حياة

تاريخ النظارات في ثقافات الشعوب

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

ترتبط صورة النظارات في أذهاننا بالمخبرين السريين الذين احتشدت بهم سينما الخمسينات والستينات ؛ أولئك الذين يجلسون في المقاهي يتصفحون الجرائد واضعين على عيونهم نظارات سوداء سميكة، لكنهم يرصدون «أعداءهم» بعيون متخفية خلف زجاج نظاراتهم.

هذه الصورة المتكررة في الأفلام القديمة تقريباً هي ما يقفز إلى الذاكرة عندما نتوجه لفحص ثقافات الشعوب عبر النظارات الشمسية التي باتت إحدى ضروريات الجماليات الشخصية للنساء والرجال معاً، وعلامة أناقة مكمّلة للشخصية الفردية تكشف نزوع الفرد، رجلاً كان أم امرأة، إلى ما هو جمالي يندمج مع بقية المكونات الشخصية، خاصة المرأة التي تتجمل عادة بكل ما هو جديد في الصناعات الإكسسوارية.

وارد بدر السالم: لكل شيء في الحياة حكاية وبداية ومصادفة يبدأ من الخيال وينتهي بالواقع كحقيقة جميلة نتلمسها ونعيشها ونتقبلها في نهاية الأمر، والنظارات الشمسية التي ترسخت في أذهاننا الطفولية بخصوصية المخبريين السريين، عكست بعد شيوعها نمطاً ثقافياً شعبياً بين العامة من الناس هو النمط الجمالي الذي يمكن أن نراه في وقوفنا عند تاريخ ابتكار النظارات الشمسية التي يمكن أن نسميها ( عينان على عينين) كفكرة كانت لها أكثر من قصة في نجاحاتها المبتكرة ومصادفات تطويرها على أيدي رجال حكمت عليهم المصادفة مرة وحكمت عليهم نباهاتهم مرات عدة.

عينان على عينين!

هذه هي الفكرة الخارجية لوضع النظارة على عينين وحجبهما أمام الآخرين، وما كان وراء هذه الفكرة سوى الحاجة الماسة لها قبل أن تكون ديكوراً للوجه وأكسسواراً جمالياً ؛ فبالمصادفة كان العالم الإيطالي الفيزيائي «سالفينو دويلي أرماتي» قد ألحق الأذى بعينيه في إحدى تجاربه الفيزيائية على انعكاس وانكسار الضوء، لكن المصادفة قادته إلى تصحيح بصره باستخدام قطعتي زجاج مقوستين فوجد أنه يرى بشكل جيد.

ومن هنا بدأ اكتشاف النظارة وكان ذلك عام 1280 هذه المصادفة كانت مصادفة غريبة في حدوثها لدى سالفينو، وقتها كان العلم يتدرج في المعرفة الأولى ولم تكن أدواته كافية لإحداث أعجوبة ابتكار جديدة، لكنها كانت البذرة الأولى في إشعال جذوة البحث في استكناه ما أحدثته قطعتا الزجاج المحدبتين ؛ وفي إطار التحقق من أسبقية ابتكار النظارات الشمسية، ثمة مَن يُرجع هذا الابتكار إلى عالم البصريات العربي الحسن بن الهيثم ولكن ليس هناك دليل على هذا، مع أن ابن الهيثم كان عالماً فذاً في زمانه ؛ وثمة من يرى أن تاريخ النظارات يعود لعصور الصين وروما القديمة.

فالإمبراطور الروماني (نيرو) كان يشهد حفلات المصارعة من خلال نظارات لامعة ومصقولة، لا بمعنى النظارات التي نستعملها اليوم لكن من خلال غطاء زجاجي يقيه لمعان الشمس ؛ وقيل أيضاً أن الصينيين استعمل النظارات الشمسية في القرن الثاني عشر وكانت مصنوعة من عدسات من الكوارتز المدخن، كما أن القضاة الصينيين استعملوا النظارات ليخفوا تعابير وجوههم عند التحقيق مع الشهود !

ولأن الحياة تتقدم في عصورها المتعاقبة فقد جاء العام 1352 بمصادفة أخرى عندما شوهدت لوحة رسمها «توماسو دا مودينا» لشخص يرتدي نظارات شمسية وكانت هذه أول لوحة «تُبتكر» فيها نظارات دون قصد أكيد، ويبدو لنا أن هذا الرسام امتزج في داخله خيال جامح لإخفاء معالم شخصية الرجل الذي يرسمه فعمد إلى الخداع والتمويه بأن وضع على عينيه شيئاً يخفيهما لسبب لا ندريه! ومن المؤكد أنها كانت مثار دهشة الناس في ذلك الوقت فالقناع وإن وُجد في الرسم لكنه لم يكن على شاكلة النظارات التي رسمها توماسو.

غير أن الأعوام التي تتقادم تصمت عادة لفترات طويلة قبل أن ينبلج حلمٌ ما لتحقيق ابتكار جديد، ففي عام 1746 ابتكر صانع نظارات فرنسي الإطار الذي يستند إلى الأذنين والأنف ويثبت عدستي النظارة في مكانهما أمام العين، فلاقت الفكرة استحسان الجميع وانتشرت على هذا النحو ولا تزال كما هي حتى أيامنا هذه، وهذا يشي إلى حد كبير بشيوع النظارات في ذلك الزمن البعيد حتى لو كانت على فئات محدودة من الناس.

أما في ايطاليا فقد صنعت النظارات عام 1430، لكن الانجليز تأخروا بصناعتها حتى عام 1629، وفي منتصف القرن الثامن عشر صنع «جيمس» عدسات بألوان خضراء وزرقاء ليقفز بهذا العالم قفزة لونية جديدة لم تخطر على بال احد، ومع هذا التطور تم صنع العدسات اللاصقة في بدايات عام 1887 على يد الألماني «أدولف فيك» والعدسات الأولى كانت مصنوعة من الزجاج لكن تم لاحقاً صنعها من بلاستيك وظهرت العدسات الطرية التي نعرفها اليوم منذ أوائل السبعينيات .

وهكذا كان العلم يتقدم بالإنسان وصولاً إلى القرن العشرين حيث استخدمت النظارات الشمسية لحماية العينين من أشعة الشمس، وتسجل التواريخ أن «سام فوستر» بدأ عام 1929 ببيع النظارات الشمسية في مدينة نيوجيرسي، ثم اخترع السير ادوارد فلتر بولارويد 1936 وكان يُستخدم في صنع النظارات الشمسية، وهكذا استمرت الرحلة لتطوير هذه الصناعات فأصبحت النظارات الشمسية تتبع السائد من الموضات بماركات شهيرة ربما نلمسها على عيون نجمات ونجوم السينما، وشاع استخدامها لأغراض شتى.

فقد استعملها الطيارون والغواصون والقضاة والأطباء وعامة الناس وتنوعت أشكالها وأغراضها، وربما وجدت فيها النساء إكسسواراً تكميلياً لمعالم الزينة الشخصية لاسيما مع تنوع عدساتها الملونة التي لاشك أنها تضفي جماليات رائعة على الوجوه الجميلة، وبشيوع النظارات الطبية لضعيفي البصر اكتملت حلقة النظارات من كل الجوانب وما من شك أن ابتكار النظارات الطبية كان له الأثر في تنويع مصادر الصناعات حيث تحولت من صناعة جمالية إلى صناعية تدخل فيها مفاهيم الطب والعيون.

نساء النظارات

النساء أكثر هوساً بالموديلات من الرجال، وحينما دخلت النظارات عالم النساء تعددت موديلاتها وأشكالها وصناعاتها وألوانها وأحجامها، فالمرأة بطبيعتها ميالة إلى الجمال والى «التخفي» أحياناً عبر نظاراتها السوداء لإسباغ شيء من الغموض على شخصيتها ولا يفترق الرجل عنها بهذه الصفة.

فالكثيرون والكثيرات ميالون إلى أخفاء معالمهم عبر النظارات، ومن هنا نستشف شيئاً من النوع الثقافي السائد في المجتمعات كلها، وهو نوع لا يمكن الأخذ به كثيراً عبر هذه الثقافة الإكسسوارية مع إنه يعين إلى حد ما على توثيق جوانب اجتماعية مختلفة من حياة الشعوب عبر هذه الجمالية المصنّعة التي حظيت بنصيب وافر من الاهتمام من الجميع.

أما رجال النظارات فهم أيضاً يكتنفهم الهوس في اقتناء النظارات والتفنن في استخدامها للتباهي في أحيان كثيرة ولإضفاء مسحة جمالية في الوجه بشكل خاص، وفي الحالات كلها فإن النظارة متعة نفسية كما يحسها الكثيرون إلى جانب المتع الإكسسوارية الأخرى كالأقراط والساعات والقلائد، بما تعكسه من جماليات آنية كما يعتقد مهووسو النظارات.

نصائح طبية

ينصح خبراء النظارات الشمسية قبل الشراء أن نقوم بالخطوات التالية: امسك النظارة على أبعد مستوى تسمح به يداك الممدودة وقم بإمالتها قليلاً، ثم ركز على جسم بعيد وحرك النظارة لأعلى وأسفل للتعرف على ما إذا كانت هناك أي تشوهات، خاصة عند أطراف العدسة. إذا كانت العدسات ذات مستوى رفيع من الجودة، فلن يكون هناك أي تشوه.

لا تخلط بين درجة الظل التي تتميز بها العدسة وقدرتها على حماية العين من الأشعة فوق البنفسجية، ذلك أن النظارات الشمسية الداكنة ربما تسمح للأشعة فوق البنفسجية بالوصول إلى العين وقد تسبب أضراراً تفوق الأخرى المترتبة على عدم ارتداء أي نظارات على الإطلاق، لأنها تتسبب في تمدد بؤبؤ العين، ما يسمح لقدر أكبر من الأشعة فوق البنفسجية بالدخول إلى العين.

عند شراء نظارات شمسية لاستخدامها أثناء القيادة، تأكد من أن تصنيف مستوى النقاء ينتمي للفئة من صفر إلى 3، ذلك أن العدسات التي تحمل الفئة 4 تتسم بلون داكن للغاية يشكل خطراً أثناء القيادة. ولا بد من الامتناع عن ارتداء النظارات الشمسية أثناء القيادة ليلاً أو في مستوى إضاءة سيئ.

لا تتخل عن النظارات الشمسية في الشتاء، فمن الممكن أن توجد الأشعة فوق البنفسجية الصادرة عن الشمس بمستويات مرتفعة طوال العام بما يستلزم توفير الحماية للعين، ومن الممكن كذلك أن تصبح الأشعة أكثر وضوحاً عندما تكون الشمس أقل سطوعاً.

ما تجدر الإشارة إليه، أن عرض النظارات الشمسية في موسم خاص بالخريف والشتاء ليس خطأ، فكلنا يعرف مخاطر أشعة الشمس فوق البنفسجية في كل الفصول، بما فيها فصل الشتاء، لاسيما بالنسبة لعشاق التزلج أو الذين يسكنون أو يقضون إجازاتهم في أعالي الجبال، وتأثيراتها السلبية على العيون والمنطقة المحيطة بها.

Email