الفكر التربوي عند ابن سينا

الفكر التربوي عند ابن سينا

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يبين مؤلف الكتاب، د. محمد عبد اللطيف، أن ابن سينا أكد ضرورة أن يستغل المعلم ميول الطفل الداخلية من أجل تعليمه وأن يهيئ الجو الأخلاقي الذي يجنب الطفل اكتساب الشرور، وأن يحميه من قرناء السوء، لأن الطفل إذا خالطهم تشرّب بأخلاقهم دون أن يدري.

ولمّا كان ابن سينا يعتقد في «الحكمة» ويرى أنها أشرف العلوم على الإطلاق وأن الحكماء هم أعلى الناس مرتبة، فقد اهتمّ بتربية الحكيم، ووضع المناهج التعليمية لإعداده بكل ما يتضمنه ذلك من تنمية القدرة على فهم البيئة والتعامل معها والسيطرة عليها والانتفاع بها إلى أقصى حدّ ممكن، تحقيقاً لاستمرار نمو الفرد والمجتمع وازدهار البيئة. ولم يغفل حاجة المجتمع إلى العلوم النقلية أو الشرعية وتعلم الصناعات والحرف، ولذلك فهو يؤكد أن التوجيه التربوي والمهني لا يكون إلا بعد أن يمرّ الطلاب بفترة «تعليم عام» ينالون فيه جميعهم أساسيات الثقافة الإسلامية، وعلى ضوء اكتشاف ميول الطلاب واستعداداتهم يكون توجيهم التربوي والمهني.

ويعتبر الشيخ الرئيس أن الإنسان هو محور العملية التربوية، وجميع الممارسات التربوية تؤول إلى الإخفاق ما لم تبن على فهم واضح وصحيح لماهية الإنسان وخصائصه.

ويرى ابن سينا أنّ للتربية الأخلاقية شروطاً ينبغي توافرها وهي: «محبة الصدق والعدل، والعفة، والقناعة والسخاء والشجاعة والصبر والحلم، وكتمان السرّ، والعلم والبيان والفطنة والرحمة والحزم والتواضع والخير وتصفية النفس من الشوائب التي في المادة وشواغل الحسن، وأن يكون الفرد جيد الفهم والتصور، محباً للصدق وأهله والعدل وأهله».

يميل ابن سينا إلى أنّ الإنسان يولد على الفطرة، ويكتسب صفاته النفسية والخلقية من المجتمع بمؤثراته الثقافية المختلفة، وهذا الإنسان يتغيّر ويتشكل وفق مؤثرات البيئة ونظمها التربوية. ويقول ابن سينا: «الأخلاق كلها الجميل والقبيح هي مكتسبة». والإنسان عنده عبارة عن بدن ونفس تحرك هذا البدن، والإنسان إنسان ببدنه ونفسه معاً، أو بالمادة والصورة في الوقت ذاته، وأن الجسم والنفس متصلان اتصالاً وثيقاً متعاونان دون انقطاع، ولا تفارق النفس البدن إلا بالموت...».

بذلك يكون ابن سينا طبيب الجسم وفيلسوف النفس، قد عالج موضوع النفس في مؤلفاته الفلسفية، وخصص لها رسائل كاملة وقصصاً رمزية. ويشير ابن سينا إلى أن الإنسان لا يستطيع أن يحيا بدون التفاعل مع المجتمع في جميع جوانب الحياة، وهذا التفاعل الاجتماعي المستمر بينه وبين المجتمع الذي يعيش فيه.

يضاف إلى ذلك أن ابن سينا يؤمن بالمجتمع الإلهي الإسلامي الصحيح الذي يستمد مقومات وجوده من القرآن والسنة.

ويشير المؤلف إلى أن الشيخ الرئيس أكد على أن الجمال هو صنو للحقّ والخير، وأن حسن الجمال طفرة في الكون، لأن خالقه اتصف بصفات الجلال والجمال، وأن التربية الجمالية لها أهميتها القصوى في تربية الإنسان، وهي ليست منعزلة عن سائر أنواع التربية الجسدية والعقلية والخلقية.

فالعملية التربوية مطبوعة على البحث عن أصل كل شيء وعلته دون أن يقتصر على الانقياد والتقليد، وفي مواضع كثيرة من مؤلفاته كان يرد الرأي إلى العقل، وفي التربية وجوانبها المتعددة مذهب العقل لا يحكم غيره، وأن العقل يستعين بالمدركات الحسية بعد أن يجردها من علائق المادة في تكوين بديهيات تصلح أن تكون مقدمات لمعرفة عقلية جديدة، والمنطق هو الآلة التي تعصم العقل من الوقوع في الخطأ، والعقل جوهر مستقل فطري في كل إنسان ولكنه يقوم بالتعلم.

وتناول ابن سينا الجوانب التربوية، فجاءت تجاربه وتحرياته وتحقيقاته ومعايناته في إطار نظرته التربوية، فهو من روّاد الحقيقة يحاول الوصول إليها عن طريق التجربة وغير التجربة، وبمعرفة المادّة ومعونة العقل. وفي تجربته وعيانه وسماعه ونقده وشكّه وتعليله كان يطلع علينا في صورة العالم الذي عمل عقله في البحث عن الحقيقة، هدفه إعداد الفرد للحياة، أي تمرينه على كيفية فهم الحقائق.

الكتاب : الفكر التربوي عند ابن سينا

تأليف: د. محمود عبد اللطيف

الناشر: وزارة الثقافة الهيئة العامة السورية للكتاب دمشق 2009

الصفحات: 264 صفحة

القطع: الكبير

فيصل خرتش

Email