آثار الشارقة ذاكرة تحكي قصة الحضارة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تشكل المواقع واللقى الأثرية المكتشفة في إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، أهمية حيوية نوعية، تنبع من غنى جوهر دلالاتها الثقافية والفكرية والاقتصادية الضاربة في عمق التاريخ الإنساني، إذ تعكس في مكنونها، تميز المكانة التي لعبتها المنطقة، في توليفة مفردات ومضمون وسيرورة الحضارة البشرية، منذ القدم، وبشكل بارز، دورها في انتشار الإنسان (الحديث تشريحيا)، بعد خروجه من إفريقيا، في شتى بقاع الأرض.

 

يؤكد الدكتور صباح عبود جاسم، مدير إدارة الآثار في دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، رئيس بعثة التنقيب في الشارقة، أن المكتشفات الأثرية في الشارقة، والتي لا تنفك تشهد تطورا ونجاحات مستمرة، منذ عقود، تحوز قيمة ومكانة مهمة، على صعيد المنطقة والعالم، لما تعكسه وتشرحه من نماذج ومضامين وأشكال تطور في تاريخ الحياة البشرية، مشيرا إلى أنها تجسد فحوى وماهية أقدم نماذج تعايش الإنسان مع البيئة المحيطة، وكذا قدرته على إيجاد أنجع طرق وأساليب التعايش الفاعل مع الطبيعة.

 

جبل فاية

يتابع د. جاسم توضيحه في هذا الخصوص، لافتا إلى احدث وابرز المكتشفات في الإمارة، أخيرا، والذي لاقى صدى عالميا حيويا، بفضل قيمته الحضارية والتاريخية، وما تضمنه من حقائق ومعلومات، قلبت وغيرت الكثير من النظريات السابقة حول انتشار الإنسان خارج حدود إفريقيا، حيث يقول :(حقق الكشف العلمي الأثري الأخير، في جبل فاية بالشارقة (نهاية العام الماضي ‬2010).

إضافة نوعية في علم الانثروبولوجيا على الصعيد العالمي، حيث إنه يسهم في سد فجوة عميقة في دراسة تاريخ تطور وتنقل وارتقاء الجنس البشري. إذ، وكما بينت مجلة (ساينس الأميركية)، يمثل الاكتشاف الأثري في جبل فاية، أقدم دليل مادي اثري، على وجود الإنسان العصري (بشكله الحديث تشريحيا)، للمرة الأولى، في منطقة تقع خارج حدود إفريقيا. فهذا الموقع موضوع الاكتشاف.

ومقره جبل فاية بالشارقة الواقع في جنوب شرق الجزيرة العربية، كان استُوطن من قبل أقوام ينتمون إلى فصيلة الجنس البشري الحديث من الناحية التشريحية. وبهذا فهو يملأ فجوة عميقة في معرفتنا حول ظهور الجنس البشري( الحديث تشريحيا) الذي نعود إليه، في مناطق هي خارج القارة الإفريقية، حيث نشأ أسلافنا قبل حوالي ‬200,000 سنة مضت).

ويضيف مدير إدارة الآثار في دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، رئيس بعثة التنقيب: (وجدت البعثة الأثرية العلمية المؤلفة من علماء ومتخصصين من الإمارات وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية وأوكرانيا، في موقع جبل فاية الأثري، وجدت مجموعة فؤوس يدوية حجرية بدائية الشكل والصنع، ومجموعة أدوات أخرى، أعدها الإنسان آنذاك ليستخدمها في تلبية احتياجات متنوعة. كما تشير الدلائل إلى انتقال الإنسان في تلك الآونة من إفريقيا إلى هذا الموقع من شبة الجزيرة العربية، عبر باب المندب، مستفيدا من انخفاض مستويات البحر أثناء فترات البرودة.

وكانت بدأت حملة التنقيب المنهجية في الموقع، منذ العام ‬2003 م، وبعد حفر سلسلة متعاقبة من طبقات تعود إلى العصر ما قبل الفترة الإسلامية والعصر الحجري الحديث، ظهرت طبقات العصر الحجري القديم للمرة الأولى في العام ‬2005م). ويختم د. صباح، شارحا طبيعة منهج وآليات العمل المتبع من قبل الفريق العلمي في شأن هذا الاكتشاف، وكذلك الأعمال والجهود المرصودة، إلى جانب مضمون وماهية الاكتشافات: «منذ العام ‬2006 فصاعداً ركزت البعثة المشتركة عملية تنقيباتها في الموقع.

وكان من أول المكتشفات المهمة فأس يدوية، وذلك في شهر مارس ‬2006م. وأثار هذا الاكتشاف الأثري الذي نشر في ‬28 مارس ‬2011، في مجلة (العلوم الأميركية: «ساينس») وأيضا في موسوعة ويكبيديا، اهتماما عالميا كبيرا، نظرا لمكانته النوعية في هذا المجال».

 

مليحة.. عمق حضاري

حراك ونهضة اقتصادية وثقافية تاريخية في المنطقة، هما عنوان دلالات نتائج التنقيبات الأثرية في موقع مليحة بالشارقة، ضمن مستوطنتها الكائنة في سهل داخلي إلى الغرب من سلسلة جبال الحجر، على بعد ‬20 كم جنوب مدينة الذيد الحديثة، و‬50 كلم إلى الشرق من مدينة الشارقة، حيث اظهر الدليل الأثري ان الكتابة العربية الجنوبية، دخلت مناطق الساحل الشرقي ووصلت مليحة منذ القرن الثالث قبل الميلاد. وعثر على شواهد قبور حجرية في المليحة، نُقشت عليها كتابة عربية جنوبية. وهناك مواد اخرى احتوت نقوشا آرامية.

كما أن هذه المنطقة كانت تشهد حراكا صناعيا وتجاريا مميزا، في فترة تاريخية سابقة موغلة في القدم، حيث وجدت براهين ودلائل على تقدم مستوى حرف ومهن عديدة فيها، كانت تجري ضمن ورش متخصصة موزعة في مناطق السكن في المستوطنة، وهناك ورش محددة بصناعات متنوعة للمعادن والعظام والفخار، واشتملت الاثار المكتشفة على ادوات ومعدات التصنيع والمخلفات الناتجة عن عمليات الصناعة تلك. وتضمنت الاكتشافات الاثرية في المليحة، معالم بارزة تتجسد في مجمعات من القبور التذكارية، وتلك الاخرى التي تحوي عدة غرف مشيدة تحت الارض.

كذلك قبور ضمت، اضافة إلى البشر، عددا من الجمال والخيول. وهناك ايضا مبان مهمة تمثل، بيوتا بسيطة، او ابنية كبيرة متعددة الغرف تتضمن ساحات داخلية، وشملت مبنى ذا أرضية مطلية بالبلاستر، وصف بأنه قصر. وتؤشر اللقى الأثرية في موقع المليحة، المستوردة منها بشكل خاص، إلى انه كان هذا الموقع، جزءا من شبكة تجارية تمارس نشاطها عبر مسافات طويلة وحضارات عديدة. ومن اللقى التي عثر عليها بفضل التنقيبات الأثرية المتخصصة في المنطقة، أوان وأوعية مصنوعة من الزجاج والبرونز والرخام، وأيضا مواد زينة شخصية ورؤوس سهام ورماح حديثة.

وهناك وعاء برونزي مزخرف بواسطة التحريز، يحمل مشهدا لأسد يقف قبالته رجل يهم بمواجهته وهو يحمل درعا، ويوجد خلفه رجل اخر يحمل خنجرا. ويظهر على الوعاء أيضا راس حصان، وكذا كتابة بالخط العربي الجنوبي لاسم هو :(ماراشمس).

وهذا إضافة إلى تمثال برونزي صغير لشخص يرتدي نوعا محددا من التنانير، ويمد يده اليمنى التي يقف عليها احد الطيور. ومن اللقى الأثرية كذلك، ثلاثة قوالب لسك العملة، وعثر على مسكوكات بقيمة (تترا دراخما)، أي الدرهم ذي القيمة الرباعية، و الـ(دراخما) هي عملة يونانية أدخلت إلى شرق الجزيرة العربية من قبل الاسكندر المقدوني. واستمر تقليدها في العصور اللاحقة. وهناك فخاريات بأنواع وأشكال مختلفة، ومنها ما يذكر بأنواع هلنستية من منطقة شرق السعودية، وجرار الامفورا الإغريقية.

 

قبر أم النار.. الألف الثالثة ق.م

اكتشف هذا المعلم الأثري في منطقة مليحة بالشارقة، في العام ‬1998، من قبل البعثة الأثرية المحلية التابعة لإدارة الآثار بالشارقة، وذلك وسط إحدى مزارع النخيل في المنطقة. ويعود تاريخ القبر إلى الألف الثالثة قبل الميلاد. وشيد وفق الطراز المعمول به خلال فترة أم النار، حيث خصص لأغراض الدفن الجماعي، وهو يتألف من بناء دائري الشكل، يبلغ قطره ‬13,85 مترا، وبذا فهو يعد ثاني اكبر القبور أثناء فترة حضارة أم النار. كما انه بني بشكل دائري من حجارة منتظمة، وواجهته هي من أحجار كلسية مشذبة جيدا.

ويؤدي مدخله المتركز في المنطقة الشمالية، إلى ممر على ‬8 وحدات أو حجر دفن، وهي ذات أرضيات مرصوفة بألواح حجرية مسطحة. كما عثر في داخل حجر الدفن ضمنه، على بقايا عظمية كثيرة، مع مجموعة من اللقى الأثرية، وجميعها يحمل الصفات المألوفة لفترة ام النار، مثل الأواني الفخارية المصنوعة، والفخار الرمادي المخرز المستورد، وأوعية حجرية مزخرفة، وسكاكين برونزية، ورؤوس رماح، وحلي زينة شخصية. ومن الصفات اللافتة للقبر، وجود قطعة حجرية طويلة، كانت تؤدي وظيفة الميزاب المستعمل لتصريف المياه المتجمعة على السقف. ونظرا لأهمية القبر، أعيد بناؤه وفق مخططه الأصلي، وبالمواصفات نفسها، التي كان عليها في تلك الفترة.

 

خورفكان..ميناء عريق

حازت مدينة خورفكان في إمارة الشارقة، وطبقا للمكتشفات الاثرية، مكانة خاصة في العصور القديمة، نظرا للدور الذي لعبته كميناء استراتيجي. وكشفت التنقيبات الأثرية فيها، والتي انطلقت منذ العام ‬1995، عن مستوطنة كبيرة ضمنها، تعود إلى الالف الثاني قبل الميلاد. وهي تحتل سفوح ثلاثة جبال متجاورة، على مقربة من البحر. ولوحظ أن الذين استوطنوها جهزوا فيها مصاطب مدرجة على سفوح تلك الجبال، لتسهيل مهمة بناء بيوتهم التي شيدت وفق تخطيط يضم غرفا مستطيلة الشكل، بنيت من الأحجار المتوفرة في المنطقة.

كما يبرز استعمال أغصان الأشجار بحيث توضع فوق دعائم خشبية، على أعمدة أو على جذوع الأشجار، ويبدو في الاحتمال الأكبر أنها استعملت كسقوف للغرف. وعثر في تلك البيوت، على عدد من الأوعية الفخارية والأواني المصنوعة من الحجر الصابوني الناعم، والأدوات الحجرية المعدة لأغراض الطحن، والأدوات المعدنية، ومعدات صيد الأسماك. وتدلل الآثار في المنطقة، على أن مستوطنة خورفكان، استمرت في لعب دور مهم في الفعاليات والحواضر البشرية، لفترة طويلة، خلال العصرين: الحديدي والهلنسي، وأيضا في العصر الإسلامي.

وأماطت التنقيبات الأثرية، التي جرت حديثا في أنحاء مختلفة من خورفكان، اللثام عن مكتشفات مهمة تعود إلى الفترة الإسلامية، وبصورة خاصة تلك التي وجدت فوق قمة احد الجبال، حيث عثر على بقايا قلعة، وكذلك على دور سكنية ومسجد مجاور وحوض للماء. وهنالك المكتشفات التي هي على مقربة من مدخل خورفكان البحري، والتي ضمت عددا من البيوت السكنية وورش التصنيع، ومباني احتوت على مواد أثرية متنوعة. وتبرز الفخاريات المستوردة من الصين وتايلاند وبورما وإيران، وهي تعود إلى القرنين ‬14 و‬16م. وتشير اللقى المتنوعة التي كشفت عنها التنقيبات الأثرية في خورفكان، إلى مكانة ودور المدينة كمستوطنة اقتصادية خلال عصور ما قبل التاريخ، وكذلك كمركز تجاري مهم ضمن شبكة التجارة العالمية، أثناء العصور الإسلامية الوسطى.

 

كلباء.. جذور التطور الاقتصادي العالمي

تشير المكتشفات الأثرية في مدينة كلباء، المتوضعة على الساحل الشرقي لإمارة الشارقة المطل على سواحل عمان، والتي تتميز بخورها الذي يمثل أقدم غابة لأشجار القرم في هذا الجزء من جنوب شرق الجزيرة العربية، تشير إلى أنها لعبت دورا صناعيا واقتصاديا مهما سابقا، إذ عثر فيها ضمن منطقة الصبخة، على تلال صدف تحتوي صناعات حجرية تعود للألف الرابعة قبل الميلاد، كما أن هناك مجموعة قبور أثرية ذات أنواع مختلفة تعود إلى فترات تاريخية مختلفة، ولعل أبرزها تلك المشيدة تحت الأرض، والمؤرخة بالألفين: ‬2 و‬3 قبل الميلاد.

حيث عثر في داخلها على لقى أثرية مهمة. وهناك مستوطنة كبيرة في بساتين كلباء، تشمل طبقات استيطانية ممتدة على مدى الفي عام، وتظهر ملامحها انها كانت محاطة بسور دفاعي في العام ‬1300ق.م. وتم العثور فيها على دليل انتاج اوان حجرية وفخارية في هذا الموقع، وتشير الفخاريات إلى وجود علاقات مع العراق القديم ومع شمال الخليج العربي. وايضا مع ايران وباكستان. وهناك مجمعات من القبور الاثرية، والنقوش الصخرية المهمة، ومبنى يحوي بداخله برجا حجريا. إلى جانب حصن كلباء الذي يعود إلى بداية القرن السابع عشر ميلادي.

 

مويلح (‬1000-‬600ق.م)

تفيد الدراسات الاثرية التاريخية المتخصصة، ان موقع مويلح المتركز على بعد ‬45 كلم من سهل الذيد الداخلي في الشارقة، استوطن بشكل رئيسي خلال فترة العصر الحديدي الثانية(‬1000-‬600ق.م). وأعقبها استيطانه في الفترة الأولى للعصر الحديدي(‬1300-‬1000 ق.م). وربما كان هذا الموقع خلال استيطانه، واقعا على مقربة من بحيرة ضحلة او خور يتصل بالساحل. ومن المحتمل ان يكون المناخ السائد في المنطقة، في تلك الفترة، شبيها بما هو عليه الآن، اذ يتميز بمواسم صيف حارة، وبشتاء دافئ، مع كميات أمطار قليلة.

ويحيط بالموقع الأثري في مويلح، سور كبير، ويوجد في داخله ما لا يقل عن سبعة مبان هي ذات وظائف متباينة، والبعض منها خصص لأغراض المعيشة والسكنى، والآخر لأغراض الخزن. وتؤشر بناية أخرى إلى انها كانت مقرا إداريا في المستوطن.

وهي مؤلفة من غرفة مركزية كبيرة فيها قواعد لأعمدة، يبلغ عددها الـ ‬20. إضافة إلى عدد من الغرف الصغيرة التي ضمت مجموعة أوان وجرار وأسلحة حديدية، ومئات من القطع البرونزية. وأيضا عثر في الموقع على بضائع مستوردة من ايران ووادي الرافدين واليمن. كما عثر على قطعة فخارية تحمل كتابة ثلاثة خطوط سبئية. ويتبين جليا أنه شهد هذا المستوطن، نموا سريعا، خلال القرنين التاسع والثامن قبل الميلاد، ولكنه تعرض لهجوم وحريق مدمرين في فترات لاحقة.

 

تل ابرق.. تجارة العصر البرونزي

يتركز الموقع الأثري في تل ابرق، والواقع عند الخط الحدودي الفاصل بين الشارقة وأم القيوين، قرب الطريق الرئيسية المؤدية إلى إمارة رأس الخيمة، وهو يتضمن حصنا توجد في داخله بئر، وكان هذا الحصن قيد الاستعمال قرابة العام ‬2200 إلى ‬1500 ق.م، وعلى بعد عشرة أمتار إلى الغرب من الحصن، هناك قبر دائري الشكل، مشيد بالحجارة من طراز عرفته نفسه أم النار، وهو مقسم من الداخل بجدار واحد فقط، وتقارب مساحة قطره ستة أمتار، ويبدو انه كان مدفنا جماعيا لسكان تل ابرق، خلال فترة استيطانه المبكرة.

ويحتوي هذا القبر على بقايا أكثر من ‬150 فردا، من بينهم أطفال ورجال تزيد أعمارهم على الـــ ‬60 عاما. وهذا رغم أن معدل عمر الإنسان، آنذاك، لم يكن يزيد على الــ ‬40 عاما. كما اكتشف عدد كبير من المواد المصنوعة في تل ابرق، التي تثبت قيام اتصالات واسعة النطاق مع العالم الخارجي، اذ جرى التعرف على فخاريات من وادي الرافدين وجنوب غربي إيران وبلوشستان والبحرين وأفغانستان ووادي السند. إلى جانب مجموعة مواد أثرية اخرى متنوعة، مثل الأختام الاسطوانية الفضية من ايران، والقصدير من افغانستان. وكذلك تُظهر هذه المصنوعات أن الموقع ذاته، كان على اتصال مع مناطق أوسع في العصر البرونزي في غرب ووسط وجنوب أسيا، خلال الالفين: ‬2و‬3 ق.م.

 

«الثقيبة».. معلومات تاريخية مهمة

يعود تاريخ مستوطن الثقيبة، المكتشف على مسافة ‬20 كم جنوب مدينة الذيد في الشارقة، وتحديدا في الطرف الجنوبي الأقصى لواحة المدام، يعود إلى فترة العصر الحديدي(‬2000-‬600ق.م). وأسفرت عمليات التنقيب فيه عن معلومات تاريخية نوعية حول التاريخ القديم لدولة الإمارات. وتتشابه المواد الإنشائية التي وجدت في موقع الثقيبة، مع تلك المستخدمة في مستوطنات العصر الحديدي الاخرى. وهي تتألف بصورة رئيسية من اللبن والآجر الطيني.

كما شغل مستوطنو الثقيبة، مواضع سكناهم بطريقة مغايرة لتلك المعروفة سابقا في مختلف مواقع العصر الحديدي. اذ عاشوا في بيوت متفرقة داخل مجاميع تتألف من دارين بمساحات واسعة، وهناك أسوار بجدارن منخفضة، تحيط بها. كما تشير الدلائل الاثرية إلى ان اقتصاد المجتمع، كان قائما على تربية الماشية، بشكل رئيس.

ولكن ايضا وجدت بقايا حيوانات برية، وعثر في الموقع على آبار تشكلت من اتربة صخرية طبيعية. وتثبت الدلائل ان سكان الثقيبة كانوا واجهوا معضلتين رئيسيتين، وتتمثلان في توفير المياه للسكان والماشية، وصعوبة البناء في بيئة صحراوية. ولكن نجحوا في إيجاد الحلول لهاتين المشكلتين. ويحوي الموقع الكثير من البراهين على قدرات النجاح في صنع الآجر الطيني، عبر مزج الاتربة الصخرية مع الرمل وبقايا النباتات.

كما كشف التنقيب الاثري وجود قناتين لتوزيع المياه، على سلسلة احواض في المنطقة، كانتا تستعملان لغرض مزج الطين. وهناك أيضا الكثير من الآثار غيرها. وعموما، فإن موقع الثقيبة، يبين نجاح المنطقة، ومنذ القدم، في تحقيق التوازن الدقيق بين البشر والبيئة المحلية.

 

البحيص.. أقدم المواقع الداخلية

يعود تاريخ الموقع الأثري في البحيص، في القسم الأوسط من إمارة الشارقة، بين الخليج العربي وخليج عمان، إلى فترة أواخر العصر الحجري، او ما يسمى بـ: «العصر الحجري الحديث». وهو يتألف من مقبرة كبيرة ومناطق سكنية تحيط بها. ويعود الموقع، استنادا إلى تحليل علمي معمق في علم الاثار، إلى ما بين العامين ‬4780- ‬4610 ق.م. وهو يعد بذلك من أقدم المواقع الداخلية في الإمارات، مشكلا عنصرا هو في غاية الأهمية، في مجال البحث الأثري الخاص في منطقة شبه الجزيرة العربية. وتشير مواقع المكتشفات فيه إلى وجود مجاميع رعاة متنقلة، آنذاك، في شرق الجزيرة العربية، في فترة سبقت بكثير، ظهور أول مستوطنات مستقرة في المنطقة.

وكان الرعاة يجوبون السهول شبه الصحراوية على طول سلسلة جبال الحجر، مع قطعانهم المكونة من الأغنام والماعز والماشية، والتي كانت مصدر تزويدهم بالحليب واللحوم. ولم يكن الجمل قد دُجن بعد، أثناء تلك الفترة المؤرخة في بداية الألف الخامسة ق.م. ومع ذلك فقد عثر خلال التنقيبات بالموقع، على كسر قليلة من عظام الجمل، ما يدل على وجود الجمال البرية في المنطقة. وانه تم اصطيادها أحيانا، إلى جانب اصطياد الغزلان والمها العربية والحمر الوحشية.

ويتوضح انه لم يهتم السكان بتشييد دور السكن لهم، ولا حتى خيام او مظلات قوية، واكتشف في الموقع وجود مواقد نار مشيدة في حفر سطحية مرصوفة بحصى كبيرة الأحجام، وهي ما زالت ممتلئة بطبقات سميكة من رماد اسود.

ووجد في الموقع مدافن مختلفة النماذج والاشكال والمؤشرات. وتبين الابحاث ان هذا الموقع شهد قدوم اقوام بشرية إلى المنطقة، قبل اكثر من ‬7000 عام. وساعد على ذلك وجود ينبوع ماء قديم. كما كان تعرض للجفاف في عام ‬400ق.م. وتثبت الدلائل انه كان لفترة طويلة مخصصا للدفن من قبل هذه الاقوام. ولوحط احتمال خضوع بعض الاشخاص المدفونين، وطبقا للبراهين والادلة الموجودة في الجماجم، إلى عمليات جراحية لاستئصال أورام خبيثة.

 

 

 

Email