الفتح الإسلامي لكُردستان

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يشير كتاب "الفتح الإسلامي لكردستان"، لمؤلفه الدكتور فرست مرعي، إلى أنه لم يكن تناول موضوع تاريخ الكُرد في عصر الإسلام سوى دراسة لناحية مهمة من تلك النواحي التي تتعلق بالتاريخ الإسلامي العام. فالمنطقة الكُردية كانت ولا تزال، تمثل موقعاً جيواستراتيجياً كبؤرة للصراعات بين الدول القديمة التي توالت على حكم المنطقة مثل الإغريق، الفرس-ملوك الطوائف-، الروم، الفرس، وانتهاء بالصراعات التي تحدث الآن في كُردستان، بين القوى العالميّة والإقليميّة، على حساب الأطراف الكُرديّة (أحفاد الميديين).

ويقول فرست مرعي، في كتابه، إنّ الكُرد كانوا قبل الفتح الإسلامي لبلادهم، تابعين للدولة الساسانيّة التي تنسب إلى ساسان، الذي كان سادنا لبيت النار الخاص بالآلهـــة (أناهيتا). وهو جد أردشير الأول(224-241)، وأسس الدولة الساسانيّة، إذ تمكن من قتل آخر ملك فرثي وهو أردوان الخامس، وذلك في 28 إبريل عام 224 م، وذلك بعدما دخل طيسفون (المدائن)، ولقب ابتداء من هذا التاريخ بـ(شاهنشاه) ملك الملوك.

ويوضح المؤلف أنه استغل سكان المقاطعات الكُرديّة، الفوضى التي سادت الدولة الفرثية في أواخر أيامها، فقاموا بحركات تمرد في سنة 220م، قادها الملك الكُردي (مادك).

وبعد أن استتب الأمـــر لأردشير، باشــــر في إخماد حركات الميديين الجبليين (الكُرد)، وهزمهـــم في معركة حامية، وقضى على تمرد ملك مار وأخضع المناطق الكُرديّة للحكـــم الساساني مرة أخرى.

ويرى مرعي أن المناطق الكُرديّة المركزيّة، تعدّ مناطق خالصة للكُرد، ولا ينازعهم على السكن فيها، أحد من الأقوام الأخرى المجاورة لهم، مؤكداً أن الروايات الواردة بشأن عمليات الفتح الإسلامي في هذه المناطق، هي نادرة جداً، فيكاد البلاذري، يعد المؤرخ الوحيد الذي تطرق في رواياته إلى ذكر مناطق الكُرد المركزية (معاقل الكُرد)، وتحديد التوقيت الزمني لعملية الفتح، مع الإشارة الواضحة إلى أنّ هذه المناطق قد فتحت عنوة. وفي المقابل، فإن الطبري لم يشر إلى هذه الناحية اطلاقاً، ذلك ما عدا رواية تسلم عقبة بن فرقد إمارة الموصل على الحرب والخراج، في سنة 17 هجرية، خلفاً لعرفجة بن هرثمة.

كما يتفق الطبري مع البلاذري بخصوص فتح عتبة لمنطقة أذربيجان، أي مما يلي شهرزور، قائلاً: "لأنها المنطقة الواقعة بين الموصل وأذربيجان، وهي منطقة كُرديّة خالصة".

وينقل مرعي عن البلاذري، أن الخليفة عمر بن الخطاب، ولى عتبة بن فرقد السلمي، الموصل، في سنة عشرين، فقاتله أهل نينوى، أخذ حصنها الشرقي عنوة، وعبر دجلة فصالحه أهل الحصن الآخر على الجزية لمن أراد الجلاء في الجلاء، كما وجد في الموصل ديارات، فصالحه أهلهـــا على الجزية، ثم فتح المرج وقراه وأرض باهذرى وباعــذرى وحبتون والحيانـــة والمعلة وداسير، وجميـــع معاقل الكـــُرد، وأتى بانعاثا من حزة ففتحها. وكذا أتى تل الشهارجة، والسلق الذي يعرف ببني الحر بن صالح بن عبادة الهمداني، صاحب رابطة الموصل، ففتح ذلك كله وغلب عليه. ويمضي المؤلف في عرض ما وثقه البلاذري :

"افتتح عتبة بن فرقد الطيرهان وتكريت وأمن أهل حصن تكريت على أنفسهم وأموالهم، وسار في كورة باجرمى، ثم صار إلى شهرزور".

ويلفت مرعي إلى أن عياض بن غنـــم أول صحابي وقائد إسلامي دخل إلى عمق كُردستان، ولا سيما أنّه وصل بفتوحاتـــه إلى منطقة كردى (كردا) التابعة لجزيرة بوتان، وأن ّمنطقة كردى تعد من أقدم مناطق استيطان الكُرد، بدليل سكنهم فيها لمدة أكثر من ألف سنــة مضت، قبل الفتح الإسلامي.

ويتحدث مرعي عن علاقة الكُـــرد بالخلافة الأمويّة، وحسب ما يفيد، فإن المساندة الكُردية للخلافة الأمويّة، تجلت بوضوح حينما تصدوا (الكرد) للحركة الشيعية الزيدية التي قام بها عبد الله بن معاوية بن عبد الرحمن بن جعفر بن أبي طالب في الكوفة سنة 129 للهجرة، وفّرَ على اثر فشله، إلى منطقة الجبال وسيطر عليها، وامتدت سيطرته إلى إقليم فارس، فثار الكُرد في كورة سابور وطردوا منها المسيـــح بن الحماري، فقاتلهم سليمان بن حبيب بن المهلب الذي كان قد خرج في منطقة الأهواز وأخرجهم منها، ثم ما لبث أن أعطى البيعة لعبد الله بن معاوية الذي ترك المنطقة بمجرد وصول القوات الأمويّة التي أرسلها والي العراق الأمــوي يزيد بن هبيرة، وبذلك انتهت حركته.

ويسجل الكتاب، ماهية الاختلاف بين المثقفين الكُرد، حول الفتح الإسلامي لكُردستان، فمنهم من يعتبر أنّ دخول الإسلام إلى كُردستان كان نعمة إلهية، فتحت أمام الكُرد آفاقاً رحبة نحو التواصل بين شعوب المنطقـــة ونحـــو التطور والارتقاء الروحي والمعرفي، خصوصاً وأنه لم يلق انتشاره (الإسلام) بين الكُرد، أية عوائق جدية. وآخرون يرون أنّ كُردستان لم تكن مرتعاً صحراوياً أو قبائل تتقاتل، بل كانت تحتضن حضارة عريقة وتعتنق ديناً كان يختزل حياة روحيّة وإنسانيّة عميقة "الزرادشتيّة"، والذي تعامل الإسلام معه كما لو أنه دين سماوي.

 

 

 

 

الكتاب: الفتح الإسلامي لكُردستان

تأليف: الدكتور فرست مرعي

الناشر: دار زمان -دمشق- 2011

الصفحات: 227 صفحة

القطع: الكبير

Email