الوعي المقاصدي

الوعي المقاصدي

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يمثل كتاب «الوعي المقاصدي» حسبما يشير مؤلفه الدكتور مسفر بن علي القحطاني قراءة معاصرة للعمل بمقاصد الشريعة في مناحي الحياة. وقد شرع المؤلف من خلاله في إسقاط بعض المقدمات والفوائد في علم المقاصد على بعض احتياجاتنا المعاصرة خصوصا ذات العلاقة برسم المنهجيات والفكر الإصلاحي والعمل الإسلامي المتنوع، ومن هنا اسماه الوعي المقاصدي لأن الحاجة تكمن في وعي هذه المقاصد قبل العمل بها، وتعود الفكر عليها قبل ممارستها وتنظيم الذهن بآلياتها قبل مواجهة الواقع بردود الفعل أو الخيارات المستعجلة.

يتناول المؤلف أثر الوعي المقاصدي في منهجية الإفتاء المعاصر مستعرضا أهمية الإفتاء ومقامه في الشريعة متطرقا إلى فقه التيسير في الشريعة حيث توجد مدرستان الأولى تنحو إلى المبالغة في التشدد والاحتياط والتعصب للمذهب أو للآراء أو لأفراد العلماء مع التمسك بظاهر النصوص والغلو في سد الذرائع فيما أن المدرسة الثانية تتسم بالمبالغة في التساهل والتيسير والإفراط في العمل بالمصلحة ولو خالفت النصوص، فضلا عن تتبع الرخص والتلفيق بين المذاهب، مع التحايل الفقهي على أوامر الشرع.

ويعرض المؤلف في هذا الخصوص ضوابط التيسير في الإفتاء مشيرا إلى أن العلم والعدالة يعدان من أهم شروط المفتي مع ضرورة الدقة والتثبت من المسألة قبل الإفتاء فيها بالتيسير. كما يناقش القحطاني الوعي المقاصدي بفقه العمران الحضاري الذي يقسمه إلى ثلاث مسائل أولها أولوية الوعي الحضاري. وهنا يوضح أن الوعي الحضاري الشامل لحاجات الإنسان والمجتمع هو رهان المستقبل للأمة مهما بلغت من ذبول ما دامت الأمة تملك نبع الحياة وإكسير النصر.

أما ثاني المسائل حسب المؤلف فهي مدخل إلى فقه العمران ويرى أنه الفقه الجديد الذي يحتاجه المجتمع في حركة نموه واطراد حاجاته مثل دواعي الفقه المصرفي والطبي والسياسي وغيرها معربا عن اعتقاده بأن الحاجة ماسة إلى فقه عمراني يؤصل بواعث العمل نحو التحضر المدني ويرسخ مفاهيمه الإسلامية. أما ثالث الوسائل فهي حتمية العمل بفقه حضاري رشيد مؤكدا الحاجة إلى إعادة عمران مجتمعاتنا وتشكيل الذهن وتعميق التصور وتنمية الفكر نحو الرسالة الحضارية للإسلام بكل شمولها للمجالات العبادية والعمرانية وعمومها للزمان والمكان والأفراد.

ويتناول المؤلف أزمة التطرف الديني التي تعد نتاجا للأزمة الفكرية التي مرت ببعض المجتمعات الإسلامية حيث أنتجت تطرفا وغلوا على الصعيد الديني والسياسي والاجتماعي. ويتناول د. القحطاني قضية مقاصد المقاومة المشروعة في العمل الجهادي المعاصر ومقاصدية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبعض تطبيقاته المعاصرة حيث يدعو إلى التأمل في الفلسفة الجهادية من خلال كل النصوص من غير تجزئ لمفرداتها وأعمال القواعد الكلية والمقاصد المرعية و يشير إلى أن الجهاد يأتي حينئذ كلبنة في مشروع بناء مجتمع أمثل يعمه الأمن والاستقرار ولا يأتي القتال إلا كحالة استثنائية لها شروطها الصارمة وليس بابا نحو الفتن والشرور وانتهاك الحرمات.

ثم ينتقل المؤلف إلى استعراض الوعي المقاصدي وأثره في بنية العقل المسلم من خلال تناول دور المنهج المقاصدي في إحياء العقل وفي ذلك يشير إلى أن مشروع نقد العقل المسلم و قضية التخلف التي أصابته تحتاج إلى مزيد نظر وكشف عن مواضع الصحة والضعف فيه ومحاولة فهم العلل التي أصابت منهج النظر والاستدلال وتحليل الخطاب الإسلامي ومدى مواءمته مع المتغيرات الراهنة من حيث كونه تجسيدا لتنزيل النصوص والقيم الدينية في واقع الحياة ومدى قدرتها في المعالجة والتبيين والإصلاح والتغيير، كما يتطرق المؤلف إلى أثر العقلانية الإسلامية في الفلسفة المعاصرة مع الإشارة إلى أبرز ملامح فلسفة ما بعد الحداثة.

ويتناول مسفر بن علي القحطاني أخيرا إلى مظاهر أزمة الوعي المقاصدي في العمل المجتمعي والتي تمثل بعدا أو تهميشا لمقاصد الشريعة وبالتالي الوقوع في بعض صور التشدد أو التهاون أو حصول مفاسد طغت على منافع الأمر المراد تحصيله وهذه المظاهر كما يذكر كثيرة في مجتمعاتنا ولكنه يقتصر على ما يراه يثير الذهن ويحفز الوعي على القياس المعتدي لمثيلاتها راصدا في هذا الصدد العديد من المظاهر منها وقوع فقه الترفيه بين جموح الواقع وجنوح المخالف.

كما يستعرض المؤلف فقه النهضة كعلاج للغلو الديني، ومقاصدية الانتماء الوطني، ومقاصدية إشاعة الحب والألفة بين المسلمين ومقاصدية الجمال ومقاصدية دور المرأة المسلمة في المجتمع، ومنهجية التغيير الواعي.

التخفيف من الجدل

هنالك الكثير من القضايا والإشكاليات الفقهية التي تطفو على السطح العلمي والفكري بشكل رتيب ومتكرر عند حصول إحدى المناسبات الدينية المعهودة مثل دخول شهر رمضان أو العيد أو بعض المناسبات السنوية التي يحتفل بها العالم الإسلامي وفي كل مناسبة نعود مرة تلو الأخرى إلى اجترار الجدل والخلاف حول صحتها أو منعها، مشروعيتها أو بدعيتها وتزداد التساؤلات حول تلك المسائل وحكمها الشرعي من خلال البرامج الدينية الفضائية داعيا إلى التقليل والتخفيف من هذا الجدل بالاعتناء بتصحيح منهجية التفكير العلمي والتربية الإيمانية على مقاصد التعظيم الغيبي والأدب في التعامل مع المختلفين.

المؤلف في سطور

الدكتور مسفر بن علي القحطاني أستاذ أصول الفقه المشارك بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن حاصل على دكتوراه في أصول الفقه الإسلامي، وهو خبير في مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي بجدة و عضو في مشروع معلمة القواعد الفقهية التابع للمجمع الفقهي بمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة.

كما أنه عضو اللجنة الإشرافية لمجلة «بحوث» التي تصدر من مؤسسة الإسلام اليوم، وعضو في الجمعية الفقهية السعودية. صدر له من قبل عدد من الكتب منها «منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة»، «مناهج الفتيا في القضايا الفقهية المعاصرة» و«فقه الاستطاعة» و « فقه الموازنات ».

ألفت عبد الله

الكتاب: الوعي المقاصدي

تأليف: مسفر بن علي القحطاني

الناشر: الشبكة العربية للابحاث والنشر - بيروت 2008

الصفحات: 194 صفحة

القطع: الكبير

Email