الناقد محسن جاسم الموسوي:

أميركا تجهل الأدب العربي

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

إن تقديم الدكتور محسن جاسم الموسوي ليس بالأمر السهل لأنه يتوفر على معرفة نقدية واسعة ومتنوعة في مجال الأدب والنقد والفكر. وقد شهد نشاطه في السنوات الأخيرة، حضوراً أكاديمياً بارزاً في الجامعات الأميركية والغربية، وهو حالياً يعمل أستاذاً في جامعة كولومبيا بنيويورك.

وقد أصدر مؤخراً نحو عشر دراسات نقدية باللغة الإنجليزية لها صداها الكبير في أروقة الجامعات الأميركية والغربية بل وأصبحت من كبريات المراجع الأساسية في نقد الأدب العربي في الجامعات الأميركية والغربية. في هذا الحوار، تحدث الأكاديمي والناقد الأدبي محسن الموسوي عن كتبه الأخيرة التي صدرت في السنتين الأخيرتين، ولاسيما التأليف باللغة الانجليزية: توجهك نحو التأليف الأكاديمي برز بشكل ملفت من خلال تأليف عدد من الكتب المتنوعة حول الثقافة العربية والإسلامية، هل يمكن أن توضح لنا ذلك؟ ـ تدور الكتب العشرة التي ألفتها في السنوات الأخيرة حول الحركة الأكاديمية، وهي تستخدم على النطاق الأكاديمي حول الأدب مثل «رواية ما بعد الاستقلال» دار نشر برلين و«المرجعية الإسلامية لألف ليلة وليلة» دار جامعة كولومبيا.

«الإسلام في الشارع» دار رومن أند لتل فيلد، و«كتاب» الشعر العربي جادات القدامة والحداثة» دار راوتلج، و«كتاب «استقرار العراق.. صراع الثقافة والسلطة» دار تاورس و«الشرق الانجليزي» الدار الجامعية للنشر، بالإضافة الى الكتب القديمة مثل «شهرزاد في انجلترا». *لماذا التأليف باللغة الانجليزية، وهو ميدانك بلا شك، بعد أن أتحفت المكتبة العربية بالعديد من الكتب؟ ـ لاحظت في السنوات الأخيرة خلو الحياة الأكاديمية الأميركية من التأليف العربي أي التأليف الذي يكتبه نقاد ودارسون عرب. وتكمن المشكلة في أن نقدنا العربي وكتابنا باللغة العربية لا تصل إلى الجمهور في الغرب. وإذ يكثر الاهتمام في السنوات الأخيرة في الثقافة العربية وجدت لزوم التفرغ لهذه القضية ومعالجتها بشكل علمي ورصين وتقديمها بقصد تقديم إلى الجمهور الأكاديمي الغربي والأميركي. ولهذا كرست جل وقتي خلال السنوات الأخيرة. وكان أن تحقق فعلاً مثل هذا الانجاز الذي يعد ضخماً مقارنة بما هو موجود من قبل في السوق الثقافية العربية. وكنت أنطلق بالإضافة إلى المفردات المذكورة، من ضرورة تعميق الثقافة العربية بقديمها وحديثها بعيداً عن المدارس الاستشراقية القديمة.

* لماذا هذا القصور في التأليف العربي في الغرب في نظرك؟ ـ أولاً، إن القدرة على التأليف باللغات الأجنبية ليست ميسورة ولابد من ممارسة ومران طويلين وحساسية نقدية شديدة. كما أن دور النشر الغربية المعروفة لا تنشر مادة قاصرة أو عادية أو سهلة أو من قبيل الإنشاء البسيط. وبالنسبة للكتاب المعرفي لا بد أن يمر على خبراء متخصصين في ميدانه، ويقومون بمحاورته إذا جرت الموافقة على قبول مخطوطة الكتاب مبدئياً. ولهذا السبب فإن نسبة التأليف قليلة بين الأكاديميين الغربيين وقلما نجد أن شخصاً بلغ مرتبة الأستاذية وقد صدرت له أكثر من أربعة كتب في ميادين العلوم الإنسانية والاجتماعية.

ما هو فائدته للمستقبل في نظرك؟

لن تحظى الثقافة العربية كثيراً باهتمام شديد من قبل الطلبة الأجانب وبقيت محصورة في نطاق المتخصصين بالآداب العربية. أما الذي أقدم عليه جيل الشبيبة في الغرب فهو تقديم الثقافة العربية بصفتها العالمية أي من حيث المواصفات التي تلتقي فيها الثقافات العالمية الشائعة.

فإذا كان الدارس في الغرب يعرف الشاعر الفلاني والكاتب الفلاني أو الأغنية الفلانية فإن لنا أن نجري مقارنة بين المنتج العربي وبين هؤلاء الذين يشكلون مادة مشتركة بين القراء. هذه الشفرات المشتركة يتيح لثقافتنا بالتدريج أن تتسلل في الوعي الغربي العام وتزيح عنه الصور القديمة التي خلدت فيه لسنوات طويلة.

هل تسعى أن تقدم رؤية شاملة للثقافة العربية من خلال عناوين كتبك؟

على الرغم من تنوع الكتب التي ألفتها، فهي تسعى لوضع كل هذه المنهجيات ضمن مدارات الثقافة المقارنة عالمياً فجامعها الكبير هو الوعي النقدي المقارن الذي يؤكد اشتباك العلاقات ما بين الشعر والرواية والفنون العامة والسياسة والاجتماع.

ولهذا من يطلع على كتابي عن الشعر العربي يطلع أيضاً على تاريخ الثقافة العربية بقديمها وحديثها. ويتوقف عند أسماء وحركات ثقافية ومعرفية.

والذي يقرأ «رواية ما بعد الاستقلال» سيقرأ عن رواية ما بعد الاستقلال في الهند أو أميركا اللاتينية أو كندا، وبالتالي فإن دراسة العلوم السياسية سيكون بنفسه مضطراً إلى قراءة هذه الكتب لأنها قدمت إليه على طبق من ذهب. فقارئ هذا الكتاب هو أمام مدخل آخر لقراءة الرواية العربية يتيح له فهم تاريخ العرب السياسي الحديث. كما يظهر له الإمكانيات الفريدة التي تجعل من هذه الروايات والاتجاهات ذات مكانة لا تقل عن مكانة الرواية في أميركا اللاتينية.

ما هو مدى الاختلاف بين المنهجيات في التأليف الانجليزي عن المنهجيات في التأليف العربي؟

التأليف باللغة العربية يتوجه إلى جمهور عادي اعتاد على أنماط لغوية معينة، فالعبارة العربية تتمدد قليلاً وتأخذ مسافة أكبر بحكم ما اعتاده الوعي العربي على كلام طويل وفضفاض. أما التأليف النقدي حسب طرائق الغربيين الحديثة يجب أن يكون دقيقاً، مكتنزاً وقاطعاً ولكنه يترك المجال للقارئ ليختلف ويتناقش. هذا هو القارئ الأول أما القارئ الثاني، فيتعلق بطبيعة اختيار المادة. ولهذا فإن التأليف باللغة الأجنبية يعني التدقيق الذي لا يخل بالأصل.

سبق وأن نشرت في عام 1981 كتاب «شهرزاد.. الوقوع في دائرة السحر»، ما اختلافه عن كتابك الحالي المرجعية الإسلامية وألف ليلة وليلة.

تسعى الكتابة عن ألف ليلة وليلة إلى أمرين أولا: تقديم وإعادة تقديم الكتب إلى القراء الأجانب من خلال التعريف بالإقبال عليه في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بين النقاد والدارسين والصحافيين ولهذا بحثت في هذا الأمر لأبين مدى الجدية. وكنت أتمنى أيضاً أن ينتبه العرب إلى كتاب أهملوه لقرون طويلة وأعرف بأنهم سيهملوه لقرون أخرى إلا إذا انتبهوا إلى الوساطة الغربية أي أن ألف ليلة وليلة المقبولة غربياً هي المقبولة لدى العرب ثانية كالوساطة الغربية.

وبالفعل عندما صدر هذا الكتاب، انعقدت عشرات الندوات حتى هذه اللحظة وصدرت الأعداد الخاصة من المجلات وأخذ الشباب ينتبهون إلى هذه الحكايات. أما الآن حاولت أن أوقظ الدارس الغربي إلى أن هذا الكتاب الذي تعامل معه الغرب وكأنه سلطة غربية، طوعتها الترجمات المختلفة. ويمتلك هذا الكتاب مرجعيته العربية الإسلامية ويستند إلى حوار ليس اعتيادياً بين الحكاواتي والخطاب الرسمي بدرجاته المتفاوتة على مر العصور. ولهذا جاء كتابي الجديد «المرجعية الإسلامية لألف ليلة وليلة» والذي يحقق الآن مبيعات واسعة في أميركا.

كتابك «الإسلام في الشارع».. ماذا تقصد من وراء تأليفه؟

يتناول هذا الكتاب أهمية العرب الأوائل إلى عصر النهضة، أي انبهر كتاب عصر النهضة بالمنجز الغربي. وكان هؤلاء الكتاب يرون أن ذلك يمكن فقط من خلال محاكاة حسنة للنموذج الغربي للدولة الحديثة. وعلى الرغم من أن الدولة العربية قدمت خدمات مهمة وواسعة لهذه الفئات على أصعدة الصحة والتعليم والمدن والخدمات إلا أنها لم توفق في إقامة جسور ثقافية متينة معها.

فبدأ أسلام الدولة الحديثة وكأنه يختلف عن إسلام الفئات الشعبية وهذا التفاوت ظهر بشكل قوي وواسع بعد 1967 عندما شعر الجمهور بأن الشعارات لا أساس لها بالواقع.

وهذه الثغرة الواسعة بين الجمهور والدولة توالدت عنه مشكلات يمكن أن نطلق عليها بالفراغ المعرفي أو الفراغ السياسي الذي مهد لمختلف الأفكار الشعبية. وكانت النصيحة في نهاية المطاف هي لزوم إعادة صياغة ثقافة خطاب عصر النهضة ليكون أكثر قدرة على التقاط إيمان هذه الجماهير وإعادة توجيهه توجيهاً حديثاً شأن المجتمعات الغربية الحديثة.

ما هو مدى إقبال الأميركيين على تناول ثقافتنا وأدبنا العربيين في تقديركــ

هناك عدة عوامل ومستويات تحدد هذه العلاقة فمثلاً إذا تحدثنا عن ألف ليلة وليلة، فإن هذه الحكايات موجودة في الذائقة الأميركية والغربية ولم تنقطع بل مرت بأدوار مختلفة. الذي قرأها وتعرف عليها طفلاً أو في سن لاحقة لم يزل يتذكرها.

وعندما يكتب عنه بجدية أكثر من التعقيدات التي تنطوي عليها هذه الحكايات المسلية، فيتمكن من أن تستدرجه معرفة أكثر عمقاً في الثقافة العربية والإسلامية. لم يكن مستغرباً تأتيني منذ صدور» المرجعية الإسلامية لألف ليلة وليلة» تقبلت دعوات لأتحدث عنها في أماكن عامة خارج الجامعة أي فيما يسمى «لوك كلجر» و«هيومنتي كافيه» وغيرهما.

هذا يعني أن هذه الكتب يمكن أن يقبل عليها جمهور غير أكاديمي ويقيم العلاقة مع هذا الجمهور. ومن جانب آخر، هناك دراية مستجدة بالثقافة العربية تنطلق من رغبة الناس إلى معرفة الحقيقة عن هؤلاء العرب الذين يسمعون عنهم بشتى الطرق والأخبار. وهناك ثالثاً ارتباط الرغبة بالمعرفة وبالعوامل الجغرافية والسياسية أي العوامل التي تجدد طبقة المصالح الغربية والأميركية في الشرق الأوسط والشمال الأفريقي.

كل هذه المستويات ينبغي أن تكون حاضرة في أذهاننا عندما نريد أن نتعرف على مديات استقبال القارئ والدارس للثقافة العربية. فكثرة الإقبال مثلاً في السنوات الأخيرة على الدروس المعنية بالثقافة العربية، يمكن أن يرح الضمير الداخلي الذي يرى أنه لم يزل ينتهك حرمات هذه الشعوب.

وهناك من لديه مصلحة في معرفة هذه الشعوب. وهناك من يشعر بأن هذه الشعوب ظلمت وأن وسائل الإعلام لا تقدم الحقيقة عنها. كل هذه العوامل والمستويات يمكن أن يفسر لنا التحول التدريجي نحو الثقافة العربية الإسلامية.

هل الكتب لوحدها ساهمت في تشكيل هذه المعرفة؟

تتضافر عوامل عدة في تكوين المثقف الذي يمتلك الحساسية النقدية والدراية الأكاديمية والشخصية الثقافية. تتذكر أننا في سنوات الازدهار الثقافي في السبعينات والثمانينات وجدنا نخبة كبيرة من المثقفين العراقيين والعرب الذين يتكاتفون لتكوين حياة ثقافية منشودة، فظهرت سلاسل الكتب المترجمة المشهورة والتي لم تزل المطابع العربية تعيد طباعتها بأسماء أخرى غير أسماء المترجمين الفعليين التي أصدرت دار الشؤون الثقافية كتبهم.

وهناك كتب التراث بسلاسلها والكتب المعرفية الأخرى. بالإضافة إلى المجلات السبع التي كانت تمتلك رصيداً محترماً بين المثقفين. هذه جميعاً جعلت المثقفين العرب ينظرون إلى العراق نظرة احترام تقدير لا علاقة لها بالأوضاع السياسية ومقدار الانسجام مع النظام أو الاختلاف معه. كان الثقافة وكما هو شأنها دائماً تختط لنفسها طريقاً وجادة أخرى.

ينبغي أن نتذكر أن فترات التقهقر السياسي في الوطن العربي منذ القرن العاشر الميلادي شهدت أيضاً سعة في الإصدار الثقافي وظهور الموسوعات واشتداد الرغبة للكتابة وسير المؤلفين والكتاب والحكماء وكأن المثقف يريد أن يمنع التدهور والضياع يرصد الذاكرة ويحولها إلى مادة تقاوم الفقدان، وهذا هو أمر المثقف، من لا يفهم ذلك، سيبقى عسيراً عليه الإلمام بماهية الثقافة.

الموسوي في سطور

ولد في الناصرية ـ العراق 1944

دكتوراه تمييز 1978 جامعة الهاوزي الكندية

أستاذ تعليم عال، جامعة تونس الأولى كلية الآداب منوبة 1992

أستاذ جامعة صنعاء 1991

أستاذ جامعة عمان الأهلية 1991

أستاذ جامعة بغداد 1988 ــ 1990

مدرس وأستاذ مساعد، جامعة بغداد 1978 - 1988

رئيس مجلس إدارة الشؤون الثقافية لإنتاج الكتب والترجمة والمجلات الثقافية، رئيس تحرير دورية الإستشراق 1983-1990.

ـ حاز على جائزة العويس في النقد عام 2000 ـ 2001

أهم مؤلفاته

ــ رواية ما بعد الاستقلال عن دار نشر بيرل 2005

ــ الشعر العربي/جادات الحداثة والقدامة عن دار نشر روتلج /لندن ـ نيويورك 2006

ــ استقراء العراق/صراع الثقافة والسلطة عن دار نشر تاورس البريطانية 2006

ــ ألف ليلة وليلة/تقديم وشروح/ عن دار نشر بارل وتوبل/2007

ــ الترجيعات نظرية التفاعل في الشعر العربي

ـ النظرية والنقد الثقافي

ـ الرواية العربية بعد محفوظ: التغريب وذاتية الانعكاس

ــ مجتمع ألف ليلة وليلة

ــ سرديات العصر العربي الوسيط

ــ ثارات شهرزاد: فن السرد العربي الحديث

ــ الاستشراق في الفكر العربي

ــ الرواية العربية: النشأة والتحول

ــ عصر الرواية

ــ الوقوع في دائرة السحر

ــ أدب الحرب القصصي في العراق

ــ رؤية الرجل الصغير في القصة القصيرة

ــ نزعة الحداثة في القصة العراقية في الخمسينات

ــ نظرية الرواية

ــ أسئلة الثقافة

ــ النخبة والانشقاق

الروايات

ــ العقدة

ــ درب الزعفران

ــ أوتار القصب

ــ دون سائر الناس

ــ انفعالات الرقم 46

حوار: شاكر نوري

Email