كتب

الغجر.. ذاكرة الأسفار وسيرة العذاب

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعترف الكاتب جمال حيدر في كتابه المعنون «الغجر ذاكرة الأسفار وسيرة العذاب» بصعوبة الجزم المطلق في معرفة هوية وأصول «الغجر»، حيث تعددت النظريات التي بُنيت وفق ما يرى على معتقدات دينية في الأغلب وعلى أساطير من جانب آخر، إلا أنه يصل بالمحصلة إلى النظرية الأقرب إلى المنطق العلمي والتحليل الجيني الحديث.

ويروي بالتفصيل بعضاً من تلك النظريات التي تناولت أصول الغجر، حيث تعود أقدم النظريات إلى كونهم من نسل «قابيل» الذي قتل أخاه هابيل، واللعنة التي حلّت عليه وفق تفسير توراتي يعود إلى «سفر التكوين» من العهد القديم.

والنظرية الأخرى التي تعيد أصل الغجر ـ وأيضاً وفق منظور ديني بحت ـ تلك التي تقول انهم يعودون إلى أصول مصرية وأنهم من بقايا الجيش الفرعوني الذي لاحق النبي موسى، وتتوافق نظرية أخرى تبحث في أصول الغجر ـ من ناحية العقيدة الدينية التوراتية ـ مع هذه النظرية، حيث تعيد نسبهم إلى «البابليين» الذين اضطروا إلى الرحيل عن بابل بعد دمارها على يد «كورش» الفارسي.

واصل الغجر رحلتهم فوصلوا في القرن التاسع الميلادي إلى حدود «بيزنطة» قطعوا بعدها آلاف الأميال ليصلوا إلى شواطئ بحر «إيجة» بين اليونان وتركيا، وبعد أن كانوا يسيرون على هيئة تجمعات بشرية متواصلة وكبيرة، تفرقوا عند بوابة أوروبا إلى عدة موجات.

اتجه بعضها إلى جنوب اليونان «شبه جزيرة بولوبونيز» التي أطلق عليها لفترة «مصر الصغرى» لاعتقاد سكان تلك المناطق أن الغجر قدموا من مصر، واضطهدتهم الفئات الحاكمة التي حكمت سواحل أوروبا الجنوبية، فاتجهوا صوب أواسط آسيا ومصر وسوريا، بينما اتجه قسم منهم إلى مصر وفلسطين.

بينما وصل قسم آخر من الغجر إلى أسبانيا وهم جماعة «خيتانو»، أما الجماعة الرئيسية التي استقرت في تركيا؛ فقد عبرت مضيق البوسفور وانتشرت في عموم اليونان وشبه جزيرة البلقان مطلع القرن الخامس عشر، ليواصلوا رحلتهم إلى أواسط أوروبا، ولعل إنجلترا واسكتلندا تعتبران المدى الجغرافي الأبعد الذي وصلت إليه تلك الموجة من الغجر، بينما وصل الغجر الذين اتجهوا نحو روسيا وأرمينيا إلى الدول الإسكندنافية.

يتحدث الكاتب عن الغجر في الدول العربية ففي العراق يطلق عليهم «كاولي» التي أعادها بعض المؤرخين إلى «كابل» أو «كابلي» عاصمة أفغانستان لظن الناس هناك أن أصولهم تعود إلى تلك المنطقة.

ويعود تاريخ وجودهم إلى ما قبل الميلاد بعد رحلتهم الأولى عن موطنهم الأصلي «شمال الهند»، أما الموجة الثانية فاتجهت مع المقاتلين العرب القادمين من السند، وفي عهد المأمون بدأ الغجر بسلب البضائع والقوافل المارة بين بغداد والبصرة، فوجه إليهم الخليفة قواته، فقتل خلق كثير منهم، بينما تم سبي الباقين والقدوم بهم إلى بغداد،.

وفي العصر الحديث تعتبر تجمعاتهم في منطقة «المعامل» في البصرة والتي تسمى «حي الطرب» ومنطقة «الكمالية» في بغداد من أكبر تجمعات الغجر في العراق، كما ينتشر الغجر في الموصل والقادسية وغيرها من مدن العراق، ويعرف عنهم الغناء والرقص وأنواع الفنون الطربية الأخرى.

في مصر يعود تاريخ الغجر، كما يروي المؤرخ «سفاتيك» إلى قرون عديدة بعد قدومهم من القسطنطينية، وينقسم الغجر هناك إلى عدة أقسام: الغجر، النور، الحلب، وتنظر كل فئة منهم باحتقار إلى الفئة الأخرى لأسباب شرحها الكاتب، وارتبطوا كذلك في الموسيقى والغناء، فكانت منهم «العوالم ـ جمع عالمة وهي الراقصة» و«الغوازي» وهي تحمل الدلالة ذاتها.

وينتشر الغجر في عدة مدن مصرية أغلبها في الصعيد المصري، أما في سوريا فيشكل الغجر مجموعة بشرية متجانسة، يتوزعون في المحافظات الداخلية السورية والحدود اللبنانية ـ السورية.

ويسمون بالقرباط والنور، فيما يطلق عليهم في الساحل السوري «المطاربة»، ومن المدن التي ينتشرون فيها: دير الزور، حمص، حماة، وحلب، ويتكلمون إضافة للعربية «لغة العصفورة» الخاصة بهم، وفي لبنان يتوزع الغجر حول حزام المدن ولهم تسميات شبيهة بتسميات غجر سوريا.

وتعود أصول شريحة واسعة منهم إلى غجر فلسطين الذين نزحوا عام 1948م، وفي الجزيرة والخليج تشير الدراسات إلى وفودهم قبل ما يزيد على الألف عام مضت ويلقبون بلقب «الزط»، ويفصل المؤلف لتواجدهم في السودان وفلسطين ودول شمال إفريقيا.

تحدث المؤلف عن المأساة والمعاناة التي لاقاها الغجر في أوروبا وأنحاء العالم الأخرى، فيبدأ بإيران التي يسمى فيها الغجري «كولي» التي تعني حرفياً المتعاملين مع المعادن.

حيث ان حرفة الغجري الأصلية هي الحدادة، ولكنها تطلق عليهم للتنقيص والإساءة إليهم، كما يطلق عليهم تسمية «لوري» نسبة إلى القبيلة التي انحدروا منها، وهم يعانون الأمرين من مختلف الحكومات الملكية والجمهورية التي حكمت إيران.

وفي صربيا والجبل الأسود تشير المصادر إلى وصولهم إليها عام 1348م، وقد لاقوا التشريد والقتل في معظم الأحيان، ومنها انطلقوا إلى هنغاريا عام 1383م حيث قدموا الطاعة والولاء للملك وظلوا بعيداً عن المشكلات إلى أن جاءت حكومات متعاقبة مارست ضدهم كل أنواع الاضطهاد الذي وصل إلى الإبادة في بعض الأحيان.

ومع مجيء الثورة الاشتراكية تحسنت بعض الشيء أوضاع الغجر، وكان ذلك هو الحال في بلغاريا ورومانيا وبولندا ويوغسلافيا وغيرها من دول أوروبا الشرقية، أما أكبر مأساة تعرض لها الغجر في التاريخ فتلك التي حدثت إبان الحكم النازي في ألمانيا 1937ـ 1945م، حيث اعتقل الآلاف منهم ليحرقوا في غرف الغاز في معسكرات الاعتقال في: موتسن، فلوسنبرغ، نادس ويلر وغيرها.

وتشير الإحصائيات النازية الرسمية، إلا أنه في الفترة بين 37 ـ 1938م تم اعتقال 300 غجري يومياً في معسكرات الاعتقال لم ينج منها الكثير، ويقدم الكاتب في هذا الفصل عدة وثائق نازية أصلية تم الحصول عليها بعد سقوط الحكم النازي وفيها أوامر بتجميع الغجر في تلك المعتقلات ليجري قتلهم لاحقاً.

الكتاب: الغجر.. ذاكرة الأسفار وسيرة العذاب

تأليف: جمال حيدر

الناشر: المركز الثقافي العربي الرباط 2008

الصفحات : 208صفحة

القطع: المتوسط

محمد الأنصاري

Email