سيمياء الخطاب الشعري من التشكيل إلى التأويل

سيمياء الخطاب الشعري من التشكيل إلى التأويل

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتناول كتاب (سيمياء الخطاب الشعري من التشكيل إلى التأويل ) مجموعة كبيرة من القصائد الشعرية المترجمة لثلاثين شاعرا كرديا يمثلون أجيالا مختلفة ومراحل مختلفة وتيارات شعرية مختلفة أيضا، ولكل شاعر مجموعة من القصائد يمكن أن تضيء جزءا من تجربته، وما يلفت الانتباه أن هذا الكتاب عبارة عن اجتماع ثلاثين شاعرا كرديا مع عشرة نقاد عرب من العراق- في ظاهرة ملفتة ونادرة في المشهدين الثقافيين الكردي والعربي.

يتألف الكتاب من ثلاثة أبواب وكل باب يتضمن عدة دراسات تناولت جوانب نقدية مختلفة للنصوص الشعرية المحتواة في الكتاب الشعري المترجم، تشتغل أبحاث الباب الأول والموسوم ب«الفضاء الشعري وآفاق الدلالة» على الشعر بوصفه فضاء شاملا وحيويا ومنتجا يقوم على فتح حساسية التدليل الشعري داخل بنية القصيدة على أقصى طاقة ممكنة من خلال فعالية ونشاط حركة الدول ونظم اشتغالها في المناخ الشعري المكون للتجربة الذي يقارب على نحو أصيل وفاعل القضايا الشعرية الأساسية والكبرى في التشكيل الشعري وهي تنشد إلى رؤيا الإنسان وقيمة وجوده الفاعل والمنتج في الحياة.

وحول «بنية القصيدة فضاء المكان ورؤيا الإنسان» للدكتور فيصل القصيري وهي دراسة شاملة ـ فنية وموضوعية ـ سعت إلى معاينة تجربة هذه القصائد من خلال التركيز على وضع الفن الشعري ودرجته فيها تتناول نتاج الشاعر حسن سليفاني فيشير الناقد فيها إلى أن قصائده تميل إلى تمثل حالات إنسانية وأخرى وجدانية خاصة تستمد فضاءاتها من حساسية الواقع المعاش وتنحو فنيا باتجاه بنية الإيجاز والتركيز؛ يقول الشاعر في قصيدة «قمر من نرجس» :

«أتصدق أن قاع القمر من نرجس

وأن جدرانه من ندى الجبل

ومفروش بأرائك من بيبون

وعلى بابه حارس بفأس من نحاس

يمنع دخول من لا يتقن لغة الحب

إن الشاعر يرسم عالما متخيلا (يوتوبيا) وهذا العالم الأسطورة أو الملاذ / الحلم الذي يؤسسه مخيال الشاعر هو ( قمر / من / نرجس) وكم هي جميلة هذه العلاقة الجدلية الرمزية بين القمر والنرجس ؛ ويتناول قصيدة «مشتاق» للشاعر محسن قوجان فيرى أنه يشهر حنينا جازما إلى المكان الأول ( قرية الشاعر) حيث يوجد ذلك البيت الصغير الذي ولد فيه وترعرع في أحضانه، ويرى أن أسئلة الشاعر تحمل ملفا كبيرا على مصير القرية وأشيائها في غيابه ومن الناحية الفنية يلحظ الناقد ثمة تناص شعري قائلا :

«عاصمتي

حينما أصل في قلبك

أضيع في خضم عينيك»

يتناص مع جملة شعرية شهيرة للشاعر الفرنسي (أراغون) في قصيدته «مجنون الزا» وهي «عيناك لشدة عمقهما أضعت فيهما ذاكرتي»

وتحت عنوان «انفتاح العنوان الشعري : من سيمياء العتبة إلى فضاء المتن يشير الناقد نافع حماد محمد إلى أن الشاعر خليل دهوكي يضع عنوانا لإحدى قصائده هو «أمل» وهو عنوان مفرد نكرة ينفتح على الفضاء الشعري والحياتي انفتاحا مطلقا وواسعا، ويحتمل الكثير من الدلالات والقراءات والتفسيرات والتأويلات، ويتكرر العنوان في متن القصيدة.

ولكن بشكل جمعي معرف «إذا ما تذكرت مرة / وأردت أن تجددي الآمال»؛ على النحو الذي يحقق المعادل اللفظي مع العنوان بوصفه مفردا منكرا، ويتيح فرصة أكبر لتقصي أكبر الاحتمالات الدلالية التي تتعاضد بين العنوان وتجلياته في المتن الشعري، على النحو الذي يكشف عن بنية المعنى.

وعن «تجربة القصيدة رؤية تشكيلية ثقافية دراسة بعنوان» القصيدة التشكيلية الديكورية وجدل الرؤيا «للناقد محمد صابر عبيد يتساءل فيها عن الحديث عن «القصيدة التشكيلية» بوصفها مصطلحا جماليا بوسعه معاينة تجربة القصيدة الحديثة في تقاناتها الجديدة * لاسيما أن هذه القصيدة قد اجتهدت عبر العقود الأخيرة من الزمن في إثبات حداثتها بوسائل وطرق وسبل لا حصر لها.

وعملت على الإفادة من كل ما هو متاح وممكن أمامها للاتجاه نحو آفاق جديدة لإثراء وتعميق وتخصيب تجربتها عبر التداخل والأخذ من الفنون المجاورة وتطوير إمكاناتها الإبداعية والتعبيرية باستثمار هذه التقانات الوافدة يتناول الناقد قصيدة «الموت» للشاعر شكري شهباز ويرى أن قصيدته تشتغل على حساسية الفضاء التشكيلي لهذا الأنموذج الشعري، على الرغم من أن عتبة العنوان (الموت) بهذا التعريف الانفرادي التقليدي لا يوحي أبدا بإمكانية اتجاه القصيدة نحو هذا الفضاء الذي تقترحه القراءة، إذ إن فكرة الموت تكاد تكون مستهلكة على صعيد تناولها الشعري، وتتجه إلى الموضوع عادة أكثر من الاتجاه إلى الاشتغال على الحساسية التشكيلية برؤيتها التقانية الصرفة.

الكتاب دراسة نقدية هامة وجديرة بالقراءة والدرس والتمعن والمتابعة وما يميزها هو اجتماع هذا الكم الهائل من الشعراء والنقاد في علاقة تفاعية خصبة ومنتجة ومبشرة بولادة ورش نقدية عربية تتناول النتاج الشعري لأكثر من قومية ولغة ومنطقة بشكل علمي نقدي موضوعي متمكن.

المؤلف في سطور

محمد صابر عبيد ناقد معروف حاز على دكتوراه الأدب العربي الحديث والنقد عام 1991 جامعة الموصل، أنجز أكثر من خمسين بحثا علميا نشر في المجلات الأكاديمية المحكمة في مختلف الجامعات العراقية والعربية؛ عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق صدر له المتخيل الشعري أساليب التشكيل ودلالات الرؤية في الشعر العراقي الحديث وعدة كتب أخرى، فاز بجوائز عدة منها جائزة الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين في مجال النقد الأدبي عام 2000 عن كتابه «المتخيل الشعري» وجائزة الدولة التقديرية (الإبداع) عام 2002 في مجال النقد الأدبي عن كتاب ( القصيدة العربية الحداثة) وغيرها.

الكتاب: سيمياء الخطاب الشعري من التشكيلإلى التأويل

تأليف : مجموعة من المؤلفين

الناشر: دار مجدلاوي للنشر والتوزيع عمّان 2009

الصفحات : 255 صفحة

القطع : الكبير

حواس محمود

Email