كل شخصية من رواياتي تحمل بعضاً مني

محمد البساطي: «جوع» صرخة في وجه القهر

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تشكل رواية «جوع» للروائي محمد البساطي جزءا أساسيا من مسار روائي اتكأ في مجمل كتاباته على عالم القرية المصرية، هذا المسار يسعى إلى كشف أوجاع وهموم الإنسان وما يقاسيه من هزائم في ظل واقع مترد، بطل «جوع» أسرة مصرية بائسة تعيش في بلدة صغيرة في الريف. تتألف الرواية من أربعة أفراد و«ضيف» مقيم معهم أبداً، لا يحول ولا يزول هو الجوع.

يقدم البساطي عرضاً للواقع الاجتماعي، الذي تعيش الأسرة في إطاره، حيث يسود التخلف فيها على غير صعيد وبجوارها أسرة ميسورة ويحاول الكاتب أن يقدم مقارنة بين حياة الفقرا؟ والأغنيا؟ من خلال الأسرتين في البلدة. رواية «جوع» التي تم اختيارها إلى الأعمال الروائية الستة المتنافسة على جائزة بوكر تعتبر صرخة مدوية في وجه القهر اللاحق بالإنسان، «مسارات» التقت الروائي محمد البساطي وكان هذا الحوار التالي نصه: ما انطباعك عن دخول روايتك «جوع» ضمن القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية؟ وما رأيك بالجائزة؟

لقد سعدت كثيرا، وأنتهز الفرصة هنا لأوجه الشكر لدار الآداب التي قامت بترشيح الرواية لهذه الجائزة، خاصة وأن الجائزة بعد دورة واحدة أصبح لها صدى كبيرا في العالم، وأعتقد أن ما أكسبها هذا الصدى الكبير هو ارتباطها باسم الجائزة الإنجليزية الشهيرة، وثانيا كونها تسمح لرواية واحدة أن يصبح كاتبها معروفا.

فلو تصاحب أن صاحب هذه الرواية لم يكتب غيرها أو أنها أول عمل له وكانت رواية جيدة وحصل على الجائزة فإنه يصبح في يوم وليلة كاتبا معروفا، وبالتالي هي مفتوح للجميع لصاحب العمل الواحد وصاحب الأعمال المتعددة، شيء آخر يسعد في هذه الجائزة كون العمل الفائز يتم ترجمته إلى لغات عدة ونحن أحوج ما يكون لأن يطلع العالم على إبداعاتنا، لأن قراءة الأدب العربي في الخارج لا تزال محدودة.

هل تتوقع الفوز بالجائزة؟

والله أتمنى الفوز، لكن مسألة التوقع لا أستطيع أن أقرها، وللأسف لم أقرأ الأعمال التي دخلت القائمة القصيرة، إنني أرى عملي من خلال قراءات الآخرين له.

في «جوع» يطال الجوع كل شيء فهل هي تعبير عن الوضع القائم؟

هذا وارد، لا أريد تفسير العمل، ولكن ما أستطيع قوله هو أنني أثناء الكتابة كنت مشغولا بأشياء كثيرة واستفهامات كبيرة، ما يحدث في العالم، ما يحدث في واقعنا.. نحن نعيش حالة انهيار يتجسد فيها الجوع بشدة ورأيت أن أفضل ما يكتب للتعبير عن هذه الحالة، هو الجوع الذي تعيشه أسرة مصرية، وكم البؤس الإنساني الذي يغلف حياتها.

لقد أردت التعبير عن مشاهد مؤلمة في الواقع وصلت إلى حالة لا يمكن السكوت عنها وهي تشغلني منذ فترة طويلة، كأن تضطر أسرة ما إلى البحث عن طعامها في صناديق القمامة، ما يعني أننا على وشك كارثة حقيقية، ويدل على إخفاق مشاريع التنمية الزراعية والصناعية وعلى تراجع المجتمع تراجعا كبيرا في ظل قبضة رجال الأعمال على زمام الأمور في هذا البلد الذي لا يحبه أحد غير أهله المعدمين، لذلك كله وجدت أنه لا يمكن أن أكتب رواية من دون أن يكون عنوانها «الجوع».

من جانب آخر أحب أن أوضح أنه أثناء الكتابة قد تجذب السياق مشاهد لم يكن مخططا لها سلفا وكأن العمل يبني عالمه لوحده. في كل مرة انتهي من كتابة روايتي يجتاحني إحساس بأنها كانت مغامرة تركت نفسي لها أراقبها في فضول وهي تمر وحدها بعكس القصة القصيرة التي تأتي كالوهج الخاطف، وبرغم ذلك أحس من الجملة الأولى أنني أقودها وأسيطر عليها.

ماذا تعني لك القرية بعيدا حتى عن كونها محورا رئيسا لمجمل أعمالك؟

القرية طفولتي وصباي، والطفولة والصبا زمنان يترسخان في العقل والوجدان، حتى عندما نكبر ونشيب يظلان فاعلين، وعندما كتبت لم أغادر القرية في كتاباتي، هي المحيط الذي عرفته وفهمته كلا وجزءا، ولكن ذلك لم يمنع أن أتجرأ وأكتب عالم المدينة.. القرية هي المنطقة والعالم التي تجد لمحاتها حاضرة حتى الآن في حياتي، وتجد علاقة وثيقة بين الريف والأعمال الإبداعية كلّها ما عدا «ليلة أخرى» فهي الرواية التي كتبت عن فترة السبعينيات.

والأحداث التي مرت بها القاهرة، ولأنني أكرهها بشدة، وهي الفترة الساداتية، وهذه القصة الوحيدة التي كان بها نوع من المباشرة، فقد عشت فترة من التخاذل الذي عاناه في النظام المصري أمام العدو، فكانت الرواية هذه التي تحمل صفة المباشرة، حتى إنه في أحيان أذكر بها الأسماء الحقيقية لبعض الشخصيات، وهذه الرواية تحكي قصة امرأة عاشت هذه الفترة، وكانت لها شخصية مهمومة بالوطن ومن خلالها استعرضت الفترة والانفتاح وقبحه فيما عدا ذلك، تجد أنني تناولت المدينة في قصص قصيرة أخرى.

وتناولت تهجير أهالي مدن القناة، فالمنطقة التي عشتها والخاصة بي عبارة عن بحيرة وزراعة، فهناك روايتان عن علاقات المجتمع الريفي وكان من ضمن هذه الأعمال «ويأتي القطار» و«أصوات الليل» والتي بها شيء من السيرة الذاتية الخاصة بي. وهذا نوع من الالتصاق بالقرية، فكل مرة أشرع في الكتابة عن رواية تدور أحداثها في المدينة، أجد أن القرية تجذبني إلى حكاويها التي لا تنتهي، ولكن أن يكون هناك عالم خاص بي، فهو نوع من الطموح إذا استطعت أن أحققه كان بها.

هل هناك شخصية تشبهك في رواياتك؟ وما هي أقرب الروايات إلى نفسك؟

كل شخصية من رواياتي تحمل بعضاً مني غير أن البعض لاحظ شبهاً بيني وبين بطل رواية أوراق العائلة الذي أخذ يفر ويبحث في أوراق العائلة، ويحاول استعادة ما رأى في طفولته وما سمعه من أمه، فالموضوع أن الراوي هنا هو الطفل الذي يحاول أن يفهم وتنتهي الرواية دون أن يفهم، فدائماً الريف قادر على أن يسيطر على المسائل الخاصة بهم، فالرواية تحمل طابع الولد الصغير الذي يقرأ أوراق العائلة و(ينكش) الماضي في البحث عن الحقيقة ولكنه لم يصل، وكذلك رواية (فردوس) التي عشت أحداثها وأنا في العاشرة من عمري، و(أوراق العائلة) بها شخصيات كنت أعرفها جيداً وعايشتها في مرحلة الصبا ولكن هناك الكثير الذي اختلقته.

ومن حيث أقرب الروايات إلى نفسي، هي رواية (ويأتي القطار)، لأن بها جزءاً كبيراً من أحداث حدثت لي، فهذه كانت أقرب الروايات إلى نفسي، فقد كتبت فيها عن أشياء حدثت لي، وأحداث حدثت لأشخاص أعرفهم ولكن أفضل رواياتي لا أعرفه وهذه تختلف فيها حسب تذوق المتلقي. أنت تكتب القصة والرواية ويقارب عدد مجموعاتك القصصية أعمالك الروائية، كيف أمكنك أن تختص فكرة للقصة القصيرة وأخرى للرواية؟

لم أجلس أبدا وفي ذهني تخطيط لرواية طويلة، أرسم شخوصها وخط سيرها وما إلى ذلك، ولكن القصة تنمو من نفسها لتشكل رواية والحقيقة أن هناك فارقين بينهما بالنسبة لي الأول أن القصة القصيرة ترهقني في كتابتها أكثر لأنها تتطلب الاختزال والدقة المتناهية وحساسية لا حد لها، أما الرواية فهي أرحب، والثاني أن القصة على الرغم من مما تسببه لي من إرهاق تهبني توهجا يجعلني سعيدا، القصة تبهجني، والرواية يمكن أن تستفيد من هذا.

البساطي في سطور

محمد البساطي روائي مصري صاحب إحدى الروايات التي دخلت القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية برواية «جوع» وله العديد من الأعمال القصصية أبرزها: الكبار والصغار، حديث من الطابق الثالث، أحلام رجال قصار العمر، هذا ما كان، منحنى النهر، ضوء ضعيف لا يكشف شيئاً، ساعة مغرب، محابيس، الشرطي يلهو قليلاً، وعددا من الروايات: التاجر والنقاش، المقهى الزجاجي، الأيام الصعبة، ويأتي القطار، ليال أخرى،فردوس، أوراق العائلة، الخالدية.

«جوع» المتكررة

يقول محمد البساطي: «كنت حائرا ومترددا في هذا العنوان لأنه مباشر، وأنا لا أحب المباشرة، لقد فكرت طويلا وعميقا، وسيطرت كلمة «الجوع» على تفكيري وعلى الرغم من محاولة إبعادها واستبدالها بكلمة أخرى لم أستطع الفكاك منها، فارتأيت كتابتها غير معرفة كي لا يكون هناك تشابه مع رواية الجوع للكاتب النرويجي هانسون والتي كنت شديد الإعجاب بها، ثم قرأت أن هناك ثلاث روايات تحتمل نفس العنوان، فقلت ما الذي يمنع، ولم يكن هناك عنوان يركب على الرواية غيره

محمد الحمامصي

Email