أدب

ريفيرا ليتيليير .. يمشي على خطى الأجداد جائزة«ألفاغوارا» تعيد ألق الواقعية السحرية

ت + ت - الحجم الطبيعي

بفوز الكاتب التشيلي هيرنان ريفيرا ليتليير (59 عاما) بجائزة «الفاغوارا»، التي تعد إحدى أرفع الجوائز الأدبية في الدول الناطقة بالاسبانية، عن روايته «فن البعث»، يكون التقليد الروائي في أميركا اللاتينية قد استمد المزيد من زخم الآباء المؤسسين لهذا الفن العريق في هذه المنطقة من العالم، فهذه القصة التي تقع أحداثها في إحدى الصحارى التشيلية في مطلع القرن العشرين تمزج بين العناصر التاريخية والاجتماعية في إطار تيار الواقعية السحرية العتيد، الذي بدأ يهجره عدد لا يستهان به من الكتاب الأميركيين اللاتينيين الشباب.

صحيح أن ليتليير نشر في بداية مشواره الإبداعي مجموعة من القصائد والقصص المميزة في كتب له مثل «أشعار ومراهم» و«قصص قصيرة ونواة التين» على التوالي، إلا أن نجمه برز في واقع الأمر في الجنس الروائي حيث تمكن من تحقيق نجاح لافت ومدوي على مستوى النشر والنقد والجمهور، ما أفسح في المجال أمام أعماله لتشق طريقها مترجمة إلى عدة لغات عالمية أخرى بأفق مفتوح أمامها لأن تتحول إلى أعمال سينمائية.

روايته الأولى «الملكة إيزابيل كانت تغني أغاني المزارع» تتمحور،على غرار رواياته اللاحقة، حول الحياة القاسية والشاقة والمعزولة لأشخاص يعملون في مصانع ملح البارود في الصحراء التشيلية الممتدة مسلطا الضوء على صورة المواخير وبائعات الهوى اللواتي يعطيهن دور البطولة في نصوصه». إنهن نساء أحبهن، لأن المرأة عندما تصبح بائعة هوى فإنها تصبح امرأة قوية وبما أن ذلك يحدث في الصحراء، فإنه عادة ما يدنو مما هو أسطوري وبطولي».

ليتليير يحلم بامتلاك أسلوب أدبي خاص ومبتكر يشكل في نهاية المطاف خليطا يقوم على«ما هو ساحري عند خوان رولفو، ما هو رائع عند غابرييل غارسيا ماركيز، وما هو متعلق باللعب عند خوليو كورتازار والذكاء عند بورخيس»، هذه الخواص التي يحلم بها ريفيرا ليتيليير يمكن إضافة قليلا من كل واحدة منها إلى نصوصه وخصوصا الجانب الرائع في كتابات غارسيا ماركيز وجانب اللعب على الكلمات والأنماط الكتابية الذي برع به كورتازار.

روايتاها الأولى والثانية، الكسولتين إلى حد كبير على مستوى تطور الأحداث فيهما، تظهران عبقرية كاتب كبير كان يشق طريقه بقوة نحو القمة وتعززت تلك القامة الأدبية في كتابه«فتامرجانة حب مع الفرقة الموسيقية» الصادر عام 1998 حيث خففت ريشة الكاتب من سرعتها قليلا عندما نلاحظ أنها لا تغص كما جرت العادة بالاستطرادات وبتواتر حالات الخروج عن الموضوع في حين يبدو التوتر الدرامي فيها أكثر حضورا وحيوية.

أبطاله لا يغادرون مواقعهم المعتادة ولا ينفكون عن كونهم أشخاصا يعيشون حياة عسيرة وميلهم إلى الإدمان على المشروبات الكحولية والألعاب والعربدة ويعيشون في ظل فقر دائم حيث يقحم ليتيليير نفسه بنجاح في ميدان جنس أدبي جلب الشهرة لطيف واسع من الكتاب على غرار مانويل روخاس، أرماندو مينديز كراسكو، غونزاليس فيرا، ألبرتو روميرو،نيكوميديس غوزمان وكتاب تشيليين آخرين.

الفضل في نجاح تجربة ليتيليير الروائية يعود إلى الحظ والنبوغ في آن، فقد حالفه الحظ لأنه يتمتع بموهبة عظيمة، ورواياته الأولى حققت نجاحا منقطع النظير فور صدورها، الأمر الذي ظل ملازما هذه التجربة الإبداعية في جميع محطاتها على غرار تجارب كتاب تشيليين آخرين ذاع صيتهم حول العالم مثل إيزابيل الليندي ولويس سيبولفيدا.

أما إذا نظرنا إلى هيرنان ريفييرا ليتيلير الإنسان، فإننا نجد أنه مخلص لجذوره المتواضعة فهو شخص بسيط ومتواضع جدا ولا يخجل من بداياته ولا يؤمن بأنه كاتب. ويمكن إيجاز وصفه على النحو التالي:بسيط، لطيف،ثرثار، يستخدم ألفاظا شعبية، حديثه شفاف وحميم ينم عن شخص مر بتجارب كثيرة في حياة حافلة بالأحداث حصل على كل شيئ فيها بعد مشقة وعناء كبيرين وتضحية، فهو شخص لم يهدى شيئا، ما يعطي أهمية خاصة لما حققه من نجاح .

«منذ ذلك اليوم -الذي فاز فيه عام 1994 بجائزة الهيئة الوطنية للكتاب في تشيلي- ضحكت لي الدنيا، فأصبحت أسعد إنسان في العالم. أفعل ما يحلو لي، أعيش على ذلك النجاح وأتمتع به، لكني لم أبدل أسلوب حياتي ولا أصدقائي، لكني أشعر بأني أكثر يقينا من نفسي، إذ لم يعد يتعين علي أن اقلق من أنه لن يكون لدي خبزا أقدمه لأبنائي غدا».

ولد هيرنان ريفيرا ليتيليير في مدينة تالكا التشيلية عام 1950 . حازت روايته «الملكة إيزابيل تغني أغاني المزارع» على جائزة الهيئة الوطنية للكتاب والقراءة عام 1994 وتعتبر هذه الرواية أحد أكثر الأعمال الأدبية انتشاراً في الرواية التشيلية الحديثة . كما منحته الهيئة نفسها بعد سنتين جائزة ثانية عن رواية أخرى جاءت هذه المرة تحت عنوان «نشيد الملاك الواقف على ساق واحدة» .

وتبع هذين العنوانين عناوين أخرى هي «فتامرجانة الحب مع فرقة موسيقيا»، 1998، الحائزة على جائزة المجلس البلدي للرواية و «كتاب الحكايات التي يموت فيها الشجعان»،1999، و«القطارات تذهب إلى المطهر» ،2000، و «القديسة ماريا ذات الورود السوداء» ،2002، و «أغنية للسير على المياه»، 2004، و«قصيدة شعبية للعفريت الذي يكتب رواياتي» ،2005، و «الخيالي»،2006، و «اسمي مالاروسا»،2008، وأخيراً «عداد الأفلام»،2009.

كل هذه الروايات لاقت استحسانا منقطع النظير وقرأت مراراً وتكراراً في كل من تشيلي والأرجنتين والمكسيك واسبانيا ولها من الترجمات المنشورة في كل من فرنسا وايطاليا وألمانيا واليونان والبرازيل والبرتغال وتركيا .

في عام 1901 قلد ريفيرا ليتيليير وسام فارس الفنون والآداب من قبل وزارة الثقافة الفرنسية . أما رواية «فن البعث» التي حازت على جائزة «الفاغوارا» ،مؤخراً، فإنها تروي قصة عودة المسيح الثانية ،خلال النصف الأول من القرن العشرين، إلى الأراضي المنسية في مناطق صناعة ملح البارود في تشيلي، وفي هذا السياق يمكن القول أننا نقف على رواية أصيلة تخلط بين القصة الخبرية التاريخية والاجتماعية وهي بذلك قريبة جداً من مأساة القديسة سانتا ماريا في حين أنها مطعمة بعناصر قوية تنتمي إلى تيار الواقعية السحرية في الأدب عموما وفي أميركا اللاتينية على وجه الخصوص .

أما قوتها فتكمن في شخصياتها وخصوصاً في المسيح نفسه، تلك الشخصيات تذكر بشخصيات كتاب آخرين مثل فايي انكلان أو غارسيا ماركييز أو ماريو فارغاس لوسا ولذلك فإنه من الأفضل بالنسبة لقارئ قصة دومينغو زاراتي،بطل الرواية الفائزة، من الأفضل له أن يقرأها متذكراً سحر وسهولة أساطير وخرافات الطفولة .

ومن الجدير ذكره أن زاراتي فيرا يعتبر في تشيلي شخصية أسطورية كرس لها الكاتب الراحل ميكانور بارا عام1977 كتاباً كاملاً تحت عنوان «مواعظ وخطب مسيح إلكوي» الذي يمكن أن نقرأ في مقدمته:

«اختلال الأعصاب ليس مرضاً، إنه تركيز للطاقة النفسية، التي يتعين علينا أن نعرف كيف نستغلها، إن مريضاً باختلال عصبي مراقب على نحو جيد يقدم ضعف أو ثلاثة أضعاف الشخص العادي،خذوا حالة نابيليون بونابرت أو حالة ميغييل سيرفنتس سافيدرا»، هكذا تكلم المسيح الذي ابتكره بارا أما شخصية المسيح التي ابتكرها ريفيرا ليتليير فإنها تقوم على خليط من البحث والخيال في آن على حد قول المؤلف نفسه .

البحث قاده إلى تتبع خطوات أتباع المسيح في مصانع ملح البارود وإلى عدم ضياع رؤية حدث كان قد كرس له عام 2002 روايته «القديسة ماريا ذات الورود السوداء»، ذلك الحدث المتعلق بمجزرة مدرسة سانتا ماريا دي ايكويكي، والتي تكشف تفاصيلها أنه في 21 ديسمبر 1907 قتل العسكريون نحو ثلاثة آلاف من عمال المناجم المضربين عن العمل . أما الخيال فيبقى ابن تلك البيئة السحرية وحفيد الكاتب الراحل خوان رولفو .

ذلك الواقع الساحر الممزوج بذلك الخيال المتقد قاد الكاتب التشيلي إلى الفوز بجائزة الفاغوارا، التي وصف رئيس لجنة تحكيمها مانويل فيسنت الرواية بأنها رواية مدهشة لا يمكن أن تتحول إلى عمل سينمائي من دون أن تترك المخرج مكشوفاً وذلك عندما كان يتحدث حول دقة وجمالية الأسلوب غير القابل للتصوير السينمائي للعمل الفائز الذي سيعرض، مع ذلك، على الشاشة الكبيرة في منتصف مايو المقبل.

باسل أبو حمدة

Email