المواطن الأول

قرأت مؤخراً خطاباً للرئيس السوري الراحل شكري القوتلي (1891 ـ 1967) ألقاه لمناسبة استقلال سوريا عام 1946 أثار مشاعري لما احتواه من حس وطني وجزالة كلمات يحني لها أدباء كبار قاماتهم. خطاب أقتطف منه هذا المقطع للدلالة ليس إلا «هذا يوم تشرق فيه شمس الحرية ساطعة على وطنكم فلا يخفق فيه إلا علمكم ولا تعلو فيه إلا رايتكم ، هذا يوم الحق تدوي فيه كلمته ويوم الاستقلال تتجلى عزته يوم يرى الباطل فيه كيف تدول دولته وكيف تضمحل جولته هذا ، يوم النصر العظيم والفتح المبين».

لقد كان شكري القوتلي زعيماً وطنياً كبيراً ورئيساً لسوريا مرتين، من 1943 - 1949، ومن 1955 - 1958، ويُعد واحداً من أبرز دعاة الوحدة العربية في العصر الحديث، وأحد أبطال التحرر في العالم العربي، وقادة حركة المقاومة ضد الاستعمار، ويشهد له تاريخ العرب المعاصر بأنه ضحى بمنصبه لأجل الوحدة العربية بين سوريا ومصر عام 1958 فمنحه الرئيس جمال عبدالناصر لقب (المواطن الأول) فحمله بين ثناياه دون التخلي عن أهدافه في الدفاع عن قضايا أمته ووطنه باذلاً ثروته في سبيل ذلك حتى رحيله في بيروت عام 1967.

لقد أعطى القوتلي آملاً للأجيال الجديدة، الأجيال التي تفكر اليوم بترك أوطانها والسفر إلى (بلاد الاستعمار) بحثاً عن حياة أفضل وعيش كريم، أعطاها أملاً سرعان ما تبخر، وفي أقل من نصف قرن نبتت البطالة حولنا كالطحالب والأشنيات، وقلت فرص العمل وتراجع الوعي الاجتماعي، وحدث ما هو أسوأ من ذلك، فقد سيطرت ثقافة القتل على عدد كبير منهم، قتل من لا يشبههم في الفكر والمعتقد! أين ذهبت آمال القوتلي وأحلامه، أين ذهب خطاب الاستقلال الذي خاطب الهلال والصليب؟!

عبر أكثر من نصف قرن على عهود الاستقلال العربية، ينظر المرء إلى الوراء ليرى بنية اجتماعية أكثر توافقاً للعيش مع المستقبل، يرى حساً وطنياً عالياً، ويرى حياة كريمة لم يكن ينغصها إلا الاستعمار، وها نحن اليوم وقد بنينا أوطاناً مستقلة، نبحث عن معنى لكلمات كبيرة نرددها بإخلاص للأجيال الجديدة كما فعل ذات يوم القوتلي حينما خاطب أبناء وطنه بعبارة «بني وطني».

hussain@albayan.ae a

الأكثر مشاركة