الروائي البريطاني مارتن ايمس:

لم أتصور أنني سأشهد أحداث سبتمبر

ت + ت - الحجم الطبيعي

أجرت صحيفة «غارديان» اللندنية حواراً مع الروائي البريطاني مارتن ايمس، مع صدور روايته الثانية عشرة بعنوان «الأرملة الحامل»، ألقى فيه الضوء على جوانب من عالمه الروائي وعلاقته بسيرة حياته، معرباً عن اعتقاده بأن عمل الروائي يفرض عليه معايشة المضجر والقبيح والقذر، وأشار إلى أن النقاد حولوه إلى أديب يمكن أن يقال عنه أي شيء، وشدد على شعوره بالمرارة حيال تعامل النقاد مع روايته «الكلب الأصغر».

وقال إنه لا يكترث الآن لما يقوله النقاد عن أعماله ولا لموافقة الجمهور على ما يقدمه ولا لمواقف لجان التحكيم في جائزة بوكر من رواياته، وفيما يلي نص الحوار:

بدأ مارتن ايمس تأليف «الأرملة الحامل» بعد وقت قصير من صدور روايته «الكلب الأصغر» التي تجاهلها النقاد. وقد نظر إلى كتابه الجديد باعتباره عملاً كبيراً، ووصفه بأنه يعكس سيرة الحياة على نحو يخطف البصر.

وكانت هذه الرواية صراعاً فظيعاً، حيث مضيت أصارعها على امتداد أربع سنوات. وبدت الصفحات المئة الأولى منها لا بأس بها، بدا أنها موفقة، ولكنها كانت موفقة فقط بسبب الاحتيال الروائي، وليس لأنها قصتي. وقد أدركت في الفصح قبل الماضي، في أورغواي حيث كنت أمضي عطلتي، أنها لم تكن موفقة. وواصلت قراءتها، وحدثت نفسي بأنها عمل ميت، يتسم بالقصور الذاتي، وأمضيت أسبوعين فظيعين، ثم عدت متسللاً إليها، وأدركت أنها كتابين.

وانطلق ايمس في فصل الكتابين أحدهما عن الآخر، وفي الكتاب الأول كتب الكثير عن الجنس والقليل من الأدب، أما الكاتب الثاني الذي سيصدر بعد عدة سنوات وستسبقه رواية قصيرة وساخرة بعنوان «حالة انجلترا» فسوف يتضمن الكثير من الأدب والقليل من الجنس. ومن الانصاف القول إن الجنس والأدب كانا الاهتمامين الرئيسيين لدى ايمس، على الرغم من أن ترتيب الأهمية قد تفاوت على مر السنين.

وهو يذهب إلى القول إنه قد انتزع معظم عناصر سيرة الحياة من رواية «الأرملة الحبلى»، ولكنه هل سيصدقه أحد.

يقول ايمس رداً على طروحات النقاد الذين ربطوا بين شخصيات نسائية تظهر في الرواية وبين صديقات لايمس في مراحل مختلفة من حياته، وبينهن تينا براون، إيما سومز، جولي كافانا وانجيلا جورجاس، يقول: «تلك هي أكثر الطرق فجاجة في قراءة هذه الأمور، ولكنني مهدت الطريق لها بالقول إن الكتاب سيعكس عناصر سيرة الحياة على نحو يخطف البصر.

لقد ولد بطل الرواية عام 1949 وطوله خمسة أقدام وست بوصات، ولكن ذلك هو كل ما هنالك من شبه بيني وبينه، فكل ما هناك أنني أعطيته طولي ويوم مولدي وأختي».وأخت ايمس، سالي، كانت مدمنة على الشراب، وتوفيت عام 2000 في السادسة والأربعين من عمرها، وقد وصفها في العام الماضي في عبارة وحشية بأنها «مشوسة على نحو مرضى».

وهي تظهر في الرواية في شخصية فايوليت، الأخت الصغرى للبطل كيث، والتي تعكف على الشراب والعلاقات العنيفة وتبدو ميؤوساً منها بلا انتهاء. ويقول إيمس عنها: «كان حرياً بأختي أن تناضل في أي مجتمع، وكل ما فعلته ثورة الستينات الجنسية بالنسبة لمصيرها هو أنها منحتها خلفية وأسلوبا محددين».

ولكن هل يشعر ايمس بأنه خذلها؟ إنه لا يتردد في القول: «نعم، إلى حد ما، وكان ينبغي أن أكرس المزيد من الساعات من أجلها، هذا هو ما أشعر به، فقد منحها أخي فيليب رعاية أكثر مني، ومنحتها أمي جهداً أكبر بصورة لا متناهية، وكان أبي يعتمد عليها بصورة حقيقية في سنواته الأخيرة».

هل هذا العمل سيرة حياة ذاتية أم لا؟ يشدد ايمس في معرض الرد على هذا السؤال على القول: «إن شخصيات السيرة الذاتية الوحيدة جميعها ميتة الآن. وقد أصبحت تلك هي القاعدة الآن».

لماذا أراد ايمس بعد أن كشف النقاب عن أعماق حياته على نحو مؤثر في كتاب «تجربة»، بما في ذلك طلاق أبويه، موت والده واكتشاف أن ابنة عمته لوسي بارنجتون كانت ضحية لفريد وست، أن يعود إلى هذا الموضوع في قالب روائي؟

يبادر الروائي البريطاني إلى الحديث عن تعقيد الحياة الذي طرأ بعد بلوغه الخمسين من العمر، ويقول في هذا الصدد: «هناك الآن حضور هائل وغير متوقع في كيانك مثل قارة مجهولة». ويتابع في « الأرملة الحبلى» مشيراً إلى أنه تمنى أن يكتشف هذه القارة المجهولة: ويقول: «كان تواقاً إلى رسم مسار عبرها».

غير أنه على الرغم من كل اعتراضات ايمس تلك، فإن الرواية تسير عن كثب بمحاذاة حياة المؤلف.

وعلى الرغم من تعدد الإشارات إلا أن ايمس لا يكترث بالنقاد ولا موافقة الجمهور ولا مواقف لجان التحكيم في جائزة بوكر من أعماله، إلا أنه يتحدث بمرارة عن تجاهل النقاد لروايته «الكلب الأصغر» ويقول إنه كان موجعاً ويشبهه بالإصابة بالانفلونزا لمدة أسبوع.

وهو يشير بصفة خاصة إلى الهجوم سيئ الصيت الذي شنه الروائي تيبور فيشر على روايته، ويقول: «إن كل ما فعله تيبور فيشر هو إثبات أن بوسعك أن تقول أي شيء تريده عن هذا الكتاب، فلم تكتب عروض له فحسب، وإنما كان من كان بوسعه الإمساك بقلمك لم يتردد في التعرض له. ولسوف أدهش إذا ظهرت في حياتي لحظة أخرى من قبيل لحظة (الكلب الأصغر)».

ويقول ايمس أنه أصبح في التسعينات «الرجل الذي يمكنك أن تقول أي شيء عنه». وتجمعت عناصر من قبيل طلاقه وانتقاله من وكيلته الأدبية على امتداد سنوات طويلة بات كافانا إلى أندرو ويلي الذي يتخذ من نيويورك مقراً له، والقطيعة اللاحقة لجوليان بارنز زوج بات كافانا والمقدم الكبير الذي دفع له عن روايته «المعلومات، تجمعت لتحوله إلى شخصية أدبية شهيرة وإلى هدف يقصده الجميع.

وساعد على إضفاء المزيد من الطابع الخلافي على شخصيته ما قاله عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر وعودته إلى الحديث عنها مراراً وتكراراً بصورة خلافية.

وهو يقول في هذا الصدد: «لم أتوقع لحدث بمثل هذه الجسامة أن يقع خلال حياتي».وفي بعض الأحيان، عندما يخوض إيمس غمار الخلافات فإنه يولد من الحرارة أكثر مما يولد من النور، ولكن ربما كان ذلك دالة فيما ينظر إليه على أنه الدور الديمقراطي للروائي. وهو يقول: «يلفت نظري بصورة متزايدة مدى اختلاف الروائي عن الشاعر. أنظر إلى سوناتا أودون بعنوان (الروائي). إن بمقدور الشعراء الاندفاع إلى الأمام كالفرسان، ولكن عمل الروائي هو أن يكون مع المضجر والقبيح والقذر.

منى مدكور

Email