ما هو الاستحقاق؟

ما هو الاستحقاق؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

مفهوم «الاستحقاق» مطروح للنقاش في الغرب اليوم بقوّة، هذا على خلفية القول إن التوظيف والموقع الاجتماعي والتمثيل السياسي يقوم على أساس «الكفاءة» و«الأهلية» التي يفرضها مفهوم «المساواة».

هذا المفهوم يشكل أحد أسس المواطنة والتقييم على أساس الكفاءة والأهلية وليس أبدا على أساس العرق أو اللون أو المنبت الاجتماعي. والفيلسوف والأستاذ الجامعي الفرنسي ايف ميشو الذي مارس التدريس في جامعات فرنسا وتونس والولايات المتحدة اختار لكتابه الأخير عنوانا بصيغة سؤال هو: «ما هو الاستحقاق»؟

إن المؤلف يحاول تقديم إجابته على هذا السؤال في منظور المساهمة في تحديد المعنى الحقيقي لكلمة «استحقاق» وما تخبئه وما تكشف عنه. وهو يوزع مواد كتابه بين ثلاثة أقسام رئيسية تحمل بالتتالي عناوين: «الطريق المسدود أمام مفهوم الأفضل» حيث يسود الميل للانتهاء من الممارسات القائمة على الامتيازات، ثم «الاستحقاق من خلال موشور المساواة» وأخيرا: «الحظ والاعتراف والفضيلة».

يقول ايف ميشو في مقدّمة كتابه إن «الأهلية والعمل والجهد مفاهيم تعود بقوّة إلى الخطاب السياسي وإلى النقاش العام. فالمفروض أن يكون المرء مؤهلا من أجل استحقاق أجره أو مكافأته، والمرتبات ينبغي تحديدها على أساس الأهلية كما يتم وعد الطلبة والتلامذة المؤهلين بميداليات تدل على ما يستحقون من تقدير».

ويفتح المؤلف هنا مباشرة قوسين كي يوضّح مدلول الاستحقاق اليوم، المدلول المعاصر للاستحقاق، حيث يضيف: «أنها عودة غريبة لمفهوم الاستحقاق. فطرحه لا يتم في وسط موجة قوية من المطالبة المتنوعة بالمساواة فحسب.

ولكن الاستحقاق العائد نفسه غريب أيضا، إذ إن الأمر لا يتعلق بقيمة أخلاقية وبإنجازات إنسانية وبأفعال خير وبفضائل. لكن يتم تداول الاستحقاق في مجال العمل والجهود المبذولة وخاصة فيما يتعلق بصرف المكافآت. إن الاستحقاق يبدو نوعا من تأكيد حق المكافأة المالية، وبكل الأحوال يعني صفة يُفترض أن تلقى المكافأة عليها».

ويشرح ايف ميشو أنه في عالم المدارس والشركات والمؤسسات وفي الخطابات الرسمية وفي الأحاديث العامة حول جمع المواضيع يتم التركيز على أهمية «الاستحقاق» بحيث إن الجميع يتفقون على القول إنه ينبغي إعادة الاعتبار لمفهوم الاستحقاق وإعطائه قيمة أكبر والاعتراف به. وفي المحصلة تنبغي المكافأة لأولئك الذين يتمتعون ب«الأهلية».

وبالتحديد مكافأتهم «ماديا». ذلك أن «الزمن الذي كان يتم فيه التكريم عبر التعبير عن آيات الاحترام وتعليق الأوسمة على الصدور قد ولّى وانقضى».

التعبير القديم لا يزال هو المستخدم، ولكن الفكرة نفسها، مضمونها، قد تغيّر. ويجد المؤلف أن هذا التغيير يتواكب جيدا مع واقع أن كل شيء أصبح قابلا لـ «القياس» و«التقييم الكمي» الضروريين من أجل تحديد «قيمة المكافأة»، ودائما على أساس «الفاعلية في العمل» و«زيادة المردود» لم يعد صالح وسام الاستحقاق، يتم على قاعدة التقيد الكامل بقواعد حسن السلوك والتطبيق الصارم للقواعد الأخلاقية، مهما كانت المرجعيات القائمة عليها عقائدية أو إيديولوجية أخرى. لقد غدا «وسام الاستحقاق» هو «المبلغ المالي: الذي يتم تقديمه لقاء الفاعلية».

تجدر الإشارة إلى أن هذا العنوان المباشر والتقليدي «ما هو الاستحقاق» لا يوحي كثيرا بما يضمه الكتاب من شرح فلسفي وفكري عميق لآليات عمل المجتمعات الاستهلاكية الغربية اليوم. وأيضا آليات عمل مؤسساتها في مختلف الميادين. لكن المؤلف يحرص على أن يكون قريبا من حياة الناس ومراقبة تغيّرات الحقبة عن قرب بعيدا عن الموقف الغالب الذي يتخذه الفلاسفة عادة عبر البقاء في «أبراجهم العاجية».

وعبر التفسيرات التي يقدمها المؤلف-الفيلسوف يتم اكتشاف واقع أن تعبير «الاستحقاق» الذي يتكرر بلا حساب في النقاشات والأحاديث اليومية للناس يجد جذوره في عالم من الدلالات أكثر تعقيدا بكثير مما يمكن أن يبدو للوهلة الأولى.

فتعبير «الأهلية» إنه يدل على المواقف الأكثر تناقضا مثل القول: «هذه جريمة تستحق العقاب»، أو قول: «إن فضيلته تجعل منه إنسانا جديرا بالاستحقاق». ويعود المؤلف في شرحه لمفهوم الاستحقاق، حيث كانت الأسئلة المطروحة على البشر تتعلق بمعنى الأفعال التي يقومون فيها.

وبعد الإشارة إلى نقاشات اليونانيين القدماء، قبل المسيحية في أوروبا، يحدد لمؤلف القول إن الثورة الفرنسية شكّلت منعطف حقيقيا في معنى مفهوم «الاستحقاق» ذلك أنه قبل تلك الثورة كانت استحقاقات البشر وأهليتهم مرتبطة بالموقع الذي كان يشغله الإنسان من حيث حسبه ونسبه والطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها، لكن بعد الثورة الفرنسية أصبحت الاستحقاقات والأهليات مرتبطة تحديدا بما يفعله الإنسان.

لكن المؤلف يؤكد بنفس الوقت، ورغم الشعارات التي رفعتها الثورة الفرنسية حيال المساواة بين البشر، إن «التعايش» بين مبدأ المساواة ومفهوم الاستحقاق لم يكن سهلا. هذا على الرغم من التأكيد «نظريا» على المساواة. هذا لاسيما أن النخب الجمهورية جهدت لفترة طويلة من الزمن على أن تربط بين مبدئي المساواة والاستحقاق حسب الأهلية.

وهنا يفتح المؤلف قوسين كي يشير أن الحقبة الحاضرة التي تتميّز بتراجع موقع هذه النخب في المجتمع وفقدان القين التي رفعتها الثورة للكثير من قيمتها حوّلت ؟ أي الحقبة- مفهوم الاستحقاق إلى مجرّد «قوقعة فارغة».

وأصبح هذا المفهوم مجرد موضوع للنقاش ودون معنى، وفي المحصلة يبدو أنه لم يعد هناك ما يبرر تداوله بمعناه «النبيل» إذ أصبح مرتبطا بمقولات العلاوة وفئة الشخصيات المهمة وساعات الرولكس.

المؤلف في سطور

مارس ايف ميشو، مؤلف هذا الكتاب، مهنة التعليم الجامعي لمادة الفلسفة في جامعات السوربون ومونبلييه وتونس وادنبرغ وبيركلي وساوباولو. أخصائي بالفلسفة السياسية وبالعالم المعاصر وهو يتولّى منذ عام 2000 إدارة جامعة «جميع المعارف».

الكتاب: ما هي الجدارة؟

تأليف: ايف ميشو

الناشر: بوران باريس 2009

الصفحات: 293 صفحة

القطع: المتوسط

Qu'est-ce que le mérite ?

Yves Michaud

Bourin - Paris - 2009

293P.

Email