نقد الفقهاء لعلم الكلام

نقد الفقهاء لعلم الكلام

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تأتي اهمية كتاب «نقد الفقهاء لعلم الكلام» لمؤلفه أحمد محمد سالم من أنه يناقش موضوعا قديما، لكن آثاره مازالت مستمرة حتى الآن. فالعديد من المشكلات الراهنة هي امتداد لاشكاليات ثقافية قديمة.

فالحديث عن الدولة الدينية والدولة المدنية هو امتداد لحديث الفقهاء والمتكلمين عن الإمامة اوالخلافة. واشكالية علاقة الدين بالعلم هي امتداد لعلاقة العقل بالنقل في تراثنا القديم، ومشكلة الانفتاح على الثقافات الاخرى، وحرية الانسان ومعتقداته......الخ ويجمع المنتقدون على ان علم الكلام أحدث الفرقة والمذهبية بين المسلمين، وساهم في تحويل العقيدة البسيطة الى عقيدة فلسفية مجردة، وبالتالي أدى هذا الى عزل العقيدة عن فاعليتها في المجتمع، والى تجاوز حد العقل. وهذا النقد المعاصر هو صدى لانتقادات قديمة ظهرت في تاريخ الحضارة الاسلامية بعد ان خفت دور المعتزلة منذ سقوط بغداد، بداية التدهور في الثقافة العربية الاسلامية.

ومن جهة ثانية ارتبط ظهور الفرق الكلامية بالصراع السياسي على السلطة، والذي بدأ دمويا منذ مقتل عثمان ثم معركة الجمل، وصفين، وكربلاء، والذي افرز في النهاية تأسيس الدولة الاموية، والتي سحقت كل الفرق المعارضة. ومنذ البداية كانت الاولوية للسياسي على الثقافي والفكري، وظل السياسي هوالمحرك للثقافي. والموقف الكلامي منذ نشأته لم يكن كلاما في اللاهوت فقط بقدر ماكان كلاما في السياسة.

وبالتالي علم الكلام ليس كما هو شائع بانه العلم الذي يقيم الحجة العقلية على صدق العقائد الدينية، لان العديد من الفرق لم تكن تدافع عن العقائد، انما هو العلم الذي قدم قراءات متعددة للعقيدة متوافقة مع المواقف والمصالح السياسية المختلفة. ومن اهم المسائل التي تعرض لها المتكلمون: توحيد الربوبية، وتوحيد الصفات، والقضاء والقدر، وتعريف الايمان.

وحارب الفقهاء الاربعة، الشافعي وابن حنبل والمالكي وابو حنيفة، علم الكلام لانه برأيهم يولد الشك بقدر ما يؤدي الى الاثبات. كما يؤدي الى الفرقة والاختلاف، ويفتح الباب للجدل حول مسائل كثيرة، وهذا يؤدي الى اعادة تأويل الكتاب والسنة. وهذا ما يرفضه الفقهاء بشكل كامل.

فالشافعي اعتبر الخوض في علم الكلام أكبر ذنب يمكن ان يرتكبه المسلم، وانه من اعظم الموبقات، واعتبر ان البعد عن لسان العرب هو احد الاسباب لميل المتكلمين الى لسان ارسطو والثقافة اليونانية. وافتى مالك بن أنس بعدم جواز شهادة المتكلمين. ونهى ابو حنيفة عن الخوض في علم الكلام لانه يؤدي الى التكفير المتبادل، والى حجب العناية الالهية. ورأى ابن حنبل ان علماء الكلام زنادقة.

وحاول الفقهاء الحفاظ على صورة العقيدة وحراستها، كما كانت في مرحلة النبوة والخلافة الراشدة، واعتبار كل من ان يحاول تقديم قراءة مغايرة لهذه الصورة مبتدعا ومن اهل الاهواء وبالتالي يكون كافرا. وترتب على منهج السلف مجموعة من المحددات لايجوز تجاوزها وهي: الايمان بحد العقل، ورفض التأويل، وعدم الخوض في المتشابه والقضاء والقدر.

وحين انتقلت الخلافة لبني العباس، والتي قامت على أكتاف الموالي والفرس والعناصر غير العربية من المعارضين لخلافة بني امية، واصبح للعنصر الفارسي والتركي الحرية في ادارة شؤون الدولة والدواوين، ازدهرت الفرق الكلامية، والنزعات الباطنية، واصحاب الملل الاخرى التي وجدت متنفساً لنشر افكارها وعقائدها.

ووجد بنو العباس انفسهم بحاجة للمتكلمين، والمعتزلة بشكل خاص، من اجل الوقوف بوجه الفقهاء من جهة، وبوجه الملاحدة واصحاب الديانات الاخرى من جهة اخرى. وبالتالي عمل المعتزلة على اعلاء شأن العقل والبرهنة العقلية على صحة العقيدة. وازدهرت الحركة الفكرية في كل المجالات من آداب وعلوم وترجمة وفلسفة. الا أن هذا الازدهار كان يحمل في داخله بذور التحلل والانهيار الذي تم في مطلع القرن الخامس الهجري، حيث اضطر المعتزلة الى الاحتماء بالدولة البويهية.

بالمقابل لم تكن دعوة المعتزلة الى حرية الرأي تعني أنهم أحرار. لانهم مارسوا بواسطة سلطة الخلافة السياسية القمع والاضطهاد ضد كل المعارضين من الفقهاء والعامة. كالتعذيب الذي تعرض له ابن مالك وابن حنبل. وحاولوا فرض افكارهم على الناس بالقوة. واحتقروا عوام المسلمين ووصفوهم بالغوغاء والقطيع.

وينهي أحمد محمد سالم بحثه بالدعوة الى البحث عن الجذور المشتركة بين الطوائف المختلفة، وليس البحث عما يفرقهم. وذلك يتطلب اعادة النظر بروح النقد في الصور السلبية التي تقدمها كل فرقة عن الاخرى.

مروان عبد الرزاقالمؤلف في سطور

د.احمد محمد سالم هو استاذ الفلسفة الاسلامية في جامعة طنطا في مصر. له العديد من المؤلفات الفلسفية التنوير- الاصول الأشعرية في آراء حسين الجسر الكلامية-الجذور العلمانية في الفكر التجديدي عند الشيخ أمين الخولي-المراة في الفكر العربي الحديث. بالاضافة للعديد من الابحاث المنشورة في الدوريات. وكذلك المشاركة في العديد من المؤتمرات الدولية المهتمة في البحث الفلسفي.

الكتاب: نقد الفقهاء لعلم الكلام

تأليف : د.احمد محمد سالم

الناشر: رؤية للتوزيع والنشر ـ القاهرة 2008

الصفحات: 213 صفحة

القطع: المتوسط

Email