i روايات خالدة

العقب الحديدية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يرى تروتسكي أن «العقب الحديدية» أفضل وثيقة توضح عملية تشكّل الفاشية، ويعتبرها نموذجاً لتحليل المظالم التي تتعرض لها البشرية على يد الرأسمالية، ويرى بعض النقاد أن جورج اورويل قد استوحى روايته «1984» من «العقب الحديدية».

جاك لندن 1875 ـ 1916، من الكتّاب القلائل الذين ذاقوا مرارة الحياة وضنكها، فامتهن أعمالاً مختلفة: من صحافة، وعامل، وقاطع طريق، والشرطة البحرية، وقبطان سفينة، وطالباً، ومراسلاً صحافياً، وعامل منجم وسواها. انضم في عام 1879 وله من العمر 20 عاماً إلى جماعة «الاشتراكيين ـ العموميين» الذين شكّلوا حلقات دراسية لدراسة البيان الشيوعي، وكتابات ماركس، وكانط، ونيتشه، وسبنسر. كما انتدبته أحزاب ومنظمات اشتراكية لتمثيلها في أعمال المجالس البلدية، وشارك في اجتماعات الاشتراكيين في أميركا بخطاباته الثورية.شكّلت تسعينات القرن التاسع عشر الفترة الأولى من طريق لندن الإبداعي عندما أبدع قصصاً عن ألاسكا وقد تم جمعها في فترة لاحقة في مجموعات قصصية منها: «بن الذئب» 1900، و«إله آبائه» 1901، و«أطفال الصقيع» 1902، و«وفاء الرجال» 1904، التي صوّر فيها البطولات على مختلف أنواعها.

وفي بداية العشرينات اقترب من الحركة العمالية المنظمة وصار من أنصار يوجين ديبس، زعيم العمال الأميركيين. وما إن حل في إنجلترا حتى أخذ يهتم بوضع الجماهير الشعبية الإنجليزية وحياة القاع اللندني، فاستأجر غرفة في الحي العمالي في العاصمة وعاش عدة أسابيع حياة عامل عادي وتقاسم الخبز والمبيت مع الفقراء المعدمين في الأكواخ الحقيرة وأدت مراقبته لهذه الحياة إلى تأليف كتاب جديد بعنوان «بشر الهاوية» 1903.

وفي عام 1904 توجه إلى الشرق الأقصى، ومنها كوريا، وعمل مراسلاً حيث اشتعلت هناك الحرب الروسية ـ اليابانية، وعاد من هناك أكثر راديكالية من السابق. أثرت الثورة الروسية الأولى عام 1905 تأثيراً بالغاً في نفسية الكاتب وعقليته إذ درس تجربتها بكل عمق وحفزته على الكفاح أكثر فأكثر في وطنه أميركا. كانت أعوام 1906 ـ 1909 هي الفترة الأكثر أهمية وسطوعاً في تطور جاك لندن الإبداعي حيث أبدع فيها روايته المهمة «العقب الحديدية» عام 1908.

ولم يعمر الكاتب كثيراً حيث توفى بسبب الإجهاد الشديد، والمرض والإدمان على الكحول، والانهيار الروحي، ولم يبلغ حينها سوى 40 عاماً، وشاع بأنه أقدم على الانتحار.

تعبر رواية «العقب الحديدية» عن رومانسية الكفاح الثوري السائد آنذاك ضد الرأسمالي، فقد أبدع المؤلف نمطاً جديداً من البطل الثوري المحترف، الذي يتمثل من خلال قائد العمال الأميركيين، وتكمن رومانسية هذه الرواية الثورية بأنها استقت مشاهد عديدة من تاريخ كومونة باريس، واستوحت من روحياتها، وهناك مشاهد أخرى تذكرنا بالمعارك التي دارت في ثمانينات وتسعينات القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من الواقعية التي تتحلى بها الرواية إلا أن بعض النقاد يعتبرها رواية طوباوية وسياسية، كتبها المؤلف بشكل ملحمي قل نظيرها في الأدب العالمي، والنقطة السياسية التي تنطلق منها هي صعود الأوليغارشية وطغيانها في الولايات المتحدة، حيث يمزح فيها الكاتب بين الواقعية وبين الخيال العلمي الذي ظهر فيما بعد في الستينات والسبعينات.

والنقطة الطوباوية التي تنطلق منها هي الحلم الثوري الذي يتمثل بحتمية انتصار الاشتراكية واندحار الرأسمالية، وهي «الحتمية التاريخية» التي أطلقها السياسيون والفلاسفة الماركسيون.

لذا جاءت هذه الرواية استثنائية في كتابات جاك لندن بكل المقاييس، ولعل الفكرة الثورية التي طرحها الكاتب هي تجسيد المرأة كشاهدة عيان لأول مرة أي أنه لم يعتمد على بطولات الرجال، وهي الكليشهة التي كان غالبية الكتاب يتبعونها.

وضع جاك لندن أحداث الرواية على لسان زوجة البطل، وتخيل أنه عثر عليها عن طريق المصادفة بوصفها مخطوطة كتبت في عهود الظلام، ومن أجل ذلك راح يضع لها الحواشي والشروح، مفترضاً أنه يكتب تلك الحواشي والشروح بعد بضعة قرون انقضت على بزوغ فجر الاشتراكية ليصف بعض ظواهر الحياة الغربية في العهد القديم.

كما استندت الرواية إلى تقنية حديثة في كتابة الرواية وهي الاعتماد على «مخطوطة ايفرهارد» كتبتها أفيس ايفرهارد، وأخفتها ردحا من الزمن، ولم يتم العثور عليها إلا بعد مرور قرون عديدة. وتختلط في الرواية شذرات من مخطوطة ايفرهارد، التي تسرد سنوات طفولتها كابنة عالمة، وزوجة للاشتراكي الثوري ارنست ايفرهارد. لذا كتب المؤلف روايته على مستويين: وهو يقوم بتصحيح هذه المخطوطة، من خلال اعتماد متن المخطوطة وكتابة الهوامش حول أحداثها من خلال تقنية إضافة المعلومات الجديدة.

إنها الرؤية المستقبلية التي صور بها الأعوام التي تلت من 1912 إلى 1932 حيث ظهرت فيها العقب الحديدية أي الأولغارشية (الطغمة المالية) التي تسحق الطبقات الفقيرة تحت عجلاتها البربرية في الولايات المتحدة. وتخيل الكاتب أن الأحداث تدور في مدينة خيالية أطلق عليها (آسغارد)، حيث تقوم الأوليغارشية حيث يستعبدون فيها آلاف العمال الفقراء، ويستغلون إنسانيتهم من أجل تحقيق أكبر نسبة من الأرباح.

كان المؤلف يعتقد بأن الحزب الاشتراكي قد يصبح حزب الجماهير في الولايات المتحدة والذي يقوم بتفكيك الرأسمالية والقضاء عليها لكن ذلك لم يتحقق وظل هذا الحزب هامشيا وضعيفا ولم يتمكن من مقاومة الرأسمالية المتوحشة. ومن هنا تكمن أهمية هذه الرواية في أنها تمثل ثورة المضطهدين ونضال العمال الدامي في أميركا، وتنبأ باقتراب ظهور الفاشية في أوروبا.

لقد كان جاك لندن يدرك بعبقريته ما هو محجوب عن سواد الناس، فتنبأ بالمستقبل وكشف عنه في (العقب الحديدية)، وهي الدراما الرهيبة التي تتكرر إلى يومنا هذا مادام هناك مظالم.

الكتاب: العقب الحديدية

تأليف: جاك لندن

الناشر: دار ماكملين 1908

الصفحات: 354 صفحة

The otpm heel

geak London

Macmilan 1908

354 P.

شاكر نوري

shakirnoori1@gmail.com

Email