مسرح العامري.. نحت في الفراغ الأسود

مسرح العامري.. نحت في الفراغ الأسود

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

في تلك العتمة تصبح تلك التسريبات مشرط الجراح المستغرق في عملية تجميل دقيقة، ينحت العامري صور الأشياء فوق الخشبة، بهذه اللعبة الخبيثة والمخادعة دائما للبصر، فحينما تبدأ الصورة تكويناتها من خلال حركة الأجساد حيث سيكون هناك متسع كبير للتأمل، لأن مساحات من السواد ستترك بصماتها هناك لتكمل بقية الفراغات المقترحة بعناية ولأجل غاية ما..

بهذا المنطق البصري ينسج العامري مشاهده على نول هذه اللعبة، إلا أنها تنكشف وتتعرى بجرأة كبيرة في مسرحيته التي قدمها مؤخرا «اللوال» ، هذا العرض الذي يتأسس على نص هو عبارة عن أقصوصة نثرية عالية البلاغة، هنا حيث يكشف العامري عن لغته البصرية وأسرارها ليعلن انه ذهب وبصراحة إلى مسرح الصورة وشيء من المسرح الاحتفالي، وبعض من بهارات مسرح آرتو المؤسس على القسوة.. يؤسس عرض «اللوال» خطابه «الفرجوي» والأدبي من انطلاقة الوهم موضوعة النص وورطته، هذا الوهم الذي سيؤمن به رجال القرية المفترضين عن طيب خاطر وبعضهم نتيجة إرغام ، ليذهب الجميع إلى ساحة الضياع والتيه حيث تتضح خاتمتهم جميعا.. من صاحب الحلم؟ هذا السؤال الجريء قدمه نص الكاتب إسماعيل عبدالله، إنسان متسلط لا يعير بالا إن افتداه العالم وراح ضحية لأهوائه الشيطانية، نص يطرح ضغط المتسلطين على رؤوس البسطاء حينما تمتلك هذه السلطة سر الألاعيب الخادعة وتؤسس سلطتها على وحش الوهم المخيف..

تتدحرج أحداث نص «اللوال» بحلم والي القرية بعد مرض أسقطه لعدة أشهر جيفة على السرير بأنه قاد سفينة إلى عمق البحر حيث ينتظره كنز كبير، وبهذه الخرافة يقود الأهالي إلى رحلة الموت..كأي متسلط يستلذ بالقبض على رقاب الضعفاء ليهبوه قوتهم .. وقوتهم.

في نص ملحمي كهذا تعامل العامري مع فضاءات صورة الساحرة من خلال التلاعب بحركة أجساد الجميع واعتماد توزيعات قصدية على خشبة المسرح حينما أسس أمكنة القرية بممرات ضوئية قادمة من المجهول ، هي عبارة عن منافذ تنفذ منها الشخصيات المأزومة..وجوقة ستردد دائما أهازيجها التي تعكس مرارة الشقاء.. من مسرحيته «حطبة التوب» إلى« مولاي يا مولاي» ومن ثم «اللوال» يواصل العامري النحت في الفضاء الأسود، واللعب على جوقته والاحتفاء بالأهازيج الشعبية وتوظيفها كعنصر أساسي في«فرجته» .

كيف قفز العامري إلى هذا النوع من اللعب المسرحي؟ إن حق لنا التعبير أن نرتكز عليه في توصيف نجاحه ، وظاهرة تجربته التي اخترقت عكسيا ملامح حركة مسرحية بلورت في الآونة أساليب إخراجية اقتربت كثيرا من التشابه.

هل هو يستكمل مشروع دعاة المسرح الاحتفالي في المسرح العربي؟ وهل يؤكد طموحاتهم في ضرورة تأسيس مسرح عربي خالص مستمد من كنوز الموروثات الشعبية العربية؟ أم هو جموح أفكار وشطحات فنتازية لدى مخرج شاب يبحث عن بصمته الخاصة؟ أين يقع المسرح كفن من حياته؟ وكم يمتلك من استعداد على المغامرات الخطرة وتكلف المشقات؟

فالعامري أيضاً لم يسلم من النقد، وأوضح ما وجه إليه، أن أعماله الثلاثة الأخيرة تنسخ فكرة واحدة لم تتعداها، لكن مع هذا كان العامري في مسرحياته الثلاث يخطف إعجاب جمهور احتفالياته ويحقق الجوائز ومنها التميز في الإخراج.

مفترق الطرق

ـ محمد علي جمعة العامري من مواليد الشارقة 1971.

ـ متزوج ويعمل بقناة تلفزيون الشارقة الفضائية.

ـ في العام 1991 كان على حافة مفترق طرق بين ملاعب كرة القدم أو خشبة المسرح وقرر اختيار المسرح.

ـ حصل على عدة منح دراسية في الإخراج المسرحي في العراق والكويت وأميركا لكن ارتباطاته الأسرية وظروف عديدة حالت دون ذلك.

ـ أول عمل مسرحي ظهر فيه ممثلا مسرحية «كوت بومفتاح» مع المخرج عبدالله المناعي في العام 1989.

ـ قدم العامري وشارك في أكثر من 35 عملاً مسرحياً وأكثر من 30 عملا في مجال الدراما التلفزيونية.

ـ كتب للمسرح «الشهادة» و«حطبة التوبة».

ـ اخرج خمسة أعمال مسرحية هي «حطبة التوبه»، «آه قلبي»، «بالأمس كانوا هنا» وعرضت في ارمينيا، «مولاي يا مولاي» ومؤخرا مسرحية «اللوال» التي حاز عنها أول جوائزه في الإخراج المسرحي.

ـ شارك العامري في اغلب المهرجانات المسرحية المحلية والخليجية وكذلك سافر إلى مهرجانات مسرحية دولية وعربية وشكلت له هذه الرحلات مجالات احتكاك واطلاع.

الجوائز

ـ جائزتان في تصميم الديكورات المسرحية في العامين 2005 و2007.

ـ جائزة أفضل مؤثرات صوتية عن مسرحية «مولاي يا مولاي».

ـ جائزة أفضل إخراج مسرحي في العام 2007 عن مسرحية «اللوال».

يؤسس محمد العامري، هذا المخرج المبدع الذي يلاحقه وصف المخرج الشاب وسط مجموعة من المخرجين المسرحيين المعتمرين تاج الخبرة الطويلة ، الذي يقف مسرحه بين تسريبات الضوء المسروقة خفية في سطوة الظلام، حيث تكون بيئة العرض مغموسة هناك بشخوصها وبين مفرداتها المعمارية غير التقليدية..

مرعي الحليان

Email