أطول الأسواق المسقوفة في العالم

«المدينة» أطول الأسواق المسقوفة في العالم

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يزرها رحالة أو تاجر أو باحث إلا وكانت الدهشة والانبهار بجمالها وجاذبيتها أول ما يتملكه من شعور فور أن تطأ قدماه أرضها، إنها مدينة حلب السورية التي مازالت تمثل ألمع وأرقى ألوان فرادة المدن في عمرانها وتصميمها، وبوجه خاص نهضة أسواقها التي احتضنت ثقافات الغرب والشرق متجسدة كملتقى حضاري فكري يتلاقحان فيها.

منذ القدم والمدينة بأسواقها ومكوناتها الطبيعية والعمرانية والحضارية المختلفة، موضع شوق ولهفة بالنسبة لعظماء السياسة والأدب والفن والمفكرين والباحثين إلى جانب التجار من مختلف الأصقاع في العالم، حيث بقيت تمثل لهم أبدع وأفضل أماكن الاستجمام والراحة والسياحة الثقافية بالتوازي مع أهداف التجارة والربح، ولكن حلب بأسواقها التي لا تنفك تحوز اهتماما وسمعة عالمية رائدة، عاشت، وكما يسجل الكثير من البحاثة والمهتمين والرحالة، عصرا ذهبيا في القرن 17 م تبوأت معه مكانا رفيعا في مجال التجارة وإنعاش الاقتصاد والأسواق عالميا، وهذا ما يؤكده الرحالة الفرنسي «سوفاجيه» الذي زارها في ذلك القرن مسجلا إعجابه البالغ بجماليات تصميم أسواقها ونهضتها الحضارية وغنى تراثها الذي أهلها فعليا لتصنف حاليا كأهم نموذج عمراني لمراكز مدن العالم الإسلامي حول البحر الأبيض المتوسط.

اضاءة 1- تبوأت قديما مكانة رفيعة في مجال التجارة وإنعاش الاقتصاد العالمي.

رحلة في التاريخ والحاضر... تحتل مدينة حلب أهمية حيوية خاصة في سوريا تاريخيا وراهنا بفضل عراقتها ودورها الحيوي ضمن مختلف المجالات، فرغم أنها من أقدم المدن على وجه الأرض، لا تنفك مع عمرها البالغ 10 آلاف عام، تزداد شبابا وتألقاً مفعماً، وهذه المدينة المتواضعة كمتحف للتاريخ بمفرداته المتنوعة، تزخر بأجمل مكونات الحياة العصرية والحضارة والشواهد العمرانية التاريخية القديمة، ما جعل منظمة اليونسكو العالمية تختارها ضمن لائحة مواقع التراث العالمي. وتعود الآثار في مدينة حلب إلى عصور عدة سابقة، شاملة عصور ما قبل الميلاد وبعده والحضارة الإسلامية، وهي خلال ذلك لم تنقطع عن ممارسة ولعب دور مميز في شتى تلك الحضارات المتعاقبة، كما دلت المكتشفات الأثرية والكهوف الموجودة في المناطق المجاورة للمدينة بما تحويه من بيوت محفورة في الصخر، على أنها كانت مقراومسكننا للإنسان في العصر الحجري، وقد اختيرت مدينة حلب التاريخية عام 2006 م كثاني عاصمة للثقافة الإسلامية بعد مكة المكرمة، لما تتمتع به من مميزات تاريخية وعصرية.

عراقة وجماليات لا تخفت

ليست أسواق حلب موضوعا منفصلا عندما نتحدث عن عراقة وحضارة وقيمة هذه المدينة، فهي تستحل مكان القلب من الجسد بهذا الصدد، كونها قمة اختمار نشاط نبض المدينة في جميع العصور التي عايشتها، ذلك لأنها كانت ومازالت وستبقى بتأثيرات إيحاء جماليات وتراثية تصميمها الذي يستقي من عبق التاريخ ليجاري الحاضر، خير مرتع لامتزاج وانفتاح الثقافات العالمية على بعضها البعض، فهذه الأسواق التي تكاملت وازدهرت خلال القرن السابع عشر وما بعده، خلقت ارفع مستوى تقدم وانتعاش في صميم الاقتصاد العالمي المتكامل ما بين الشرق والغرب.

إن أسواق مدينة حلب من أطول الأسواق المسقوفة في العالم، حيث يقدر طولها بسبعة كيلومترات، وتحتفظ بطابعها الشرقي الأصيل منذ القرن الثالث عشر وحتى الآن، كما تغطي منطقتها الواسعة مساحة 16 هكتاراً، ويمتد أهم محور فيها من القلعة شرقاً إلى باب إنطاكية غرباً، وهي تشتمل في الوقت نفسه على أسواق موازية للمحور أو متعامدة معه، وتمتاز أسواق هذه المدينة بلمسات عمرانية فريدة يعانق بريقها غطاء السوق المكون من أسقف حجرية تتوضع على شكل عقد بديع التكوين، لتظلل أرضية حجرية مرصوفة بإتقان تعكس البرودة صيفا والحر شتاء.

وتباع في هذه الأسواق القديمة جميع الاحتياجات الإنسانية، ورغم ظهور أسواق تجارية حديثة في العديد من أحياء المدينة، بقيت هذه الأسواق تمثل المركز الرئيسي الذي يرتاده الجميع سواء من ساكني المدينة القديمة أم الحديثة على امتداد أطرافها. لتستمر بهذا كمقصد لمختلف الأفراد الراغبين بشراء مواد محددة، أو السياح اللذين يلقون فيها أجمل واشمل أنواع الفعاليات الترفيهية والاقتصادية.

فنون معمار تعانق حيوية الأسواق

هناك فعليا، نوعان أساسيان للأسواق القديمة في حلب من حيث التصميم، أولهما النوع البنائي المسقوف الذي يحوي فتحات عليا تسمح بدخول بعض الهواء والنور، وتتوزع فيه المحال التجارية بصفوف منتظمة على الجانبين ويراعى فيه التصنيف طبقا لنوعية البضاعة المعروضة، لذا يستقل مجموع محال الطرابيش ليشكل سوقا خاصا، وكذلك أسواق الموازين والعطارين وغيرها.

ويضم النموذج والنوع الثاني الذي يمتاز بأنه غير بنائي، العديد من أشكال الأسواق أبرزها سوقا الأحد والخميس، فسوق الأحد أسبوعية تعرض فيها شتى صنوف المبيعات ضمن «بسطات» تنتشر في المكان يوم الأحد من كل أسبوع، وتمتد على كامل المساحة الواقعة بين منطقة «قسطل الحرامي» وحي الجابرية، وهناك سوق إستانبول وسوق «الخجا»، وتقع سوق «الجيج» في حارة «الشميصاتية» وهي سوق يومية تباع فيها مختلف صنوف المواد، وتوازي سوق «البالستان» (البازوجية) سوقي «الصياغ» وتعنى بصفة غالبة بتجارة البسط والسجاد، وتتركز تجارة الجلود ومستلزمات «القوافين» من خيوط وقصب وبطانة الأحذية ضمن سوق «الباتية».

أسماء لونتها مواد البيع

تضم سوق حلب الأثرية، كقسم من أصناف الأسواق التي أسلفنا الحديث عنها، مجموعة من الأسواق التي أخذت أسماءها تاريخيا من أنواع المواد التي تباع فيها، وتتقدمها هنا سوق «الجنفاص» التي تختص بتجارة وصنع الخيش. وفي هذا القبيل هناك سوق الجوخ حيث كان يباع فيها الجوخ ويمكن ان نستدل من اسم سوق «الطرابيشية».

وتسمى أيضا سوق «القاوقجية»، على نوعية المواد المباعة فيها، وهي تقع على امتداد سوق الدهشة للجهة الغربية، ورغم استدلالنا من تسميتها ربما أننا لن نجد الآن تلك المواد فيها حيث أصبحت هذه السوق متخصصة الآن بتجارة الأقمشة، وتشتهر سوق الحبال بأنها أضيق الأسواق وتبيع بنمط البيع المفرق فقط لا الجملة، وأيضا سوق تصنع وتباع فيها المسامير البلدية وسلاسل قيود الدواب والمفصلات.

وهناك سوق «الحلوية»، وسوق الخابية التي تعنى ببيع «الخوابي» وأواني الشرب، ويضاف إلى هذه الأسواق مجموعة كبيرة أخرى مثل سوق (العبي)

وسوق (العطارين) وسوق (السقطيّة) و(القصابية) و«قره قماشو سوق الصابون وسوق المناديل وسوق «الصياغ» وسوق «القاوقجية» وسوق «الصرماياتية» (سوق النعال)، وايضاالعتيق والحور والعرابيين والحمام و«ماركوبوي» وخان الحرير.

موزاييك

مضت الأسواق تضجُّ بالحياة والحركة اليومية طيلة ساعات النهار وحتى المساء، وقد أقامت أقدم جاليات التجار الأجانب في الخانات والفنادق الأثرية بحلب فسمي بعضها باسمها، مثل تجار البندقية (خان البنادقة)، ومثلهم الإنكليز والفرنسيون والهولنديون وسواهم، حيث كانوا من خلالها يشرفون على أعمالهم التجارية وتصريف بضائعهم وهي في طريقها من الهند إلى أوروبا.

الجامع الكبير

الجامع الأموي الكبير في حلب هو أحد أكبر جوامع المدينة، ويمثل ابرز المعالم الإسلامية التاريخية فيها، إذ أنشئ فيها خلال العصر الأموي، ويطلق عليه البعض اسم جامع زكريا وذلك ـ كما يقال ـ بسبب دفن قطعة من جسد نبي الله زكريا فيه، وهو يمتد على مساحة من الأرض يبلغ طولها 105 أمتار من الشرق إلى الغرب، ويصل عرضه إلى 75 .77 مترا من الجنوب إلى الشمال، كما انه يشبه إلى حد كبير الجامع الأموي في دمشق من حيث مخططه وطرازه.

سكان حلب

تعد مدينة حلب اكبر مدينة سورية من حيث عدد السكان، وذلك قبل العاصمة دمشق التي تأتي في الدرجة الثانية، وما يميزها بشكل رئيسي مستوى التناغم والانسجام بين شرائح وأعراق وقوميات وطوائف ساكنيها الذين يعيشون في هدوء وانسجام لا مثيل لهما، وتشمل أعراق السكان في المدينة إلى جانب العرب، الأرمن والشركس والأكراد الحلبيين والتركمان وغيرهم، كما ان غالبية سكان المدينة من المسلمين وذلك بنسبة 85%، لكنها أيضا، وبعد مدينة بيروت، تمثل الحاضنة والمقر الأكبر للمسيحيين بين مدن الشرق، كما انها اشتهرت قديما بوجود جالية يهودية كبيرة وهامة كانت تقدر بحوالي 10000 نسمة.

رباب محمد

Email