مناضل في ثوب شاعر برهان الدين العبوشي .. رائد فلسطيني لم يأخذ حقه

مناضل في ثوب شاعر برهان الدين العبوشي .. رائد فلسطيني لم يأخذ حقه

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

برهان الدين العبوشى حلقة من حلقات جيله في عقد المناضلين الأدباء الفلسطينيين، منهم: «محمود عباسي وتوفيق فياض ونجوى قعوار، ومن ثم غسان كنفاني وجمال بنورة وزكي درويش وعبد اللطيف عقل، هارون هاشم رشيد وغيرهم».

ترى هل نتحدث عن المناضل «برهان الدين العبوشى» أم عن الشاعر الذي أسهم في إثراء أدب المقاومة في المكتبة العربية، والأدب الفلسطيني؟ يصعب الفصل، حتى تبدو رحلة حياته مفعمة بالشعر المعبأ بالمقاومة.. والمقاومة المعبأة بروح الشاعر، حتى أن ابنه «سماك» يذكر عن والده، رغبته في أن يدفن في «جنين» وحيث يتوقع لقاء «صلاح الدين الأيوبي»، فقد قال له «ياسر عرفات» حين قلده وسام التكريم:

«أنت أستاذنا في الوطنية والجهاد... ومنك نتعلم»

*الراصد لأعماله الشعرية، حصرا وتحليلا، لن يخيب رأيه إن قال أن «برهان الدين العبوشى»، عاش حياته مناضلا بالشعر، وشاعرا بالنضال. نظرة سريعة إلى سيرته الإبداعية، تشي بالكثير حول ملامح هذا المناضل الشاعر.

ففي أشعاره، بداية من عناوين الدواوين وحتى عناوين القصائد، وفي متن القصائد.. نرى المناضل في ثوب الشاعر.. حيث مسحة الحزن، حزن استشراف الكارثة (قبل أن تقع) إنها نبؤة الشاعر إذن. كما في ديوان «جبل النار».

تحت العنوان سجل الشاعر كلمة «ديوان القومية العربية ومصائبها وكفاحها».. ولعله أوجز فأوضح، وكانت مجمل قصائد الديوان حول الهموم القومية والمشكلة الفلسطينية، وان ضم بعض القصائد الغنائية، كما في تلك التي كتبها بمناسبة ميلاد مولوده الأول «سماك».

أولى القصائد «أمة الحرب» يقول:

«أمة الحرب تستعيد علاها... بالمواضى تسترد بناها

حطمت قوة الخلود عليها... عاديات الزمان يوم دهاها

تبذل الروح للفداء وتبنى... من قلوب الشباب مجدا وجاها»

فيما يعدد الشاعر تذكرة القارئ العربي بتلك الأماكن التاريخية، والتي قد تستنفر الذاكرة العربية بالماضي العتيد.. مثل «مرج ابن عامر» التي قال فيها:

«باعت مجدك العرب... واستأسد الغرب والشرقي يحترب»

ولا تخلو بعض عناوين القصائد من الدلالة الكاشفة مثل «الوطن المبيع»، «انجدوا الجزائر»، «يا أخي اللاجئ»، و«معركة جنين» وغيرها.

وفى مسرحيته الشعرية «شبح الأندلس»، تخليدا لمعركة جنين الكبرى في البقاء على أرض الوطن منذ صدور قرار التقسيم الجائر في 29/نوفمبر/1947 موضوعاً لها. ولما قدَّم لها، حلل الأمورَ بمعطياتها، فتبدت له سحب المأساة، ومن خلفها شبح الأندلس، وتسرَّب الشاعر إحساس بأن ما أصاب الأندلس قد يصيب فلسطين.

وتقوم المسرحية، على امتداد صفحاتها الخمس والسبعين، وفصولها الثلاثة، ومشاهدها الأثني عشر، في الأساس، على شخصيتين: شخصية الشاعر يَمثُل أمامها شبح الأندلس، وشخصية «محمود» يَمثُل أمامها سراب الأمل، نتيجة نظرتها السطحية للأمور، وتقوم بدور محفِّز الشاعر على تقديم رسالته تارةً، وبدور التأكيد على مضمون تلك الرسالة تارةً أخري.. يقول الشاعر:

«أسمِعْتَ همس الناس في «أيار»/ حسبوه شهرَ مكارم وفَخارِ؟

هذه المعارك عند «سلمة» أضْرَمَتْ/ وشبابُها وثبوا لغسل العار

وشباب «يافا» قارعوا العادي فما/ لانت قناتهم إلى الفجَّارِ

و«بدير ياسين» مذابح قد جرى/ فيها دمُ الشهداءِ كالأنهارِ

وأُسُود «حيفا» ثابِتون تواثبوا/ يتهافَتون لعِزَّة وفَخَارِ

ويرد محمود:

أتباعُ؟ كيف تُباعُ تلك جيُوشُنا/ خفَّت لنُصرتنا على الأشرارِ

الشاعر:

لكن عَصا موسى تُضَلِّلُ سيرها/ وتُعيقُها عن نُصرةِ الأحرارِ

لو فَكَّ من يدِها الأسارُ وقادَها/ أشبالُها لَعَلَتْ على الجبَّار

وكتب الشاعر مسرحية «وطن الشهيد» التي سجل فيها إجلاله للشهيد، وكل من أعطى قطرة دم للوطن.. وان لم يترك الشعر يتركه بعيدا، فناقش وشرح وأوضح كيف كانت الدسائس والمؤامرات على بلده.. وكيف كانت مظاهر التقصير أمام حيلة شراء بعض الأراضي العربية.

تبدأ المسرحية بالشريف حسين وأولاده، وثورتهم على الأتراك رغبة في الحرية، وتحالفهم مع العرب على أساس المحافظة على القدس، ومشاركتهم في المعركة إلى جانب الحلفاء بناء على ذلك. وفي الفصل الثاني يبرز تخطيط اليهود للسيطرة على فلسطين من خلال اجتماع قادتهم، وحصولهم على الوعد وجمعهم المال إعدادا للمعركة وشراء للأراضي، كما يصور الشاعر دور الفتيات اليهوديات، ويبرز الشاعر كضمير حي في المنظر الأخير لينقذ الراعي من السقوط في المؤامرة.

ويبرز الكاتب نجاح اليهود في شراء بعض الأراضي، وكيف ساعدهم «سرسق» وغيره من السماسرة مثل «سقيم»، ويبرز أثر بيع الأراضي على «منكود» وخطر البيع الذي أوشك أن يهدد «خليل» لولا إنقاذ الشباب له، كما يشير إلى طرق التلاعب والتزوير في الاستيلاء على الأراضي التي لا يخضع أصحابها للترغيب أو الترهيب، من خلال قضية حليمة وتزوير شخصيتها للتوقيع على صك البيع.

ويمتلئ رجال الثورة حماسا، فيقررون مهاجمة اليهود والإنجليز، ويقوم الثوار بعملية أسر لمجموعة من اليهود كرهائن، لكن الإنجليز يحاصرون الموقع، ويفشلون العملية، ويبرز الكاتب في المنظر الثالث جهود العرب وفي المنظر الأخير جهود المفتي أمين الحسيني وعزم الرجال على المواصلة والاستمرار في الجهاد.

أما المناضل برهان الدين العبوشى، فلا ذكر للمرحلة التاريخية خلال العقود السابقة لنكبة 1948م، إلا ويذكر للشاعر/ المناضل أعماله التي رصدتها مذكرات الشاعر، وبعض الكتابات التاريخية للقضية الفلسطينية خلال تلك الفترة. هل نسرد هذا الموقف الوطني؟ حتما برهان الدين العبوشى نموذجا عمليا للشاعر المقاوم.. علما وعملا، ونقولها شعرا وعملا! وبنظرة سريعة إلى سيرته الذاتية، نتعرف على مشاركاته الفاعلة في الثورات والمعارك خلال تلك الفترة. ونضيف هذه الواقعة. فقد شارك في معارضة ما تفوه به أحد أعضاء لجنة مفاوضات فلسطينية مع الانجليز. والمادة التالية من موقع الشاعر www.al-abbushi.com

في معتقل صرفند 23 ربيع الثاني 1935 لجانب اللجنة العربية العليا الموقرة. القدس اطلعنا في مجلة «بريطانيا العظمى والشرق» في عددها المؤرخ في 2 تموز 1936 (ص12) على مقالة من قلم تحرير المجلة تحت عنوان «قضية عرب فلسطين» جاء فيها وصف واف للاجتماع الذي عقد في لندن في 23 حزيران الماضي، وحضره رهط من أصدقاء القضية العربية الفلسطينية وتكلم فيه السادة الحسيني والجمل وطنوس.

ونقلت هذه المجلة بعض معان من الخطبة التي خطبها الأستاذ جمال أفندي في هذا الاجتماع، ومما لفت نظرنا من هذه المعاني المستغربة قوله: «وأما الإضراب السلمي في فلسطين فقد كان نتيجته أن تهيج الشعب تهيجا شديدا أدى إلى سفك الدماء سفكا لا مرد له، ولكن مع هذا لا يصح القول إن هذا الصدام هو بين العرب والإنكليز. وأما الذين يسببون الاضطرابات فهم أناس من السذج الجهلة». وهذا أصل العبارة بالإنجليزية:

والملاحظات التي يرى الموقعون من الضرورة بيانها للجنتكم الموقرة في صدد هذه الأقوال المنقولة من خطبة الأستاذ جمال أفندي إذا صح ما نقلته المجلة هي:

أولا: أن هذه الأقوال لا تعبر عن الحقيقة المحسوسة في فلسطين قطعيا. فقد قال جمال أفندي أنه لا يصح القول إن الصدام هو بين العرب والإنكليز... وقد قال جمال أفندي أن الذين يسببون الاضطرابات أناس سذج، جهلة. والحقيقة أن الذي يقوم بهذه الثورة هم عرب فلسطين الأقحاح المجاهدون على اختلاف طبقاتهم وليس بينهم من يستحق أن يقال عنه ساذج أو جاهل، لأن الوطنية الحقيقية لا تعرف السذاجة ولا الجهل.

ثانيا: إن هذه الأقوال في بلاد الإنكليز، فوق كونها مناقضة غريبة، فإنها مزرية بجلال الثورة النبيلة التي يقول السادة الحسيني والجمل وطنوس أنهم ذهبوا إلى لندن من أجلها.

ثالثا: لم يسبق بعد منذ الإضراب حتى اليوم أن قال أحد من الإنجليز واليهود هنا أو في الخارج، إن هذه الثورة ليست ضد الإنجليز وإن الذين يقومون بها هم من النوع الذي وصفه جمال أفندي.

رابعا: نحن نعتقد أن ليس مقصد جمال أفندي من هذه الأقوال سوى اعتقاده أنها أجدى أسلوب في استمالة الرأي العام البريطاني لتصوير الثورة أنها ليست ضد الإنجليز وأن طبقة الشعب العربي الرزينة غير مشتركة بهذا الجهاد.

فهذا الأسلوب في الدعاية خاطئ بنفسه من حيث الوسيلة، وغير مقنع من حيث الغاية نستنكره كل الاستنكار ولا نقره بوجه ولا يصح السكوت عليه. ومما لا شك فيه أن بيان الحقيقة على علاتها واتباع الصراحة يؤثران في الرأي العام البريطاني تأثيرا أفضل وأفعل. لذلك نرجو من اللجنة العربية العليا الموقرة أن تتفضل بالإبراق إلى الأستاذ جمال أفندي بعدم موافقتها ولا موافقة الأمة على هذا الأسلوب في بث الدعاية وإرسال كلمة إلى مجلة بريطانيا العظمى بتصحيح هذه الأقوال وإرسال كلمة أخرى إلى الصحف العربية في فلسطين.

ولأن هذه الأقوال نشرت واطلع عليها الرأي العام البريطاني فنرى لابد من الرجاء بأن تتفضل اللجنة بما تقدم والسلام. (تواقيع) عجاج نويهض، صبحي الخضراء، أكرم زعيتر، خالد الجراح، أحمد جميل الحسيني، حنا خلف، جميل وهبة، قدري طوقان، برهان الدين العبوشي، وغيرهم.

هذه الكلمات ليست بغرض حصر كل ما لبرهان الدين العبوشى من إنجاز أدبي ونضالي.. لكننا نسعى لأن نتوقف أمام ملامح مسيرة هذا المناضل الشاعر/ الشاعر المناضل. ولن نكون مقصرين إن لم نتوقف أمام كون «العبوشى» رائدا للمسرحية الشعرية الفلسطينية، وعضوا فاعلا في تاريخ نضالي طويل.. وهو ما يحتاج إلى مزيد من الدراسات الأكاديمية والأدبية. أما وقد خرجت «الأعمال الكاملة» إلى النور، فلا أقل من الجلوس إليها، وتأمل عقدها، ولعلها دعوة للجميع.. الأكاديميين، الإعلاميين، والنقاد، من أجل التوقف أمام هذا المناضل الرائد في فنون الكلمة الأدبية الفلسطينية. لعله ينال قليلا مما يستحقه، من تقدير وإجلال.. فهو يستحق أن يكون نبراسا للأجيال العربية القادمة.

أوسمة وجوائز

منح برهان الدين العبوشي وسام القدس للآداب والفنون في سنة 1991 من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية حيث قلَّده الوسام الرئيس «ياسر عرفات» بحضور عدد من رجالات الثقافة والأدب العراقيين والفلسطينيين.. كما شارك في العديد من مؤتمرات الأدباء والكتاب العرب في بغداد والقاهرة وغزه، والقي خلالها قصائد شعرية خاصة بتلك المؤتمرات.

أعماله الشعرية والادبية

أصدر الشاعر برهان الدين العبوشي عدداً من الأعمال الأدبية هي:

* «جبل النار» -ديوان شعري -الشركة الإسلامية/بغداد 1956

* «النيازك»- ديوان شعري-مطبعة دار البصري/بغداد1967

* «إلى متى» -ديوان شعري- مطبعة المعارف/بغداد 1972

* «جنود السماء» -ديوان شعري-الكويت -1985)إصدار لجنة إحياء التراث الأدبي الفلسطيني) -«وطن الشهيد» -مسرحية شعرية- المطبعة الاقتصادية/القدس 1947

* شبح الأندلس ?مسرحية شعرية- مطبعة دار الكشاف/بيروت 1949

* «عرب القادسية» -مسرحية شعرية- مطبعة المعارف/بغداد1951

* «الفداء» -مسرحية شعرية -مطبعة البصري/ بغداد 1968

* «من السفح إلى الوادي ألبِّي صوت أجدادي» -مذكرات - مطبعة الأمة/بغداد 1980م.

مسيرة حافلة بالانجازات

ولد برهان الدين العبوشي عام 1911 في مدينة جنين (فلسطين). أنهى دراسته الثانوية في كلية النجاح الوطنية بنابلس ثم انتقل بعدها في عام 1931 ليكمل دراسته في الكلية الوطنية في الشويفات بلبنان، والتحق بالجامعة الأميركية ببيروت في عام 1933م، وبسبب مواقفه الوطنية لم يتمكن من أكمال ومتابعة دراسته.

شارك في ثورة 1936 في فلسطين واعتقل في القدس، وتم نفيه إلى «عوجا الحفير» في سيناء ثم إلى معتقل «صرفند الخراب». ثم في معتقل «المزرعة» لمدة عشرة أشهر بعد مصرع الحاكم البريطاني «أندروس». أنتدب للتعليم في العراق سنة 1939م. شارك في ثورة «رشيد علي الكيلاني» بالعراق سنة 1941م وجرح فيها.

وبعد فشلها وصدور أمر إلقاء القبض عليه توجه إلى الموصل، ومن هناك تم تهريبه إلى دمشق، حيث مكث فيها أياماً، ليعود بعدها إلى مسقط رأسه جنين متخفيا. كما شارك في معركة جنين عام 1948 مع المجاهدين الفلسطينيين جنباً إلى جنب مع الجيش العراقي. ثم انتقل إلى العراق نهائيا سنة 1949 مُدَرِسّاً للغة العربية في مدارسها حيث أحيل إلى التقاعد من الثانوية المركزية عام 1972م.. وحصل على الجنسية العراقية في عام1951م

السيد نجم

Email