الحقيقة حول ليو شتراوس

الحقيقة حول ليو شتراوس

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

«ليو شتراوس» هو فيلسوف ألماني الأصل هاجر إلى الولايات المتحدة الأميركية حيث قدّم العديد من الأعمال وأصبح لديه الكثير من المريدين في الأوساط الأكاديمية، مع ذلك لم ينل أية شهرة كبيرة لدى الرأي العام العريض.

لكنه عاد إلى الواجهة من جديد بعد حوالي 30 سنة من وفاته على أساس أن المحافظين الأميركيين الجدد ممثلة بالإدارة الحالية، إدارة جورج دبليو بوش، قد استلهموا منه توجهاتهم على صعيد السياسة الخارجية. يؤكد المؤلفان أن «طيف شتراوس» لا يزال «يحوم» في الأجواء الفكرية والسياسية الأميركية بعد ثلاثة عقود من رحيله، لقد غدا الفيلسوف والمفكر الأكثر شهرة بعد وفاته بينما لم يلق أي اهتمام من بعض وسائل الإعلام المختصّة في أميركا أثناء حياته. هكذا تتم الإشارة مثلا إلى أن أعماله لم تجد من يكتب عنها في ملحق «نيويورك تايمز للكتب» أو في «مجلة نيويورك للكتب». ويشرح المؤلفان في الفصل الأول من الكتاب الذي يحمل عنوان «العودة إلى القدماء» أن شتراوس أولى أهمية خاصة للفلاسفة الذين سبقوه منذ اليونان القديمة مثل أفلاطون وكزينوفون ووصولا إلى فلاسفة العصر الحديث وفي مقدمتهم هوبس وهايدغر ومرورا بالفلاسفة العرب خلال العصور الوسطى مثل الفارابي والفلاسفة اليهود الذين كان على رأسهم ابن ميمون ميمونيد ، كما اهتم ليو شتراوس خاصة بأعمال الفيلسوف المسيحي مارسيل دو بادو من العصر الوسيط أيضا.

إن مثل هذا الاهتمام لدى شتراوس بالفلاسفة ذوي الانتماء الديني يعود، كما يرى المؤلفان،على قناعته بوجود تأثير كبير تاريخيا للأفكار العقائدية على التوجه السياسي. لكن المؤلفان يؤكدان في الوقت نفسه أن «ليو شتراوس» لم يلق نجاحا جماهيريا كبيرا بسبب كون أن دراساته كلها تقريبا مكرّسة لدراسة أعمال وأفكار تاريخ أعلام الفلاسفة وبالتالي لم يتحدث سوى نادرا باسمه الشخصي حيال المسائل المتعلقة بالحياة السياسية. وكذلك كانت المواضيع التي يتطرق لها بعيدة عن القضايا الملموسة للسياسة.

وينقل المؤلفان في هذا السياق عن المفكر الأميركي جيمس اتلاس قوله: إن عمل شتراوس يبدو بعيدا عن حرارة السياسة المعاصرة. وقد كان يجد نفسه أكثر في عالم أفلاطون وأرسطو أكثر مما هو في النقاشات الدائرة حول أصول التوتاليتارية .

إن مثل هذه الآراء يجد المؤلفان منها الكثير وهي تصبّ في إطار القول ان شتراوس لم يهتم بالسياسة الراهنة أو بالعلاقات الدولية، وإنما كان مأخوذا بـ «تفسير» النصوص الكلاسيكية اليونانية والإسلامية واليهودية والمسيحية.

المؤلفان يفتحان قوسين في مثل هذا السياق ويؤكدان أن أعمال شتراوس لم تثر اهتماما مباشرا في إطار النقاشات السياسية الدائرة في حقبته، ولكنه أصبح فيما بعد أحد المرجعيات الأساسية في هذه النقاشات نفسها. وهذا ما يتم شرحه في الفصول الخاصة بدراسة علاقة ستروس بالحداثة وبما بعد الحداثة.

ويشيران إلى شواهد كثيرة تثبت ذلك، وليس أقلّها صراحة ما كتبته مجلة «التايم» في عام 1996، عندما اعتبرت أن شتراوس أحد أولئك الأكثر تأثيرا في السياسة الأميركية . هذا مع الإشارة إلى أن تأثيره بدأ بالظهور في عهد إدارة رينالد ريغان وبرز أكثر في ظل إدارة جورج دبليو بوش الأولى وبتحديد أكثر فيما يخص النهج الأميركي في مجال السياسة الخارجية لاسيما فيما يتعلق بشن الحرب على العراق في ربيع عام 2003.

وتدل الشواهد العديدة التي يقدمها المؤلفان من أكبر وسائل الإعلام الأميركية مثل النيويورك تايمز وول ستريت جورنال والنيويورك واتلانتيك مونتلي، أن «ليو شتراوس» كان ذا تأثير كبير على إدارة جورج دبليو بوش ووصولا إلى القول ان إدارة بوش كانت على صعيد السياسة الخارجية صنيعة ليو ستروس . وهذا ما أكّدته أيضاً وسائل إعلام خارجية من بينها «الايكونومست» البريطانية و«لوموند» الفرنسية.

وفي المحصلة يتم التأكيد على أن أفكار ليو ستروس كان لها تأثيرات مباشرة على أشخاص عديدين كان لهم دورهم، بطريقة ما، في صنع الأحداث. وذلك منذ الفترة التي كانوا فيها طلبة على مقاعد الجامعات ثم أصبحوا سياسيين ينضوون تحت راية «المحافظين الجدد». وهؤلاء دخلوا فيما بعد بأعداد كبيرة في وسائل الإعلام «النافذة» وفي مختلف الإدارات الحكومية حيث ساهموا أنفسهم في صياغة الخط السياسي أو مارسوا الضغط على أولئك الذين يصيغونها.

وبهذا المعنى يرى المؤلفان أن «ليو شتراوس» كان ذا أهمية كبيرة، بعد عقود من وفاته، في قصة شن الحرب الأخيرة على العراق. وهذا ما يتم شرحه بإسهاب في فصل يحمل عنوان «شتراوس: معلّم أو شيطان؟. » هذا مع التأكيد بنفس الوقت أنه لم يكتب مباشرة في السياسة ولم تكن العلاقات الدولية أحد مواطن اهتمامه.

بوصلة فكرية

كتاب يؤكد مؤلفاه على مدى صفحاته التي تزيد على 300 صفحة أن «ليو شتراوس» الذي لم يكن حاضرا بقوة في الشأن السياسي الأميركي أثناء حياته غدت أفكاره بمثابة بوصلة لتوجيه السياسية الخارجية الأميركية بعد عقود من رحيله. وإن هذا «لميكيافيلي» الجديد كان في خلفية شن الحرب على العراق.

المؤلفان في سطور

كاترين ومايكل زوكرت، أستاذان جامعيان اختصاصيان بميدان العلوم السياسية، قدّمت كاترين زوكرت كتابين حول فترة «ما بعد الحداثة» وقدّم مايكل زوكرت ثلاثة كتب من بينها: الحقوق الطبيعية والنزعة الجمهورية الجديدة .

الكتاب: الحقيقة حول ليو ستروس، الفلسفة السياسية والديمقراطية الأميركية

تأليف: كاترين ومايكل زوكرت

الناشر: جامعة شيكاغو 2007

الصفحات: 303 صفحات

القطع : المتوسط

The truth about Leo Strauss، political philosophy and american democracy

Catherine and Michael Zuckert

University of Chicago Press 2007

P.303

Email