السرد الروائي وتجربة المعنى

السرد الروائي وتجربة المعنى

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعتبر الناقد المغربي سعيد بنكراد، مؤلف كتاب «السرد الروائي وتجربة المعنى» أن «المنهج» الواحد والأوحد خرافة، وأن السائد حالياً في الدراسات الأدبية، لا يمكن أن ينتج عنه سوى الأوهام، لأن القراءة تستند إلى فرضية، يبررها وجود نص يبني معاينة، استناداً إلى قوانين لا يمكن الكشف عنها إلا بالارتكاز على تصورات تخص شروط إنتاج المعنى وشروط تداوله، وهي فرضيات لا تشكل «منهجاً» بل يجب النظر إليها بوصفها «ترتيبات تحليلية» قد تفيد من تصورات نظرية متعددة، ذلك أن الناقد لا يبحث في النص عما يعرفه بشكل مسبق، بل يستدرجه التأويل إلى اكتشاف ما لم يتصوره من قبل.

ويحاول المؤلف في كتابه تجاوز السائد في الكتابات النقدية العربية، من خلال النظر إلى النقد باعتباره إنتاجاً لمعرفة وإمساكا بطاقة جمالية، لا توصيفاً خارجياً وحسب. ويلجأ في قراءاته للنصوص الأدبية التي يختارها إلى أساس إبستمولوجي جديد، يعيد من خلاله النظر في الكتابة والرؤية والقراءة والمعنى والدلالات، وفي تعريف النص ذاته. ولا يتعلق الأمر بتصور يوحد بين النصوص، بل بحالة وعي حضاري شاملة، تشكك في اليقين وفي أحادية الرؤية والمعاني الجاهزة.

وينظر إلى العالم الخارجي، بوصفه مجموعة من الموضوعات المتناثرة في فضاءات ممتدة في جميع الاتجاهات، في الأشياء والوقائع والأفعال والممارسات، واستناداً إلى هذا المبدأ، الذي يخص الإدراك وإنتاج المعاني على حد سواء، فإن العالم الطبيعي الخالي من أي استثمار دلالي، لا يمكن أن يتأنسن إلا من خلال تحويل الأشياء إلى علامات. أي حين تتخلص الأشياء من بعدها الوظيفي، لكي تصبح خزاناً لكمية هائلة من المعاني التي تشير، خارج وظيفة التعيين أو ضداً عليها، إلى مواقع متنوعة داخل الامتدادات الرمزية اللامتناهية للكائن البشري في كل ما يحيط به.

يقدم المؤلف قراءات في العديد من النصوص الروائية العربية، حيث يستقرأ الجسد والسرد ومقتضيات المشهد الجنسي في رواية «الضوء الهارب» لمحمد برادة، واستيهامات الأصل وحقيقة النسخة في رواية «المرأة والصبي» للميلودي شغموم، والحكي واللذة المجهضة في رواية «دلعون» لنبيل سليمان، و«الرواية وبنية الحكي الأسطوري في رواية «حكاية وهم« لأحمد المديني، والعوالم العارية في رواية «الخبز الحافي لمحمد شكري، والسرد والتجربة الحسية في رواية «الصحن» لسميحة خريس، والخلق والحلم ومقامات الصوفي في رواية «خفق أجنحة» لمحمد عز الدين التازي، و«الأنا» بين المقموع وسلطة الزمن في رواية «سمر كلمات» لطالب الرفاعي، والذات والجلاد وتفاصيل الزنزانة في رواية «سيرة الرماد» لخديجة المروازي. ثم يقدم السرد الجنسي بواسطة بعض الشهادات المكتوبة، وكيفية انتقالها إلى مستوى التخييل الروائي، ويختم كتابه بموضوع الرواية وقضايا التشخيص السردي في الرواية المغربية.

ويؤكد سعيد بنكراد أن لا وجود لقراءة «عفوية» تستند إلى حدوس لامعرفية لكي تنتج معرفة، فأبسط الأحكام إنما تستند إلى فرضية سابقة انطلاقا منها يمكن قول شيء ما عن الواقعة. وتضع القراءة فرضية يبررها وجود نص يبني معانيه استنادا إلى قوانين لا يمكن الكشف عنها إلا ارتكازا على تصورات تخص شروط إنتاج المعنى وشروط تداوله. والأمر مرتبط بالأسئلة الخاصة التي يطرحها الناقد على النص من أجل إعادة بناء المعنى من خلال الكشف عن سيرورة تشكله وأشكال تجليه.

غير أن التعرف القبلي معناه امتلاك رؤية مسبقة تخضع الأدوات التحليلية لغاياتها بعيدا عن انتمائها لهذا الصنف من النصوص أو ذاك، وهو الأمر الذي يمكن من الفصل بين العناصر التي نحددها ، فهي عصبه وما يكونه، وبين ما يعود إلى الفعل الذي يقرأ ويكشف ويؤول. والمكونات التي تستند إليها النصوص في بنائها وفي انتمائها إلى هذا النوع الأدبي أو ذاك هي مداخل أساسية لولوج عالم الدلالة التي يبنيه نص ما، ولذلك فإن معرفة هذه المكونات أمر بالغ الأهمية، بل لا يمكن فهم النص دون الإلمام بهذه المكونات.

تعميق المعرفة

لا يكتفي النص بالتعبير عن معنى موجود بشكل قبلي، بل يقوم بشيء آخر. إنه يعدل، من خلال أشكال التحقيق، من العلاقات القبلية للمعنى، ليكشف لنا، من خلال مكوناته مرة أخرى، عن علاقات جديدة تعد أغناء للقيم المضمونية. وفي الواقع، يفضي تعميق معرتنا بالسردية في مظاهرها المتعددة إلى تعميق لمعرفتنا بالأشكال الخاصة بالتمفصل الدلالي. ويغدو تحليل نص روائي ليس بحثاً في ذاكرة مغلقة، بل صياغة جديدة لقيم معروفة. ووفق هذا التصور يمكن الحديث عن معنى، أو معاني، الوقائع المدروسة وعن مظانها.

المؤلف في سطور

د. سعيد بنكراد هو أستاذ السيميائيات بكلية الآداب، جامعة مولاي إسماعيل في مكناس بالمغرب، والمدير المسؤول في مجلة «علامات» التي تصدر بمدينة مكناس منذ سنة 1994، وهي مجلة متخصصة في الدراسات السميائية. وأصدر العديد من المؤلفات، منها: «مسالك المعنى، دراسة في بعض أنساق الثقافة العربية، 2006»، و«سميائيات الصورة الإشهارية: الإشهار والتمثلات الثقافية، 2006»، و«السميائيات والتأويل، مدخل إلى سيمائيات شارل سندرس بورس، 2005»، و«السميائيات: مفاهيمها وتطبيقاتها، 2003»، و«سميولوجية الشخصيات الروائية، 2003»، و«السيميائيات السردية، مدخل نظري، 2001»، و«النص السردي: نحو سميائيات للإيديولوجيا، 1996».

وترجم عن الفرنسية العديد من المؤلفات منها: و«سميولوجية الشخصيات الروائية، فيليب هامون، 1990»، «التأويل بين السميائيات والتفكيكية، تأليف أمبيرتو إيكو، 2000»، و«ست نزهات في غابة السرد، تأليف: أمبيرتو إيكو، 2005»، و«حاشية على اسم الوردة، تأليف: أمبيرتو إيكو، 2006»، و«تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي، تأليف: ميشال فوكو 2006»، و«العلامة: تحليل المفهوم وتاريخه»، تأليف: أومبيرتو إيكو، 2007».

عمر كوش

الكتاب: السرد الروائي وتجربة المعنى

تأليف: سعيد بنكراد

الناشر: المركز الثقافي العربي، بيروت الدار البيضاء 2008

الصفحات : 269صفحة

القطع: المتوسط

Email