الأعمال الكاملة للروائي شكيب الجابري

الأعمال الكاملة للروائي شكيب الجابري

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعتبر شكيب الجابري رائداً في الفن الروائي السوري، ساهم برواياته في تقدم وتطور هذا الفن على مستوى الوطن العربي، على الصعيد الزمني أصدر روايته الأولى «نهم» في عام 1938. وهو عام مبكر بالنسبة للإنتاج الروائي السوري والعربي على حدٍّ سواء، بخاصة إذا علمنا أن نجيب محفوظ لم ينشر أولى رواياته حتى عام 1945.

فقد قامت وزارة الثقافة (الهيئة العامة للكتاب) في سوريا مؤخراً بإصدار أربع روايات لشكيب الجابري، ضمن مشروعها الذي تبنته في تقديم أعمال الراحلين والمبدعين ويتضمن الكتاب الروايات التالية: نهم، قوس قزح، قدر يلهو، وداعاً يا أفاميا.

ولد شكيب الجابري في حلب 1912، درس العلوم في جنيف وبرلين، وحصل على دكتوراه في الكيمياء والتنقيب عن المعادن، عاد إلى سوريا في عطلة الصيف، فاصطدم بقوى الانتداب التي قامت بسجنه، وفي السجن وضع روايته «في أثر السراب» ولم تطبع حتى اليوم. وفي عام 1938 أصدر روايته «نهم» أولى رواياته المطبوعة ثم بعد شهور صدرت له روايتان: «قدر يلهو» و«قوس قزح». ثم نشر كتابين علميين بالفرنسية الأول بعنوان «تأثير الأوزان في مشتقات البترول» والثاني بعنوان «مبادئ الجيولوجيا».

في عام 1960 صدرت له رواية «وداعاً يا أفامية»، وكان قد عيّن سفيراً لبلاده في البلاط الشاهاني في أفغانستان. وفي عهد الوحدة السورية المصرية حُرم من الحقوق المدنية وتمت مصادرة أمواله ونفي خارج سوريا، فذهب إلى السعودية، ومن هناك إلى بيروت حيث عمل مستشاراً للإعلام السعودي في بيروت وكتب كتابه السياسي «يومان لا يتشابهان»، 23 يوليو و23 أيلول.

في عام 1973، سمح للكاتب بالعودة إلى سوريا، حيث بقي فيها حتى رحيله عام 1996، ودفن في البقيع، اكتفى شكيب الجابري برواياته الأربع، مع أن تجاربه الحياتية والثقافية كانت من الغنى والزخم لكي تمدّه بالموضوعات الجديرة بأن يستمر في الكتابة والإبداع الروائي، لكن الكاتب شغلته أمور أخرى تتعلق بالسياسة، منها مثلاً: مقارعته الانتداب الأجنبي وتعرضه للسجن أكثر من مرة، وللنفي أحياناً وللحرمان من الحقوق المدنية التي لم يسترجعها إلا بعد فترة طويلة. إنّ العلاقة الصدامية بين الشرق والغرب، كانت تشّكل المحور الفكري الأساسي لأعماله.

ولكن بدرجات متفاوتة، ففي عمله الأول «نهم» لا يبدو هذا الهاجس الصدامي مباشراً، بل نلحظه متخفياً وراء نزعات خاصة بالكاتب فالرواية تتحدث عن رجل من أصل شركسي وعن ولعه بإيقاع النساء في حبائله عبر مغامرات كثيرة لم تتوقف حتى حين التحق بالثوار الأسبان ضد الجنرال فرانكو فحين تسأله الفتاة الإسبانية التي وقعت في حبّه، إن كان يحبّ النساء، يجيبها متلعثماً بـ (رباه ? لماذا خلدت في عروقنا هذه الجزوة تلهبها حتى آخر نسمة من نسمات حياتنا؟) إنه حبّ الانتقام من الشرقي أمام الأوروبيات اللواتي يمثلن الغاصب.

غير أن مسألة صدام الشرق بالغرب سوف تعلن عن نفسها بشكل فاضح في الروايات الثلاث الأخرى، والذي أكده شكيب الجابري حين شرحه بشكل واضح بقوله: «أردت أن أكمل نقص مدنيتي الشرقية بمزايا المدنية الغربية فأضعفت المدينتين وجفلت من الحضارتين، وأضعت نفسي»، مما يوحي بأن هذه الإشكالية هي الأساس الفكري للعملين، خاصة أن رواية «قوس قزح» ليست سوى استعادة لرواية «قدر يلهو»، ولكن من خلال رؤية الطرف الثاني للدراما التي وقعت للطالب السوري «علاء» في كلية الطب مع الفتاة الألمانية «إيلزا». كما أنّ الطابع الرومانسي الطاغي على العلاقة العاطفية لم يمنع المؤلف من أن يدفع به باتجاه فكره يعبر عن العزة القومية وعن صدمة الحداثة ثم أخيراً عن خيبة آمال المناضل الوطني، ويمكن القول: إن العمل في الروايتين يبقى وطنياً ? قومياً، بامتياز.

في روايته الأخيرة «وداعاً يا أفاميا» تبدو مشكلة صدمة الحداثة بالغرب محلولة لصالح الشرق العربي الإسلامي، حين يعتدي المهندس الأجنبي العامل في بعثة الكشف عن آثار «أفاميا» على «نجود» الفتاة البدوية الحسناء التي ينتهي بها المطاف بعد هروبها الصعب عبر مستنقعات سهل الغاب إلى كوخ مهندس التعدين ـ السوري، في غابة «الفرنلق» الذي اكتشف مواهبها واعتدادها بشرفها فحماها وصقل مواهبها بالرعاية النزيهة والتعليم والتربية إلى أن اقتنع بأنها أفضل امرأة تحمل اسمه فتزوجها.

إن البطل الأصلي للروايات الأرّبع هو شكيب الجابري نفسه، فالسيرة الذاتية للكاتب تتقاطع كثيراً مع الأحداث التي مرّت على أبطال رواياته. وعلى الصعيد الفني نلاحظ جرأة شكيب الجابري الواضحة في تحديث الشكل الفني، فالرواية الأولى «نهم» لم يكتبها بطريقة السرد الحكائي التقليدي كحبكة متسلسلة زمنياً، بل عمد إلى أسلوب الرسائل والمذكرات الشخصية المتفرقة والفصول السردية المعروضة بأسلوب «الفلاش باك» وكلها أساليب لم تكن متداولة حتى ذلك الوقت في الإنتاج الروائي العربي، مما يدلّ على أنّ الكاتب كان واسع الاطلاع على الثقافة الغربية وأساليبها المستحدثة في الرواية.

وفي الروايات الثلاث الأخرى لا تغيب هذه الرغبة في تنويع السرد وتطعيمه بالجديد حين يمزج مثلاً أسلوب المذكرات بأسلوب الرسائل في أعماله كلها مع بعض العرض السردي التقليدي، وخاصة في «قوس قزح» ممّا يؤكد أن هاجس الشكل الفني كان يصاحبه دائماً حتى روايته الأخيرة التي بدت أكثر نضجاً وتماسكاً وحيث نجد أن تدخل الكاتب الشخصي في بعض فصولها كان متعمداً كوسيلة من وسائل التحديث في السرد.

الكتاب: الأعمال الروائية الكاملة شكيب الجابري

الناشر: وزارة الثقافة، دمشق 2009

الصفحات: 808 صفحة

القطع: كبير

فيصل خرتش

Email