تحطيم المرايا

تحطيم المرايا

ت + ت - الحجم الطبيعي

يقرأ عبد الحسين شعبان، في كتابه الحواري «تحطيم المرايا ـ في الماركسية والاختلاف»، قضايا ذات عناوين رئيسية تخص متغيرات الماركسية ونقدها إلى جانب قضايا الحوار والاختلاف.

وينطلق من تجربته السياسية في الحزب الشيوعي العراقي، كي يعرض آرائه ومراجعاته في الماركسية، ويبدأ من ماركسية القرن الحادي والعشرين، وماركس وأزمة الماركسية، ومتحفية الماركسية، والنقد الماركسي للماركسية وطوباويات ماركس والدولة، وحزب شيوعي من طراز عتيق، وماركس وألتوسير، والماركسية والأممية الرابعة.

والدين وفتوى الحكيم: الشيوعية كفر وإلحاد، والمرأة والجنس والحب، ومفارقات الحب، وفهد والزواج وأمثلة طريفة، وأنغلز والنساء. وينتهي بالتطرق إلى الماركسية وفلسطين، مناقشاً الوعي النقدي الماركسي إزاء الفكرة القومية وفكرة القومي اللاماركسي والماركسي اللاعروبي، والشيوعية العربية الرسمية والموقف اللاماركسي من القضية الفلسطينية والقوموية والماركسيوية.

ويتوقف عند المسألة الكردية وحق تقرير المصير بلا رتوش، والكرد والحركة الشيوعية والعلاقات العربية ـ الكردية، والماركسية والفيدرالية، والفيدرالية والديمقراطية.

وعليه يرى أن الماركسيّة وصلت إلى الشرق معلّبة وألغت الخصوصيّة الفرديّة بذوبان الفرد في الجماعة وفرضت تراتبيّة عموديّة عندما احتكرت الحقيقة وألغت الآخر، فمثلت وجهًا آخر لدولة الدين التي تدّعي العصمة، وكانت الماركسية مشبعة بالاصطفائية واحتكار الحقيقة المطلقة والإدعاء بتفسير كل شيء في العالم، الأمر الذي جعلها إيديولوجيا ميتافيزيقية ولاهوتاً جديداً بوصفه يحمل خلاصاً للبشرية من طريق سيطرة طبقة البروليتاريا المنقذة للمجتمع.

والماركسيّة التي حكمت بوصولها إلى السلطة هي غير ماركسيّة ماركس، وستكون ماركسيّة القرن الحادي والعشرين بعيدة عن ماركسيّة القرن العشرين، وقريبة من ماركسيّة القرن التاسع عشر في ظل الثورة العلميّة التقنيّة والتطوّر التكنولوجي للإعلام والاتصالات.

وتتجسد معضلات الماركسية نصاً وممارسة من خلال الموقف من الديمقراطية والدولة والحزب، حتى نظرت الماركسية إلى الديمقراطية بوصفها حيلة بورجوازية تستخدمها الطبقات الحاكمة لخداع الشعب وضمان السيطرة عليه، واستبدلتها بمقولة «ديكتاتورية البروليتاريا» المعبرة عن الديمقراطية الشعبية الحقيقية، وهي مقولة مسؤولة إلى حد كبير عن الديكتاتورية التي اتسمت بها جميع الأنظمة الشيوعية والاشتراكية.

ويميز عبد الحسين شعبان ما بين عدة أصناف من الماركسيين في أيامنا هذه، معتبراً أن هناك «الماركسيين الطقوسيين» الذين لا يفقهون شيئا في الماركسية، وتنحصر مهمتهم في المشاركة في الاحتفالات وإحياء بعض المناسبات. وهناك «الماركسيون المدرسيون» الذين يحفظون عن ظهر قلب بعض عناوين حول الاشتراكية، مستقاة من المدرسة السوفييتية ويرددونها ببغائياً. وهناك «الماركسيون المسلكيون» وهم جزء لا يتجزأ من الآلة الحزبية والمنفذين لسياستها من دون أي نقاش.

كما أن هناك «الماركسيون الذرائعيون» أصحاب الدوغما والجمود العقائدي، الذين يبررون كل خطوة يتخذها الحزب، ويرون أن النظرية الماركسية لا تخطئ حتى ولو تناقض النص مع الواقع في النظرية.

و«الماركسيون العولميون» الذين روّجوا في السنوات الأخيرة للمشروع الأميركي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وانتظروا منه الخلاص من الديكتاتوريات العربية، وهلل أغلبهم للاحتلال الأميركي للعراق. أما «الماركسيون النقديون المجتهدون»، ويعتبر شعبان نفسه منهم، فهم ما يزالون قلة في العالم العربي، ويعيشون على الهامش.

ويرى أنه يتناقض مع الماركسيّة بمعناها الإرثيّ، وفي هذا النطاق يدعو ماركسيّ العراق إلى ماركسيّة جديدة تلبّي متطلّبات القرن الحادي والعشرين، خصوصاً وأن ماركس نفسه قال «كلّ ما أعرفه إنني لست ماركسيًّا.

وبخصوص القضية الفلسطينية، يحمّل عبد الحسين شعبان الماركسيّة جزءاً من المسؤوليّة فيها، ويذكر تحديداً تأييد الستالينيّة قرار تقسيم فلسطين.

أما مسألة فهم القضية الفلسطينية، فيتساءل عن إمكانية معاينة الأدلة والقرائن الجرمية الجنائية على جثة مشوهة وغير واضحة المعالم، إذ لا يكفي الموقف السياسي بوصفه دليلاً على فهمنا للقضية الفلسطينية.

وفي هذا المجال يفيد ما تحقق في مؤتمر ديربن ضد العنصرية والتمييز العنصري والعداء للأجانب عام 2001، فقد كان ذلك الانتصار بخطاب عميق لكنه مبسط، يقوم على دمغ الممارسات الإسرائيلية بالعنصرية، الأمر الذي أحرج منظمات دولية كبرى لم تستطع أن تتخذ موقفا مناوئا لنحو 3000 منظمة وقفت إلى جانب إدانة ممارسات إسرائيل لحقوق العرب الفلسطينيين.

المؤلف في سطور

الدكتور عبد الحسين شعبان باحث وأكاديمي العراقي، واختصاصي في القانون الدولي، وخبير في ميدان حقوق الإنسان. ترأس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في لندن لمدة أربع سنوات، وساهم في تأسيس اللجنة العربية لدعم الأمم المتحدة رقم 3379 (اللجنة العربية المناهضة للصهيونية والعنصرية)، وشغل منصب أمينها العام من 1986 إلى 1989.

ويعمل حالياً مستشاراً قانونياً. صدر له العديد من الكتب منها: «الصهيونية المعاصرة والقانون الدولي» و«قرطاجة يجب أن تدمر» و«أميركا والإسلام» و«الانتفاضة الفلسطينية وحقوق الإنسان»، و«المحاكمة» و«بانوراما حرب الخليج» و«السيادة ومبدأ التدخل الإنساني» و«المدينة المفتوحة» و«الإسلام وحقوق الإنسان» .

و«مدخل إلى القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان» و«الإسلام والإرهاب الدولي» و«فقه التسامح في الفكر العربي الإسلامي» و«جذور التيار الديمقراطي في العراق» و«نوافذ وألغام ـ المجتمع المدني الوجه الآخر للسياسة، وصدر له كذلك عدة مؤلفات أدبية، منها «بعيداً عن أعين الرقيب»، و«أبو كاطع على ضفاف السخرية الحزينة».

الكتاب: تحطيم المرايا ـ في الماركسية والاختلاف

تأليف: د. عبد الحسين شعبان

حوار: خضير ميري

الناشر: الدار العربية للعلوم ومنشورات الاختلاف بيروت ـ الجزائر 2009

الصفحات: 246 صفحة

القطع: الكبير

عمر كوش

Email