واحداً من أهم الملتقيات، ولعلها الأخيرة، فلم تتكرر ندوات مشابهة لإتمام مثل هذا المشروع الأساسي في الحياة الثقافية.

وشارك في الندوة، متخصصون وخبراء من أقطار عربية وأجنبية عديدة، مثل: السويد والدنمارك. وشكلت الدراسات والأبحاث التي تمخض عنها الملتقى، مرجعيات فكرية مهمة، لدراسة تاريخ أحمد بن ماجد.

وأيضاً، من الندوات النوعية التي نظمها اتحاد الكتّاب، تلك الآونة، الندوة المتخصصة في الكشف عن شاعرية سالم بن علي العويس، الفذة. وكذا دوره التنويري في الحياة المحلية خلال فترة ما قبل ظهور النفط، ورياديته في الشعر، وأيضاً محطات حياته ومراحلها:

ما بين عجمان والشارقــة ومجموعة إمارات أخرى. إلى جانب نتاجه الشعري، الفصيح منه والنبطي، إذ ناقشت الندوة تلك، قيمة سالم بن علي العويس، كمثقف وشاعر تنويري، وكمؤسس للحركة الشعرية في الإمارات. ولا بد من الإشارة هنا، إلى أنه كان للاتحاد دور حيوي، في إلقاء الضوء على جوانب مختلفة من شعر سالم بن علي العويس وحياته.

 

خيمتنا وموئلنا

إنها أسطر متنوعة، حاولت فيها، رصد جهود ومكابدات ومعايشات اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، منذ بداياته، مسجلاً ما حققه من إنجازات، ومدوناً قيمة أعمال رواد كثر، دعموا مسيرته وثبتوا مساره في الاتجاه الفاعل ضمن الحياة الثقافية في الإمارات.

ولعلي نسيت العديد من المواقف نتيجة محدوديــة المساحة على اتساعها، وبتأثير ذاكرة بدأت الثقوب تجتاح جزءاً منها، فالعذر لأصدقائي ولإخواني وللاتحاد بيتنـــا الذي نلجأ إليه في كل الحالات، فهو سقف جميـــع الأدبـــاء والكتّاب، وكذا خيمتنا التي نعتز بها.

 

قاعدة مهمة

 

لم تك ولادة اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات موسومة بطابع الوفرة المادية والإمكانات المالية الضخمة. إذ إنه نشأ، من رحم عسر مادي، نتيجة غياب مصادر دعم وتمويل مادي تهيئ أو ترفد، على الأقل، تحقق فكرته واقعاً ملموساً. ولكن تلك الحال لم تفلح في جعله يبقى في خانة الأحلام، ذلك بفضل جهود المؤسسين وتفانيهم، في سبيل جعله قوة راسخة ومؤثرة في ساحة الفكر والمجتمع في الإمارات.

وهكذا غدا، في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، وبفضل جهود الإخوة الأعضاء المؤسسين، أصلب عوداً وأشد تأثيراً، عقب أن هُزمت عقبة القاعدة المادية للاتحاد، من خلال تقديم الأعضاء المؤسسين، مبالغ مالية جيدة، تكفل توفير قاعدة إمداد محترمة له، وتقصي احتمالات ومخاطر تهديد مشروع وجوده كلياً.

Email