كنوز العالم ..نفائس التاريخ ومخزون إبداع البشرية

حكاية تاريخ حضارة أمم وفكر البشرية وذاكرة شعوب, سجلت بصمة تطل على العالم الحديث لتروي بالمخطوطات والآثار قصة كنوز لا تقدر بثمن، تتضاءل أمامها العملات لأنها لا ترتقي لشراء مكنونات وكنوز التاريخ وإبداعات البشرية في كل صوب وكل مكان في العالم.

 

الكنوز قصة يعتز بها العالم ويفتخر، فما هي تلك النفائس وما هي تلك الأمم التي تمكنت أن تلوح للعالم أجمع بتراثها وكنوزها وقصص تاريخها وصفحات مضيئة من حياتها؟

كنوز الفراعنة التي أذهلت العالم كله وعكست حضارة7 آلاف عام، كنوز شاهدة على تاريخ نادر يصعب فك أسراره، حيث يتداخل الغموض مع روعة شموخها التي يحرسها نهر النيل الخالد الذي عاصر تشييدها، ولكنه، وحتى اليوم، لم يبُح بأسرارها. الأهرامات الثلاثة بمنطقة الجيزة في القاهرة وأمامها أبو الهول رمز الحكمة وأحد أسرار حضارة القدماء المصريين، مسلات ومراكب الشمس، لا تقل أهمية عن كل ما هو عظيم وشامخ من كنوز الفراعنة.

معابد الأقصر وأسوان، طريق الكباش، تمثال رمسيس الذي يعكس التحدي الفرعوني العظيم، تماثيل نفرتيتي بعيونها المميزة المصرية وحتشبسوت، جميع هذه الكنوز تلوح لسواح العالم بدعوة للحضور، و سيظل الاندهاش هو الإنطباع الأول والأخير في عيون هؤلاء القادمين من أنحاء العالم ليطلوا على حضارة وكنوز سبعة آلاف عام.

العديد من الرؤى الفرعونية القديمة كانت وراء التحدي العظيم الذي دفع هؤلاء إلى تشييد كنوزهم في مصر على إمتداد صحرائها الغربية وفي مدينتي الأقصر وأسوان.

حكاية أخرى تعكس كنوز المصريين القدماء محفوظة بكل عناية في المتحف المصري الذي يتخذ من ميدان التحرير في قلب القاهرة مكاناً له، حكاية المتحف المصري تبدأ من العام 1896 عندما صممه المعماري والمهندس الفرنسي «مارسيل دورنو» على النسق الكلاسيكي الذي يناسب ما به من كنوز أثرية فرعونية وهو أيضاً يعكس العمارة المصرية القديمة التي ما زالت علماً على هذا المتحف الفريد من نوعه والذي يعد من الكنوز التي أذهلت العالم.

وصممت القاعات الداخلية للمتحف ذات الجدران العالية بطريقة هندسية خاصة، بحيث يدخلها الضوء وتفترشها الشمس من خلال ألواح زجاجية مشيدة على أسقف المتحف من الداخل ومن خلال النوافذ العريضة التي تنكسر عليها أشعة الشمس لتطل بالنور والدفء داخل قاعات المتحف العريق.

أما الردهة الداخلية للمتحف والمعروفة بإسم «الردهة الوسطى»، فهي أعلى جزء من المتحف، حيث تعرض فيها الآثار الفرعونية مثلما كانت موجودة في المعابد القديمة.

وقد روعي في مباني المتحف المصري أن هناك مجالات لتضم توسعات مستقبلية حتى يتناسب مع متطلبات زيادة أعداد الزائرين للمتحف من كل أنحاء العالم.

وزعت الآثار في المتحف على طابقين، السفلي الذي يحتوي على الآثار الثقيلة مثل التوابيت الذهبية مثل تابوت غنخ آمون، وهو من كنوز العالم الذي لا توجد قطعة أثرية مثلة في العالم كله، وهو مصنع من الذهب الخالص، على جدران الطابق السفلي والتي تنطق جمالاً خاصاً بنقوشاتها، توجد عليها جداريات فريدة من نوعها.

أما الطابق العلوي فيحتوي على كنوز من نوع آخر مثل المخطوطات الفرعونية النادرة وأوراق البردي، وموميوات ملكية، وآثار فرعونية تعكس الحياة اليومية لهذه الحضارة الشاهدة على تاريخ مصر، القديم على ضفاف النيل من القاهرة إلى جنوب الوادي في الأقصر وأسوان، حضارة تروي عظمة الأجداد وشموخ الفراعنة.

كما يضم المتحف كذلك تماثيل متوسطة الحجم نادرة، وأواني مكتوب عليها حياة الفراعنة اليومية، بالإضافة إلى أن المتحف المصري يحتوي على كنوز من مجوهرات الملوك والملكات من الذهب الخالص من العيار الثقيل والمرصع بالفيروز والماس والزمرد، كنوز من المعنى والجوهر القيمة نادرة لا يوجد مثيلها في حضارات العالم القديمة والحديثة، فالفراعنة يشكلون أحد ألغاز الحضارة المصرية القديمة، اكتفوا بأن يحتفظوا بأسرارها معهم في المقابر الفرعونية الشامخة.

 

الكتبخانة

لأن الكنوز لا تقتصر على التوابيت الذهبية وآثار الفراعنة النادرة، وإنما أيضاً هناك كنوز تعكس حضارة الفكر المصري التي تضمها دار الكتب والوثائق القومية المصرية، إذ نشأت دار الكتب المصرية بمبادرة من علي باشا مبارك ناظر المعارف في عصر الخديوي إسماعيل بقرار في العام 1870 بتأسيس «الكتبخانة» الخديوية المصرية في الطابق الأرضي بسراي الأمير مصطفى فاضل شقيق الخديوي إسماعيل في منطقة «درب الجماميز» في القاهرة وهي منطقة قديمة أثرية يطل منها عراقة التاريخ وعبق زمن يهتم بكل ما هو نادر عريق وثمين.

وتأسست الدار «دار الكتب» وهو الإسم الحالي لها، أما كلمة «كتبخانة» فهي كلمة تركية تعني مكان لحفظ الكتب والوثائق والتاريخ المسطر، تأسست لجمع المخطوطات العريقة حول التاريخ وجماليات المعمار وخاصة المساجد وكل ما يدخل تحت مسمى العلم والأدب والسيرة والتاريخ.

ومع ازدياد نمو المكتبة «الكتبخانة»، بمقتنيات الكتب العريقة وضع حجر أساس مبنى جديد لها وهو دار الآثار العربية المعروفة حالياً بإسم «المتحف الإسلامي» في منطقة «ميدان باب الخلق»، وقد خصص الطابق الأرضي منه لدار الآثار العربية القديمة والطابق الأول وما فوقه للكتبخانة الخديوية.

وانتقلت إليه الدار في سنة 1903، وفتح المبنى للمترددين عليه والباحثين في سنة 1904، وقد تم فتح مبنى آخر للكتبخانة عام 1961 على كورنيش النيل في منطقة «رملة بولاق».

وتعتبر الآثار الموجودة بالقاهرة الفاطمية ومن أشهرها المساجد القديمة من التجليات المصرية في مجال الآثار والكنوز والمعمار المصري القديم، تصبح هذه المناطق التي تطل من التاريخ، تعج بالسائحين من كل أنحاء العالم يتمتعون ويحملون معهم منمنمات أثرية وحفنة من الذكريات ليعودوا لمصر مرات ومرات أخرى.

 

اللوفر فنون العالم

يعد متحف اللوفر أكبر قاعة عرض للفنون العالمية، وبه أيضاً العديد من الآثار الفرعونية المصرية التي سرقت أثناء الحملة الفرنسية على مصر.

واللوفر كان عبارة عن قلعة بناها «فيليب أوجيست» 1190 تحاشياً للمفاجآت المقلقة على المدينة أثناء فترات غيابه الطويلة في الحملات الصليبية، وأخذت القلعة إسم المكان الذي شيدت عليه، لتتحول لاحقاً إلى قصر ملكي بإسم قصر اللوفر قطنه ملوك فرنسا وكان آخر من سكنه من الملوك، الملك لويس الرابع عشر ترك اللوفر مقراً يحوي كثيراً من التحف الملكية والمنحوتات والجداريات النادرة.

يبلغ مجموع أطوال قاعاته نحو 13 كيلومتراً مربع، وهي تحتوي على كنوز فنية نادرة هي أكثر من مليون قطعة فنية سواء أكانت جداريات أو تماثيل أثرية، وبه أيضاً أثار رومانية وإغريقية وآثار لبلاد الرافدين والتي بلغ عددها 5664 قطعة أثرية بالإضافة إلى لوحات يرجع تاريخها إلى القرن الثامن عشر الميلادي.

ويدخل الزائر لمتحف اللوفر عن طريق هرم زجاجي ضخم تم افتتاحه في سنة 1999، وأهم أقسام المتحف القاعة الكبرى التي شيدتها كاثرين دي ميتش في القرن 17 تحتوي على كنوز لوحات فنية لمشاهير الفنانين، تتصدرها لوحة ليوناردو دافنشي «الموناليزا» الشهيرة التي رسمها سنة 1503، وفي القاعة الكبرى بالمتحف بعض لوحات الفنان الفرنسي «تولوتريك» الذي اقترن اسمه بمقهى «المولان روج» .

 

«طوب قاي »

حكاية كنوز العالم لم تكتمل بعد، فمن أشهر كنوز العالم ومعالم متحف يتباهى به التاريخ، هو متحف «طوب قاي» وكان سر الأسرار ذات يوم ومقر الحكم التركي الذي منه تنطلق القرارات التي كان من شأنها تغيير سياسة العالم، ويعتبر طوب قاي سراي من أجمل معالم اسطنبول التي يزيدها جمالاً على جمالها، وجمالها يعكسه أيضاً القصر، والمعالم التاريخية التي تعتبر في حد ذاتها كنز الكنوز العثمانية، ومن كنوز اسطنبول أيضاً مساجدها، ولكن طوب قاي يكاد وحده يلخص عظمة وتاريخ سلاطين بني عثمان.

ويتكون طوب قاي من عشرات القباب، تحتها كنوز عظيمة لدولة بني عثمان، وكنوز من الذهب والأحجار، ونماذج من كنوز المخطوطات العربية والفارسية ومنمنمات ونماذج لمصاحف مخطوطة بماء الذهب وصور لسلاطين بني عثمان، ونماذج للأثاث التركي المطعم بالذهب الخالص.

وشكمجيات أثرية من الذهب منقوش عليها كنوز من الآيات القرآنية، وصندوق ذهبي يضم بداخله البردة النبوية الشريفة. وصندوق ذهبي آخر يحفظ كنزا من كنوز البشرية وهو نص رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، نص الرسالة التي بعث بها إلى المقوقس ملك القبط سنة 627هــ.ومن الكنوز التي يحتوي عليها طوب قاي مفتاح للكعبة المشرفة من الفضة الخالصة وأجزاء من ستائر الكعبة منقوش عليها آيات قرآنية،.

وماذا عن الشرق الأقصى وكنوز وجماليات تراثه وعراقة حضارته، الصين، تحتوي على العديد من أندر كنوز العالم أشهرها على الإطلاق ما يعرف بإسم «المدينة المحترمة» أو كما تسمى القصر الإمبراطوري، الذي يعد من المعالم التاريخية لمدينة بكين ويقع في قلب مدينة بكين، صنفته منظمة اليونسكو ضمن التراث الثقافي العالمي.

وكان مقراً للعديد من الإمبراطوريات مثل أسرتي مينمغ وتشينغ، استغرق تشييد هذا القصر الصيني 14 عاماً (1406 ــ 1420)، يوجد به حوالي مليون قطعة فنية أثرية نادرة، وتحتل المدينة المحترمة مساحة 720.000 ويبلغ طولها من الجنوب إلى الشمال 960 متراً وعرضها 750 متراً، ويضم أكثر من 800 مبنى وحوالي 8700 غرفة.

متحف طوكيو الوطني من الكنوز العالمية، يضم آثارا يابانية فريدة منها سيوف الساموراي وخزفيات أثرية وجداريات حريرية ونماذج من أشهر الملابس التقليدية اليابانية مثل الكيمونو، كما يضم أندر المخطوطات اليابانية ويعكس التراث الثقافي الياباني والتراث التاريخي وجداريات تعكس الحرب والسلام ونهضة اليابان الحديثة.

متحف الفن الحديث في منهاتن يعرف بأنه أكثر متاحف الفن الحديث تأثيراً في العالم، يضم تراث المعرفة الأميركية، وتحفا فنية وهندسية ومعمارية ورسوما وصورا ونحتا وتصويرا وأفلاما وثائقية، تحتوي مكتبته على 300.000 كتاب تعكس حقبا مختلفة من التاريخ الأميركي والأرشيف فيه يحتوي على الأصول المتعلقة بالفن الحديث والمعاصر.

ترجع نشأته لسنة 1928 أسسه جون روكفلر وزوجته، من أندر ما يضمه المتحف 4 ملايين نسخة من الأفلام الصامتة.

وإذا كانت الكنوز في العالم كله تعرض لتغازل السياح في كل مكان يأتون مبهورين، تختزن ذاكرتهم حقبا من تاريخ وكنوز وحضارات الشعوب، فإن هناك أيضاً كنوز من نوع خاص جداً، هي تلك التي تقتنيها الأسر العريقة في كل العالم، فمثال النخبة الأرستقراطية مليئة بكنوز لا تقدر بثمن، تقدر فقط بذكريات هذه الأسر التي رحلت عن عالمنا تاركة إرثاً من الكنوز للأبناء والأحفاد وأجيال جديدة تنحدر من تلك الأسر، ربما تحافظ على كنوزها في عالم تغلب عليه كل ما هو استهلاكي وسريع وسطحي.