الصورة الملتبسة..السينما في لبنان: مبدعوها وأفلامها

ت + ت - الحجم الطبيعي

يوضح الناقد السينمائي المتخصص، إبراهيم العريس، في كتابه، أنه بدأ الإنتاج السينمائي في لبنان على شكل مغامرات فردية عابثة، ليتحول مع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام ‬1975، واحدا من أبرز الفنون المنتجة في لبنان، أو عن طريق لبنانيين. فتمكن بعض الأفلام أن ينتزع لنفسه مكانة متميزة ومتقدمة في مسار السينما العربية الجديدة، وبذا استطاعت بعض الأفلام أن تشارف النجومية، وتطرح نفسها في المهرجانات العالمية. ويشير العريس إلى فيلم المخرج اللبناني مارون بغدادي «بيروت يا بيروت» الذي فاز بجائزة أساسية في إحدى دورات مهرجان «كان»، ويلفت إلى أن وتيرة إنتاج الأفلام الروائية الطويلة قد خفت منذ العام ‬1993 «، وبدأ أبناء جيل سينما الحرب يراجعون حساباتهم، في وقت كان فيه عدد كبير من المخرجين الشبان ينتظرون دورهم لتحقيق أعمالهم:» وهم حققوها على أي حال».

ويقسم المؤلف تاريخ السينما اللبنانية، إلى سبع مراحل، تعتبر تأريخا لمسار المجتمع اللبناني وما رافق نهوضه وتعثره، لهذا يعتبر العريس «الصورة الملتبسة» استعارة لهوية لبنان الملتبسة، التي لا تزال على الرغم من انتزاع لبنان استقلاله منذ عقود طويلة، هوية ممزقة، ويتحارب اللبنانيون، طوائف ومذاهب وسياسات حزبية ضيقة، على رسم ملامحها، بدم الحقد والتعصب أحيانا، ودم الكراهية والعداء أحيانا أخرى». واللافت أن هذه المراحل تكاد تتطابق مع تحقيق متزامن وممكن لسيرورة التاريخ الاجتماعي- السياسي في لبنان، بل وربما التاريخ الاقتصادي عادة «. وتبدأ المرحلة الأولى في ‬1929 حيث تمتد حتى نهاية الأربعينيات. وهي المرحلة التي كان فيها الاحتلال الفرنسي للبنان يلفظ أنفاسه الأخيرة، ثم كان الجلاء عن أرضه عام ‬1946، وتعتبر هذه الفترة مفصلية في تاريخه، كونها كانت بداية تلمس لبنان لكيانه كدولة مستقلة وذات سيادة على أرضه. ويورد العريس برهانا على ذلك عبر أفلام تلك المرحلة، وهي عائدة لعلي العريس، ويعتبره أول رائد لبناني للسينما اللبنانية، وقد أنجز فيلمين يعدان من أفلام المرحلة الأولى، وهما: «بين هياكل بعلبك»، «كوكب أميرة الصحراء». ويذكر المؤلف أسماء ثلاثة أفلام أخرجها فنانان من إيطاليا: «جميلة تحت ظلال الأرز»، «مغامرات الياس مبروك»، «مغامرات أبو العبد.

ويبين العريس أنه تمتد المرحلة الثانية من عام ‬1951 حتى ‬1965.

وفيها عرف لبنان ازدهارا اقتصاديا، بعد تحول الرساميل العربية إليه، مستفيدا من أوضاع القاهرة، إثر ثورة الضباط الأحرار، ومن الانقلابات المتلاحقة في دمشق. ومن الرساميل الفلسطينية التي خرجت من مخابئها بعد طول انتظار. وقد عالجت أفلام تلك المرحلة مسائل تحمل توجهات أخلاقية، كالشرف والكرامة، وأيضا إلى مسألة الهجرة والحنين إلى الأرض. وأما المرحلة الثالثة فتمتد طوال العقد السادس، وتحديدا من بداية الستينيات، وذلك مع مجيء المخرج المصري أحمد الطوخي إلى لبنان لإنجاز فيلم ديني عن مولد الرسول. ومن أفلام تلك المرحلة تبرز أفلام الرحابنة: «سفر برلك» -إخراج ليوسف شاهين، و«بياع الخواتم «وبنت الحارس» - إخراج هنري بركات.

ويحدد المؤلف بداية المرحلة الرابعة من أوائل السبعينيات، ولغاية ‬1975، حيث وقع اندلاع الحرب اللبنانية ومغادرة المخرجين العرب بيروت، هربا من وطأة الظروف الأمنية. واللافت تميز تلك الفترة بالخصوبة، إذ عرفت السينما في لبنان تطورا مهما، تمثل في الخروج عن نمط الأفلام التقليدية التي شكلت جزءا من تراث السينما اللبنانية. فجاءت معالجة الموضوعات بما يتوافق مع أهمية المرحلة، لتبث دما جديدا في شرايين السينما اللبنانية.

ويعتبر العريس أن المرحلة الخامسة هي الأهم في تاريخ السينما اللبنانية، وكذلك المرحلة السادسة، فبعض أفلام هاتين المرحلتين تحقق خارج لبنان، بعد أن أرغمت الحرب العديد من أبرز المخرجين على الهجرة. ويذكر المؤلف أن ولادة السينما الحقيقية تحقق في هذه الفترة، منوها بالدور الريادي الذي لعبه المخرج الراحل مارون بغدادي، وتحديدا فيلمه«بيروت يا بيروت» الذي نال إحدى جوائز مهرجان «كان «السينمائي.

ويوضح العريس أن المرحلة السابعة والأخيرة لا تزال مستمرة منذ التسعينيات، أي بعيد انتهاء الحرب الأهلية وحتى اليوم. ويعتبرها مرحلة انعطافية، غلبت عليها الأفلام التجريبية التي حققها شباب ناقمون على الحب.

منغانا الحاج

Email