روايات خالدة

الغابة النرويجية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

اختار منفاه في أوروبا في بادئ الأمر ثم استقر به الحال في الولايات المتحدة بين عامي 1986 إلى 1995. وعمل أستاذا للأدب الياباني في جامعة «برنستون» وجامعة «تافت» بالولايات المتحدة.

وهناك ألف روايتيه «أرقص.. أرقص.. أرقص» 1988 و«جنوب الحدود.. غرب الشمس» 1922 إلى أن تعرض هاروكي موراكامي إلى هزة قوية في مشاعره الوطنية عندما ضرب زلزال مدينة كوبيه عام 1995 وحادثة تفجير مترو طوكيو، فشعر بأنه لا يستطيع التخلي عن كونه يابانيا وقرر العودة إلى وطنه. بدأت رحلة الكاتب مع عالم الكتابة برواية «اسمع غناء الريح» في عام 1979. وأثنى النقاد على لغته البسيطة الحديثة وخياله الواقعي السحري. ثم توالت بعدها أعماله حيث قدم اثنتي عشرة رواية أبرزها «سباق الخروف البري» 1982 و«الغابة النرويجية» 1987، و«خاتمة الأزمنة» 1992، و«أنشودة المستحيل» 1994، و«سبوتنيك الحبيبة» 1999، و«حوليات الطائر النابض» 2001، و«كافكا على الشاطئ» 2002، و«بعد الظلام» 2004، بالإضافة إلى عشرات القصص القصيرة آخرها «طوكيو الغامضة» 2005، فبلغ مجمل أعماله 30 كتاباً ترجمت معظمها إلى 39 لغة.

ويتميز أسلوب هاروكي موراكامي عن غيره من الروائيين اليابانيين الآخرين أمثال يوكيو ميشيما وكينزا بورو أوويه وكوبو آبي بتأثره بالأدبيات الغربية خاصة أعمال ديستوفيسكي وتولستوي وبلزاك مما جعله يصنع خلطة سحرية يمتزج فيها اللغة اليابانية الخالية من التعقيدات اللغوية والثقافة الغربية المعاصرة.

في «الغابة النرويجية» يقدم موراكامي اليابان بطريقة بسيطة وشفافة وبعيدة عن التعقيدات، مستعرضاً فيها الموسقى والصداقة والحب، مزيج من رصد العلاقات الاجتماعية وعلاقتها بالذات أي الفرد.

وتستند الرواية على قصة شاب جامعي يموت صديقه، فيعيش الموت كمفصل من مفاصل حياته، حيث تتحول إلى أخيلة جنسية. وهنا يكتشف الروائي أنه أمام جدار الحدود يتهاوى ويختلط فيها الواقع بالخيال، الموت بالحياة، والعقل بالجنون. وهو يؤمن بأنه لا يمكن التعبير عن اليابان المعقدة بدون هذه الخلطة وإن تبدو عجيبة في ظاهرها إلا أنها جوهر العلاقات الإنسانية في اليابان الذي يتميز بهدوئه الظاهري الذي يغطي على غموض المجتمع.

ويتجسد ذلك فيما يكتبه، واتانابي، بطل الرواية عن غابة أخيلته، بعد عشرين سنة من حدوثها، يجد أن ما يكتبه هو ما يتذكره، وأن ما يتذكره هو ما يتمناه أن يقع في الواقع. هكذا يعيش الكاتب أو الراوي تجربة المصح العقلي كأنها تراث سردي يمتد من شهرزاد حتى خيالات «الجبل السحري» لتوماس مان، تلك الرواية التي تروي قصة مصح عقلي آخر. وهكذا يتحول السرد عند الكاتب إلى حياة، والحياة إلى السرد. لا حدود واضحة بينهما.

لكن النتيجة التي تعصف بوجوده فعلاً، في هذا التداخل، أنه أضاع الحدود بين العوالم. لم يعد يدري أين يوجد وفي أي منطقة يتحرك. وسرعان ما يصطدم بهشاشة الواقع الفعلي، ويصدمنا قراءه، بتداخل الحدود بين السرد والواقع. إنه تراث جيمس جويس في تصوير الوعي الذي يعود إليه الكاتب الياباني، ويعمل على تفجيره من جديد ليعطي صورة عن المجتمع الياباني وتعقيداته.

ويستوحي الكاتب عنوان روايته «الغابة النرويجية» من اسم لأغنية شهيرة لفرقة «البيتلز». الخنافس، الذي يحيل منذ الوهلة الأولى إلى طقس شمال أوروبا القارس. وهنا تبرز تأثيراته بالأدب الأوروبي الغربي.

تقول ناوكو، أحد أبطال الرواية «إن هذه الأغنية تجعلني أشعر بحزن جارف. لا أعرف. يتراءى لي أنني أتجول في غابة عميقة. وأنا وحدي في ظلمة باردة، لا أحد يأتي لإنقاذي. لهذا لا تعزفها رايكو أبداً ما لم أطلبها منها».

عودة بالذاكرة

هاروكي موراكامي الكاتب والروائي والمترجم الياباني الأكثر شهرة في العالم، اقتحم عالم الأدب وهو في السابعة والثلاثين من عمره وحصد الجوائز العالمية من أول رواية. ورغم شهرته العالمية الواسعة ورواياته التي ترجمت إلى 39 لغة، إلا أنه قليل الظهور في وسائل الإعلام، ونادرا ما يدلي بحوارات صحفية، لا يظهر على شاشات التلفزيون، ولا يعطي بأحاديث إلى الإذاعة، ويتحفظ جدا بشأن التقاط الصور.

إن الرواية تكاد تخلو من أيّ شيء ياباني، سوى المكان والأبطال، لكن جميع شخوصها يشعرون ببرد ما يأتيهم من حالة التغريب التي يعيشها المجتمع الياباني منذ دخوله إلى آلة الإنتاج الكونية، ولم تكن تلك النتائج سوى ارتداد التأثيرات المادية الصناعية إلى برود عاطفي لا تفلت منه جميع شخصيات الرواية.

إنه بالأحرى الخواء الروحي مسخ العادات والتقاليد اليابانية والعلاقات بين البشر، وحتى طرق الانتحار والمصحات العقلية نموذجاً بارداً مما تم جلبه من الغرب الأوروبي، بكل سلبياته ومواجعه. فأصبح المجتمع الياباني الأصيل مجرد تابع ومقلد للغرب، لا يعرف أين يتجه ببوصلته بل ويغرق في مستنقع المجتمعات التي أنتجتها الرأسمالية الغربية في أسوأ صورها.

الكتاب: الغابة النرويجية

تأليف: هاروكي موراكامي

الناشر: فانتيج انترناشونا

الصفحات : 296 صفحة

Norwegian wood

Haruki Murakami

vintage International 1987

p.296

Email