جماليات

موسوعة العائلة البطرسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتميز واقع إسهام العائلة البطرسية في صلب التاريخ المصري بكونه ثريا في مختلف الجوانب، حيث لعبت دورا كبيرا على صعيد الشأن الداخلي والخارجي معا في تاريخ مصر الحديث والمعاصر، فكان رجالاتها خير من أذكى، بفاعلية كبيرة، مسيرة الثقافة والفكر والنهضة، إلى جانب أبرز الرجال الوطنيين المعروفين في مصر، كما دعموا وذخروا دروب السعي إلى الحرية فيها، إضافة إلى حرصهم على نصرة قضايا الأمة العربية، وخصوصا القضية الفلسطينية.

هذا فعليا ما يضيء عليه بتوسع، إصدار شامل لمكتبة الإسكندرية، أنجزت مؤخرا جميع مراحله، ليكون عملها الموسوعي الثاني، في إطار المشروع الذي أطلقته بشأن التأريخ للعائلات المصرية المؤثرة في تاريخ مصر الحديث والمعاصر .

صفحات مشرقة

نكتشف مع هذا المنجز الفكري، فيضا من المعلومات والمحطات المشرقة في تاريخ هذه العائلة المصرية، إذ تفيد بيانات الموسوعة، في تعريفها لها، أنها عائلة قبطية، سطر أبناؤها صفحات مشرقة في تاريخ مصر الحديث والمعاصر، وشاركوا في صنع وتطوير حراك وفاعلية مجموعة من الأحداث الفاصلة، وذلك انطلاقا من الثورة العرابية.

ومرورًا بتوقيع اتفاقية السودان وثورة 1919 فاتفاقية 1936، وصولا إلى توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، ومباحثات كامب ديفيد، وهذا حتى وقت تبوؤ أحد أبنائها منصب الأمين العام للأمم المتحدة، ليكون بذلك أول مصري وعربي، يشغل هذه المسؤولية المرموقة في الهيئات والمؤسسات العالمية.

دور سياسي وفكري

لا شك أن استعراض شجرة العائلة البطرسية منذ الجد الأكبر، غالي بك نيروز، بموازاة التاريخ السياسي والاجتماعي والديني لهذه العائلة في تاريخ مصر والكنيسة القبطية المصرية، يوضح لنا مدى أهمية ما قامت به، ونجد أن الموسوعة المشار إليها تعنى في متابعة سردها، في تناول كافة شخصيات العائلة، لتصل إلى اصغر حفيد فيها.

كما تبين صفحاتها سيرة أبناء العائلة البطرسية، انطلاقا من عميد العائلة، بطرس باشا غالي، أول رئيس وزراء من أصول مصرية، وأول رئيس وزراء قبطي في تاريخ مصر، فتشرح حياته ونشأته وتعليمه، ثم التحاقه بالسلك الإداري في الحكومة المصرية، ودوره في الثورة العرابية، وفي توقيع اتفاقية السودان ومشروع استيطان اليهود في سيناء، منتقلة إلى عرض أعماله المهمة في سياق مشكلة الحدود الشرقية، المعروفة بمشكلة طابا، وأيضا أعماله الجليلة في عدد من الأحداث الأخرى، وأبرزها:

حادثة دنشواي، محاولة مد امتياز قناة السويس، إحياء قانون المطبوعات، افتتاح الجامعة المصرية، علاقته بالكنيسة القبطية والمجلس المحلي، علاقته بأبنائه نجيب وواصف ويوسف وجليلة، أعماله الخيرية وحادثة الاغتيال التي أودت بحياته، وكانت أول جريمة اغتيال سياسي في تاريخ مصر الحديث.

صور تكشف أسراراً

ونلمس مع محتويات هذا الجزء غنى ما تضفيه الصور المرفقة من طابع توثيق وقص، إذ يضم حصيلة كبيرة ونادرة من الوثائق والصور، ومنها: صورة دخول الجيش الانجليزي إلى مدينة القاهرة واستقبال الخديوي محمد توفيق له، صور وثائق التحقيقات الخاصة بالثورة العرابية التي شارك فيها، صورة لاجتماع وزاري حضره بطرس باشا غالي، صورة افتتاح ترعة التوفيقية عام 1890، صورة خطاب بطرس باشا غالي إلى مستر جاكوب جرينبرج ممثل تيودور هرتزل في مصر.

حيث تظهر رفضه فكرة استيطان اليهود في سيناء، إضافة إلى عدد من صور الوثائق غير المنشورة لمحاكمة دنشواي، والتي من المؤكد أنها سوف تعيد كتابة تفاصيل تلك الحادثة المؤثرة في تاريخ مصر، وهناك أيضا صور لوثائق المجلس المحلي ولمشكلة دير السلطان (غير منشورة سابقا)، وصورة للعربة التي اغتيل فيها بطرس باشا غالي ( تنشر للمرة الأولى).

نجيب باشا بطرس غالي

إن سيرة حياة نجيب باشا بطرس غالي، منذ مراحل حياته الأولى، إلى أن أصبح لاحقا وكيل نظارة الخارجية المصرية، خلال الحرب العالمية الثانية، ومن ثم مشاركته في وزارة عدلي باشا الأولى، هي محطة غنية تحكي الكثير في جوهر تاريخ مصر والمنطقة، ونرى أن الموسوعة تتحول في مسار بحثها وتوثيقها المتسلسل إلى هذا الجانب.

حيث يحوي هذا الجزء صورا منوعة ونادرة لثورة 1919، والمراسلات المتبادلة بين بطرس باشا غالي وابنه نجيب، وهي ترينا نقاطا وأسسا مهمة في كيفية صناعة الرجال داخل العائلة البطرسية، منذ نعومة أظافرهم.

وفي تناولها لمسيرة واصف باشا بطرس غالي، تشرح وتسرد تفاصيلها مولده ونشأته، وموقفه من حادثة اغتيال والده، فانضمامه بعدها إلى صفوف الوفد المصري، وعلاقته بسعد باشا زغلول.

وكذلك صدور الحكم بإعدامه ثم نفيه، واختياره بعدها وزيرًا للخارجية في أول وآخر حكومة لسعد باشا زغلول، وشغله منصب وزير الخارجية في حكومات مصطفى باشا النحاس المتعاقبة، في أثناء فترة العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين، وكذلك دوره في مفاوضات سعد-ماكدونالد، ومفاوضات النحاس-هندرسن، وفي حادثة مقتل السير لي ستاك، وتوقيع اتفاقية 1936، علاوة على ما قام به من جهود في مجال إثارة قضية فلسطين في عصبة الأمم.

وقد كان واصف باشا أول من رفع صوته مدافعا عن فلسطين في مضمون إسهاماته الأدبية وأعماله الخيرية.كما يشتمل هذا الجزء على المراسلات المتبادلة بين سعد باشا زغلول وواصف باشا غالي، وصحيفة اتهام واصف باشا والحكم عليه بالإعدام، مع ستة من أعضاء الوفد المصري، وكذلك صور نادرة تجمعه ومصطفى النحاس باشا، وصورة خاصة بجنازته.

وثائق سرية

وعلى صعيد تاريخ وسيرة حياة مريت بك نجيب بطرس غالي، تدلل الموسوعة بوجهة تفصيلية موسعة، على دوره في لجنة مساعدة الحبشة، ودعم الجالية القبطية في الحبشة وعلاقته بالكنيستين القبطية والحبشية، علاوة على العلاقة المصرية-الأثيوبية، وما أداه في إطار أزمة دير السلطان، إلى جانب اهتمامه بعلم الآثار وتأسيسه جمعية الآثار القبطية (في الكنيسة البطرسية بشارع رمسيس).

وتركز الموسوعة أيضا على ذكر مؤلفاته، مستعرضة في منحى تكميلي حيوي، مجموعة من الوثائق(سرية) المكونة لوحدة أرشيفية ضخمة حول العلاقات المصرية الأثيوبية، والعلاقات بين الكنيسة القبطية والكنيسة الحبشية، ويشار في هذا الصدد إلى أن هذه الوثائق تضعها مكتبة الإسكندرية بالتعاون مع العائلة البطرسية تحت يد الباحثين، للمرة الأولى، عبر موقع ذاكرة مصر المعاصرة، والموقع الخاص بالعائلة البطرسية، الذي توشك المكتبة على إطلاقه.

الدكتور بطرس غالي

ونتعرف أيضا على سطور ناصعة في تاريخ هذه الأسرة، مع ما خصصته الموسوعة في النسبة الغالبة في صفحاتها، لعكس وتبيين السيرة الذاتية للدكتور بطرس يوسف بطرس غالي، الدبلوماسي المصري الرفيع، مشيرة إلى دوره المميز في مفاوضات السلام المصرية الإسرائيلية، وحنكته وسلامة تنفيذه لمتطلبات مسؤوليته في السياسة الخارجية المصرية، وبشكل أكثر، دوره المؤثر في منظمة دول عدم الانحياز والمنظمة الأفريقية.

وتتحول الموسوعة عقبها للحديث عن الفترة التي قضاها د.بطرس يوسف، في منظمة الأمم المتحدة، وما حصل عليه من أوسمة، ولا يغيب في هذه المحطة، حضور الصور النادرة له، والتي تعرض الكثير من الأحداث، وعلى رأسها مرافقته للرئيس محمد أنور السادات في الزيارة الشهيرة للقدس وتل أبيب، وفي منتجع كامب ديفيد.

محمد الحمامصي

Email