عوامل قيام الحضارات وانهيارها في القرآن الكريم

عوامل قيام الحضارات وانهيارها في القرآن الكريم

ت + ت - الحجم الطبيعي

يؤكد مؤلف الكتاب، أن نزول القرآن الكريم مثَّل انعطافة رحبة في تاريخ البشر والبشرية، بما كشفت عنه آياته الكريمة من اهتمام بالغ بالإنسان وببنائه روحيًا وعقليًا وجسديًا، حيث عني كتاب الله بتعريف الإنسان بأصله وقدرته وبأن الله قد ميزه عن سائر مخلوقاته بأن نفخ فيه من روحه واستخلفه في الأرض، وهذا التمييز للإنسان عن سائر المخلوقات. ولأن الإنسان يتميز عن سائر الكائنات بملكة الإدراك، فإن القرآن الكريم عمد إلى هذه الملكة عبر توجيه عقل الإنسان للتدبر والتأمل واكتشاف حقائق الوجود الدالة على حكمة الله، فلذلك كثرت الآيات الكونية في القرآن، وكلها آيات لقوم يعقلون، لقوم يتفكرون، لقوم يفقهون، ولقوم يعلمون.

ويشدد الألفي على أن العلم الذي يدعو إليه كتاب الله هو العلم النافع المفيد للبشرية، لا العلم الذي يعمل على إفنائها باختراع أسلحة الهلاك، ويستطرد: «صحيح أن القرآن الكريم دعا المؤمنين إلى الأخذ بأسباب القوة، لكنه في الوقت نفسه حذرهم من استغلال هذه القوة في البطش بالآخرين، واتسم النهج الذي اتبعه القرآن الكريم في دعوته للمؤمنين إلى الأخذ بأسباب العلم بالشمولية، والعلو فوق المتغيرات النسبية ليناسب كل زمان ومكانس.

ويكشف المؤلف أهمية العوامل الاقتصادية في قيام الحضارات/ لافتا إلى أنه لا يمكن قيام حضارة دون توافر مقومات مادية تُعين على قيامها، وتنظيم تشريعي يحول دون اكتنازها لصالح قلة أو فئة وحرمان القاسم الأعظم من البشر من الاستفادة من خبراتها، ومن هذه المقومات يحدثنا القرآن من الأرض وما تحفل به من خيرات.

ويرى الألفي أن أول ملمح في نهج القرآن للنظم السياسية والإدارية، تنظيمه لأمر الولاية انطلاقًا من اعتبارها مسؤولية عظيمة لا ينبغي أن يتصدى لها إلا القادر على أعبائها، فهو ليس تشريفًا وإنما عبء وتكليف، والولاية في المفهوم الإسلامي تتحقق بالبيعة، أي مبايعة سائر المسلمين للوالي مباشرة، أو بتوكيل آخرين ليبايعوا عن من لا تمكِّنه ظروفه من الحضور والمبايعة. والولاية بهذا المفهوم الإسلامي تعد نظامًا سياسيًا راقيًا يحقق للمجتمع العدالة والمساواة والاستقرار.

وينقلنا الألفي في الجزء الآخر من الكتاب إلى عوامل سقوط الحضارة، شارحا أنه هناك الكثير من العوامل التي أدت إلى سقوط حضارات سابقة كانت مزدهرة في زمانها، حضارات كانت ملء السمع والبصر لكنها لم تستطع أن تحافظ على هذا الازدهار، ومثل ما كانت هذه العوامل سببًا في قيامها كُتب لها أن تكون سبب سقوطها أيضًا، فالسقوط لا يأتي من الخارج غالبًا، لكنه يجئ من داخل الحضارة نفسها.

ووفقًا للمؤلف فإن كل التجارب الحضارية تؤكد عبر تطورها أن ثمة درجتين للانحطاط، الأولى: الانقلاب النفسي والذهني إلى الأدنى، والثانية: هي درجة الانقلاب العلمي والخلقي بناءً على الانقلاب الذهني والنفسي المتدني.

فالتغيير الداخلي فكريًا ونفسيًا، هو المرحلة الأولى في أي سقوط، كما إن فساد الفكر والنفس هو البيئة التي تنمو فيها جراثيم الانحطاط الأخلاقي، وفساد الفكر يؤدي إلى فساد العقيدة. ويشير الألفي إلى نماذج تطبيقية لحضارات انهارت، ومنها الحضارة الفرعونية، موضحا أنه لقد أظهرنا القرآن الكريم على جوانب من حضارة الفراعنة ومقوماتها، فلهم قدم راسخة في فن العمارة وفنون الزراعة والهندسة والطب وفنون الجزية، وبرعوا في فن التحنيط بصورة لم تعرف الدنيا لها مثيلاً حتى الآن، كما حققت حضارة مصر القديمة نهضة زراعية كبرى. ولكن بطر وعنجهية فرعون كانت سبباً ركيزياً لانهيار تلك الحضارة.

وفي ختام هذا الكتاب، يشدد المؤلف على أن الشعوب المسلمة يجب أن تعي أن عالم اليوم لا يحترم سوى الكيانات القوية، أما تلك الضعيفة فلا مكان لها فيه، وإن وُجد فهو مكان التابع الذليل، الذي يستجدي السيد بعضًا من حسناته، وهو وضع لا يناسب أمة كانت على امتداد قرون ينظر إليها كحاملة المشعل الحضاري.

دار الإعلام العربية

المؤلف في سطور

أسامة الألفي، صحافي وباحث متخصص في الشؤون الفكرية والأدبية والإسلامية. لديه مجموعة من الدراسات والمقالات والمشاركات الفكرية، ومن أبرز مؤلفاته: تطور الشعر العربي في العصر الحديث. لماذا أسلموا؟، نزار قباني: قيل وقال، حقوق الإنسان وواجباته في الإسلام... دراسة مقارنة، اللغة العربية وكيف ننهض بها نطقًا وكتابة.

الكتاب: عوامل قيام الحضارات وانهيارها في القرآن الكريم

تأليف: أسامة الألفي

الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة 2010

الصفحات: 230 صفحة

القطع: المتوسط

Email