صير بني ياس.. حياة طبيعية حرة يحميها القانون

ت + ت - الحجم الطبيعي

باطمئنان تعيش الكائنات على أرض جزيرة صير بني ياس، دون قلق من انقراضها، أو ما يمكن أن يهدد وجودها كما يحدث في أماكن مختلفة من العالم، فالجزيرة التي خصصها مؤسس دولة الإمارات المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في العام ‬1971 كمحمية للحياة البرية ضمنت منذ ذلك التاريخ، الحفاظ على الحيوانات والطيور والنباتات المهددة بالانقراض في شبه الجزيرة العربية.

 

إلى عهود موغلة في القدم، يعود تاريخ جزيرة صير بني ياس، حين ظهرت أشكال الحياة البشرية منذ العصر البرونزي، أما آخر استيطان في الجزيرة فيعود إلى نحو ‬110 إلى ‬120 عاما ولغاية اليوم، ويعود اسم «صير بني ياس» إلى قبيلة بني ياس، التي كانت أول من سكن أبوظبي قبل ‬250 عاما.

 بينما أظهرت الاكتشافات الأثرية فيها ‬36 موقعا أثريا، وتعود بعض أقدم الأثريات إلى العام ‬600 ميلادي. على أن يتم افتتاح بعض المواقع في جزيرة صير بني ياس أمام السياح في المستقبل القريب. بينما يعود تاريخ استقبال صير بني ياس للزوار إلى تسعينات القرن الماضي، حيث شهدت الجزيرة إقبالاً واسعاً من قبل الجمهور.

وعلى مساحات مختلفة من الجزيرة، يمتد الأخضر بكل تدرجاته التي يفرضها تنوع الأشجار أو النباتات المزروعة، مما يحقق تبيانه المنسجم في سيمفونية لونية تفرضها الطبيعة بكل ما تمتلكه الأشجار من مظهر جمالي إلى الفائدة التي تعود فيها على المكان، إذ بدأ غرس عدة ملايين من الأشجار والنباتات في جزيرة صير بني ياس ضمن برنامج الشيخ زايد لتشجير الصحراء. في وقت تنمو فيه على مهل شجيرات وأشجار القرم البحري، والمعروفة أيضاً باسم القرم الرمادي.

والتي تنمو بشكل طبيعي في مختلف المناطق الساحلية الإماراتية وجزرها، التي تعتبر صير بني ياس واحدة منها، وتتجلى فائدة أشجار القرم بشكل كبير للمناطق كونها تشكل مناطق محمية لتكاثر الأسماك، وتساعد على التخلص من ثاني أكسيد الكربون في الماء، وتمنع انجراف التربة. ولهذا تزرع «جزر الصحراء» وهي الجهة المسؤولة عن الجزيرة شجرة قرم واحدة لكل زائر تستضيفه.

 

متنزه الحياة البرية

يستوطن في جزيرة صير بني ياس أكثر من ‬30 نوعا من الحيوانات الطليقة. في إطار الجهود الرامية إلى الحفاظ على البيئة، أقيم متنزه الحياة البرية العربية في الجزيرة بمساحة تبلغ ‬4,100 هكتار، أكثر من ‬50٪ تقريبا من مساحة الجزيرة، وهو مخصص لإكثار وتأهيل الحيوانات البرية الأصيلة في شبه الجزيرة العربية، ويؤوي حاليا أكثر من ‬10,000 حيوان.

ويجري تطوير متنزه الحياة البرية العربية على أربع مراحل، بدءاً بإطلاق أكثر من ‬10,000 حيوان في البرية، ثم الفصل بين الحيوانات البرية الأصيلة والمهاجرة. وتشمل المرحلة الثالثة إدخال الحيوانات الضارية مثل الفهود والضباع إلى البراري، أما المرحلة الرابعة، فتشمل إخراج الحيوانات من متنزه الحياة البرية العربية وإطلاقها باستمرار في البرية مع إدخال أنواع جديدة من الحيوانات العربية إلى المتنزه.

وعند إنشاء متنزه الحياة البرية العربية تم مراعاة توفير بيئة أصيلة لحيوانات شبه الجزيرة العربية، كي تتمكن من التجول بمنتهى الحرية والاطمئنان، مع العلم أنه يمكن للزوار أن يتمتعوا بمشاهدة الحياة الطبيعية، والتعرف على العديد من الحيوانات النادرة مثل المها العربي المهدد بالانقراض. بل كان قد صُنف على أنه من الحيوانات المنقرضة في البرية منذ ستينات القرن العشرين.

ويعيش في جزيرة بني ياس اليوم قطيع يضم أكثر من ‬500 رأس خاضع للمراقبة الدائمة. كما يوجد العديد من فصائل الطيور البرية التي تعتبر المنطقة موطنها الأصلي، مثل النسور والجوارح والصقور، إلى جانب العديد من الفصائل المهاجرة، والتي استقرت واستوطنت فيها. وتشمل هذه الفصائل مجموعات من الطيور البشروس (الفلامينغو) والغاق، والدجاج البري والبط والطوال أسود الجناح والبط النهري والزقزاق والنكَّات ومالك الحزين.

كما تستوطن في جزيرة صير بني ياس، العديد من الحيوانات التي يصنفها الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة، في قائمة الحيوانات المهددة بالانقراض أو المخاطر الطبيعية، وتشمل الزواحف البحرية والغزال الرملي والبقر الوحشي الأسود، والخروف البري الآسيوي والخروف البري الإفريقي. وهو ما يجعل من الجزيرة المكان الآمن، والمثالي لحماية هذه الحيوانات، والحفاظ عليها لأجيال مقبلة. وإلى جانب هذا تقوم تم خلال العام الماضي إطلاق أكثر من ‬10,000 رأس حيوان من جزيرة صير بني ياس إلى المحميات البرية في صحراء ليوا في بر أبوظبي. وجرى تنفيذ هذا البرنامج الهام بالتعاون مع هيئة البيئة في أبوظبي.

 

دير مسيحي

خلال العام ‬2010 أعلن مشروع (جزر الصحراء) والتي تقوم بتطويرها شركة التطوير والاستثمار السياحي، عن افتتاح الدير المسيحي الوحيد المكتشف حتى الآن في دولة الإمارات، والذي يعود إلى القرن السابع الميلادي، أمام زوار جزيرة صير بني ياس.ويعد هذا الموقع من المواقع التاريخية التي تكتسب أهمية كبيرة في الإمارات، حيث يعكس غنى المنطقة ويلقي الضوء على المجموعات البشرية التي استوطنت بها منذ آلاف السنين.

كما يعرف بصير بني ياس، الجزيرة الطبيعية كواحدة من الوجهات العالمية النادرة التي تقدم تجربة سياحية شاملة تغطي الجوانب البيئية والترفيهية والرياضية والأثرية أيضا. ويأتي افتتاح هذا الموقع الأثري الجديد، والذي جرى اكتشافه للمرة الأولى في العام ‬1992، بالتزامن مع بدء مرحلة جديدة من عمليات التنقيب عن مواقع أثرية جديدة بالغة الأهمية في جزيرة صير بني ياس .

والتي يتوقع لها أن تبرز بشكل أكثر تاريخ المنطقة. ويعتقد العلماء أن هذا الدير بُني في القرن السابع الميلادي من قبل كنيسة الشرق المعروفة أيضاً باسم الكنيسة السريانية الشرقية. ويتولى مهام التنقيب في الموقع فريق من علماء الآثار بقيادة الدكتور جوزيف إلديرز، وهو الذي أدار أعمال المسح الأثري الأولى في الجزيرة خلال التسعينات، كما أنه يشغل حالياً منصب رئيس الآثار في الكنيسة الإنجليزية.

وتتضمن المكتشفات الأثرية الثمينة في الموقع حتى الآن أكثر من ‬15 نوعاً من الفخاريات، إضافة إلى الزجاجيات والأواني المستخدمة في الاحتفالات والشعائر الكنيسية، وقطع من الجص المزخرف بعناية مما يوفر لعلماء الآثار كنزا ثمينا من المعلومات عن سكان جزيرة صير بني ياس في القرن السابع الميلادي وأنماط حياتهم. وهذه التحف الأثرية النفيسة تم حفظها بعناية شديدة لضمان حمايتها، وسيتاح عرضها أمام الزوار في المستقبل.

ويقول العلماء إن جزيرة صير بني ياس ظلت مأهولة بالسكان على مدى أكثر من ‬7500 عام، وعُثر حتى الآن على أكثر من ‬36 موقعا أثريا منذ أن بدأت أعمال المسح والتنقيب الأثرية في الجزيرة. وتتضمن هذه المكتشفات مدفنا دائريا يعتقد أنه يعود لأربعة آلاف عام، وبرج مراقبة، ومسجدا وأدلة على صناعة اللؤلؤ القديمة في الجزيرة. وسيعمل العلماء لاحقا على دراسة وتقييم هذه المواقع، واستئناف التنقيب فيها ليتم افتتاحها أمام الجمهور.

 

من وحي الطبيعة

يوجد في الجزيرة منتجع وسبا (جزر الصحراء) والذي تديره (أنانتارا) وكان قد وقع الاختيار على المنتجع ضمن أفضل ‬70 منتجعا في العالم. ويمكن للزوار استكشاف الجزيرة عبر مجموعة متنوعة من الأنشطة الميدانية، والمصممة بحيث تكون تأثيراتها البيئية في حدها الأدنى.

وتشكل الأنشطة المستوحاة من الطبيعة جزءا من تجربة الزوار على أرض جزيرة صير بني ياس، مثل رحلات استكشاف الطبيعة والحياة البرية، وركوب الدراجات الجبلية، والتجديف، والمشي في الطبيعة، والغطس، والرمي بالقوس، وغيرها الكثير.

ويتم استقدام خبراء ومرشدين من مختلف أنحاء العالم، لمساعدة الزوار وإرشادهم وإعطائهم المعلومات والرد على تساؤلاتهم،

وكذلك لضمان سلامتهم وسلامة النظام البيئي في الجزيرة. إلى جانب هذا أدرجت بعض الأنشطة الجديدة مثل الإبحار الشراعي، إذ تتوافر في الجزيرة مجموعة متنوعة من أنشطة الإبحار الشراعي التي تناسب جميع الأعمار والمستويات.

ويمكن للمبتدئين الذين يجربون الإبحار للمرة الأولى أن يتلقوا دروسا تمهيدية في الإبحار الشراعي مدتها ساعة تحت إشراف أخصائيين. أما الزوار المتمرسون في الإبحار، فيمكنهم استئجار مركب شراعي والاستمتاع بمياه الخليج. ويمكن أن يصادفوا في جولاتهم الدلافين اللطيفة أو حيوانات بقر البحر (الأطوم) النادرة والمهددة بالانقراض أو السلاحف البحرية.

وتشتمل هذه الرحلات على «رحلة الغروب البحرية» و«رحلة بحرية حول الجزيرة» و«رحلة الأنشطة البحرية»، و«رحلات الغطس» التي تمكن من استكشاف أسرار الجمال الطبيعي في قاع الخليج العربي. فمن شاطئ الجزيرة الشرقي يمكن القيام برحلة غوص في المياه الزاخرة بالحياة البحرية.

كما وضعت إدارة «جزر الصحراء» في خطتها مجموعة من الأنشطة المستقبلية والتي ستتوفر خلال هذا العام، منها العمل على تطوير مركز الرياضات البحرية المجاور للمنتجع الموجود في الجزيرة.

وسيقدم هذا المركز شهادات في الغوص ورحلات يومية إلى الجزر المجاورة، حيث يمكن مشاهدة حطام السفن الغارقة وثراء الحياة البحرية. كما يجري العمل حاليا على تطوير مركز للفروسية، حيث سيوفر هذا المركز لزواره دورات في تعلم ركوب الخيل والعناية بها، بالإضافة إلى جولات على صهوات الخيول لاكتشاف سحر الطبيعة.

 

 

 

Email