موت المؤلف

موت المؤلف

ت + ت - الحجم الطبيعي

يذهب سامي الجمعان الكاتب والناقد المسرحي السعودي في بياناته هذه إلى الدفاع عن المسرح السعودي الذي تعرَّض لظلم كبير فيقول: لم يتأتَّ للتجربة المسرحية السعودية ما تأتى لنظيراتها من التجارب، سواء في دول مجلس التعاون الخليجي أو في الدول العربية.فثمَّة قصور واجهته هذه التجربة على مستوى توافر الظروف الاجتماعية الملائمة والمناخ المسرحي المأمول، ومع هذا فمن المتوجب علينا عدم استلاب هذه التجربة حقها التاريخي المشروع، وإن نهضت بمحاولات متقطِّعة وفردية وقاصرة بعض الشيء،عن تحقيق مجمل الاشتراطات التي يتطلبها فن المسرح.

إذ من المؤكَّد أنَّ المجتمع في السعودية فيه تيار يرفض بشدَّةٍ المسرح، بل ويرفض كلَّ أشكال الفنون، فضلاً عن حساسيته الشديدة تجاه لفظة(فن) على وجه التحديد.

وهو ما كان قد قضى على بدايات المسرح السعودي الأولى حين شمَّر(أحمد السباعي) عن ساعديه ليؤسِّس لتجربة مسرحية سعودية لم يُكتب لها النجاح ؟ وافقَ له الملك سعود بن عبد العزيز على إنشاء «دار قريش للتمثيل القصصي» في عام 1381 هجري- 1961 م وكانت تتسع ل 1000 ألف متفرج- على الرغم من البواعث الإيجابية التي دفعته لهذا كونه عاشقا للأدب، ولرغبته في تنوير المجتمع باعتبار المسرح أداة هامة للنقد الاجتماعي.

فأعدَّ عدَّته لتقديم مسرحية(فتح مكة) ووجَّه الدعوات لحضورها فإذا بالمتشدِّدين دينياً يقفون ضدَّ فكرة إنشاء المسرح، بحجة أنَّ مسرحه الذي سيقدِّم اليوم مسرحية(فتح مكة) قد يتحوَّل غداً إلى ملهى يقدِّم رقصات يختلط فيه النساء مع الرجال، فردَّ عليهم أحمد السباعي بأنَّ مسرحه خُصِّص لتقديم الأعمال التاريخية الإسلامية، ومثله يترفَّع عن تحويل المسرح إلى ملهى، كما أنَّ العنصر النسائي لن يكون له وجود. فقاوموه وسعوا إلى إغلاق المسرح، وصدرت تعليمات رسمية في اليوم التالي بإيقاف التدريبات والعرض حتى عشَّش العنكبوت في كواليسه وديكوراته ولسنوات طويلة.

إذا كان هذا الموقف المألوف من المجتمع المحافظ، ومن المتشددين دينياً يعود بنا إلى ما واجهه مارون النقاش والقباني، فمن الأجدى أن لا نذهب بعيداً وأن نبقى هنا في المجتمع السعودي لنؤكِّد على عمق الجرح وقوَّة المأساة، فعلى الرغم من التحولات الاجتماعية الكبيرة، والمتغيرات التي تعبرها المملكة العربية السعودية الآن.

فإنَّه لا نزال نتعرَّض للكثير من العقبات الاجتماعية كالعادات والتقاليد التي لا ترى للمسرح أيَّ حقٍ في التواجد أو الحياة، إذ تؤكِّد هذه الأحداث المؤسفة التي جرت في كلية «اليمامة» بالرياض يوم 27/11/ 2006 أثناء عرض مسرحي أقامته الكلية تحت عنوان(وسطي بلا وسطية) ؛ أنَّ جماعةً قامت بمباغتة الممثلين بعد دقائق من بدء العرض وبطريقةٍ شرسة ومنظَّمة نفَّذها عدد من المتشددين، بصعودهم إلى منصة المسرح وبأيديهم العصيَّ بغية إيقاف العرض، وإفساد المشروع، وتأديب الممثلين على خطيئة التمثيل التي يرتكبوها.

مع ذلك ورغم هذا يرى سامي الجمعان أنَّه يجب الاعتراف أيضاً بالخطى الإيجابية التي تسعى إلى دعم المسرح، إذ تمَّ مؤخَّراً إشهار (جمعية المسرحيين السعوديين) لترعى شؤون المسرح السعودي، وهي خطوة جيدة في طريق الارتقاء بفنون المسرح، وإن كانت تأخَّرت في قدومها كثيراً عن ركب تنظيمات دول الخليج العربي الرسمية للمسرح.

ثمَّ يعرض الجمعان لإغفال ذكر المسرح السعودي في المؤلَّفات المسرحية العربية ومنها كتاب د- على الراعي «المسرح في الوطن العربي»، ولأسئلة مرعبة تصادر المسرح السعودي بل تستهجنه من مثل: هل سمح بالمسرح في السعودية؟

وهل لديكم مسرح في السعودية؟. ثمَّ يتحدث عن قضية «الخصوصية» وما أفرزته من ممارسات وصلت حدَّ القطيعة بين النقاد والمهتمين، وبين المنتج المسرحي السعودي، حتى بلغ الأمر ما بلغ، وتجاوز ما تجاوز؛ فأعلن الكثير من النقاد العرب في أكثر من محفل مسرحي القطيعة الرسمية بينهم وبين مسرح السعودية، بإبدائهم الرغبة الشخصية بعدم حضور العرض المسرحي السعودي بحجة أنَّه مسرح (أعرج) .

كما يروق لهم أن يلقبوه، أعرج لافتقاده الأنثى، وبالتالي فإنَّهم يرون في استجابتهم لهذا المسرح الأعرج تكريساً لسلب المرأة أحد حقوقها، وتعطيل لمواهبها الفنية. ثمَّ يأخذ سامي الجمعان على بعض النقاد العرب وهو يتحدث عن سلبيات الخصوصية مواقفهم المقولبة، إذ يبدِّلون في كتاباتهم عنوان العرض المسرحي السعودي بعنوان العرض الجديد فيما يقدمونه من قراءات أو أوراق نقدية أو مقاربات، لذا فهو يطلب من الناقد العربي أن يرى التجارب المسرحية السعودية بمعزل تام عن الأحكام المسبقة والقوالب الجاهزة.

وأن يتعاطى مباشرة مع ما يشاهده على الخشبة أو يقرأه في النص، ثمَّ يشير إلى رأي د- نادر القنة بأنَّ الخصوصية هذه لم تعد إعاقة لمسيرة المسرح السعودي، بل يمكن أن تصير محفِّزاً لانطلاقته وتطويره- ويؤكِّد أنَّ المسرحيين في السعودية يعملون جاهدين لتطوير أدواتهم المسرحية، ولهم طموح كبير في تحريك واقع المسرح في بلدهم. ثمَّ يناشد المسرحيين العرب أن يراجعوا مواقفهم من المسرح السعودي وأن يفتحوا على قمقم الخصوصية شرفةً ينبعث منها الهواء، ويتسرَّب إليه منها شيئاً من أمل الاعتراف بهذا المسرح.

الكتاب: موت المؤلف/ نص وبيانات مسرحية

المؤلف : سامي الجمعان

الناشر: طبعة خاصة السعودية 2009

الصفحات: 141 صفحة

القطع: المتوسط

أنور محمد

Email