فهم القرآن الحكيم

فهم القرآن الحكيم

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يشير المؤلف في مشروعه إلى أن اقتناعنا بأن القرآن يخاطب كل زمان ومكان يفرض علينا اكتساب فهم متجدد للقرآن بتجدد الأحوال في كل عصر. وفي شرحه لمنهجه يقرر أنه لن يتعامل مع القرآن كنص على بياض يكتب على هوامشه وحواشيه ما تلهمه به العبارة والمثل والقصة والوعد والوعيد.. الخ.

ويضيف أن طموحه هو توضيح أن فهم القرآن ليس مجرد نظر في نص ملئت هوامشه وحواشيه بما لا يحصى من التفسيرات والتأويلات بل هو أيضاً فصل هذا النص عن تلك الهوامش والحواشي، ليس من أجل الإلقاء بها في سلة المهملات بل من أجل ربطها بزمانها ومكانها كي يتأتى لنا الوصل بيننا نحن في عصرنا وبين النص نفسه كما هو في أصالته الدائمة، أي النص مجردا عن أنواع الفهم له التي دونت في كتب التفسير باختلاف أنواعها واتجاهاتها. ويشير المؤلف إلى أن فهم الكتاب الحكيم كان يعني له ابتداء التأكد من مصداقية أي ترتيب للنزول نأخذ به، وذلك يعني إعادة بناء الترتيب الذي تعطيه اللوائح المروية على أساس الأخذ بالاعتبار المرويات التي تتحدث عن تاريخ نزول هذه السورة أو تلك أو عن مناسبات نزول بعض آياتها سواء وافق ذلك ترتيب اللوائح أو خالفه. هذا فضلا عن أن إعادة النظر في ترتيب النزول يجب أن تنطلق، وفق المؤلف، أولا من الفصل في مسألة المكي والمدني من السور الآيات. وفي تفسيره للقرآن عمد المؤلف إلى توخي أكبر قدر من الوضوح من خلال تنظيم ما تورده التفاسير من نقول ومعلومات واجتهادات متداخلا متراكما في الغالب تنظيما مبنيا على طبيعة الموضوع، وعلى ذلك وزع مادة التفسير في كل سورة إلى ثلاثة أقسام: تقديم وهوامش وتعليق.

أما التقديم فقوامه عرض مختصر صدر به الجابري كل سورة وخصصه لأهم المرويات التي وردت حولها كسورة أو حول بعض آياتها مما يعتبر أسباب النزول أو ما هو مجرد مرويات تعين على الفهم أو على تحديد تاريخ نزول السورة أو ظروف نزولها. مع التخفيف من سلاسل السند إلى أقصى حد في ضوء أن لا فائدة من ذلك لغير المختص فيه.

أما الهوامش أسفل الصفحات فقد أدرج فيها الشروح أو التعليقات التي نحتاج من حين لآخر إلى تسجيلها لكونها تطلع القارئ على رأي خاص بمفسر معين أو على مرويات أو ملاحظات يتعذر إدراجها داخل النص. وقد ختم المؤلف كل سورة بتعليق استعاد فيه أهم القضايا التي تناولها في شكل خلاصة مركزة مع إبداء الرأي في هذه المسألة أو تلك.

وميز المؤلف في تسلسل السور حسب ترتيب النزول بين مراحل راعى فيها التطابق النسبي على الأقل بين مسار التنزيل ومسيرة الدعوة مستنتجا من ذلك أنه مع أن القرآن نزل منجما وخلال أزيد من عشرين سنة فإن تسلسل سوره حسب ترتيب النزول ، يباطنه تسلسل منطقي سرعان ما نكتشفه عندما ننتبه إلى الموضوع الذي تركز عليه هذه المجموعة من السور أو تلك في تسلسلها وبالرجوع إلى وقائع السيرة نكتشف أن ذلك المنطق الذي يباطن تسلسل السور داخل كل مجموعة يتطابق في مضمونه مع تسلسل هذه الوقائع الشيء الذي يمكن تبين منه بوضوح أن مسار التنزيل مساوق فعلا لمسيرة الدعوة.

وعلى ذلك ميز الجابري في مسار التنزيل ومسيرة الدعوة خلال العهد المكي بين ست مراحل:

المرحلة الأولى: في النبوة والربوبية والإلهية

المرحلة الثانية: في البعث والجزاء ومشاهد القيامة

المرحلة الثالثة: في إبطال الشرك وتسفيه عبادة الأصنام

وهذه المراحل الثلاث هي التي تشكل محتوى القسم الأول الذي يضم اثنتين وخمسين سورة ، من سورة العلق » اقرأ باسم ربك« وهى أول سورة نزلت إلى سورة يوسف التي ختم بها المؤلف هذا الجزء. أما السور الأخرى الباقية من القرآن المكي فتضمها المراحل الرابعة والخامسة والسادسة وهى موضوع القسم الثاني من الكتاب والذي ينتظر أن يصدر مع نهاية هذا العام.

أما القرآن المدني فسيستقل به القسم الثالث والذي يعمل المؤلف على إعداده. وفي معرض التقديم العام لتفسيره يشير الجابري إلى أن السور الأولى في لائحة ترتيب النزول تتميز بقصرها وقصر آياتها وأسلوبها الخاص، كما يتوجه الخطاب فيها أساسا إلى النبي عليه الصلاة والسلام ويكاد مضمونها يختص به إما بالحديث إليه أو عنه وإما بالرد على خصومه المكذبين برسالته ومن أبرز ما تتميز به هذه السور بالنسبة لموضوعنا هنا استعمال اسم الرب « اقرأ باسم ربك» العلق 1. « وربك فكبر» المدثر 3. وهنا يشير المؤلف إلى ملاحظة أن اسم الجلالة الله لم يستعمل إلا ابتداء من سورة الإخلاص السورة الثانية والعشرين وما بعد حسب ترتيب النزول المعتمد و19 حسب ترتيب المؤلف.

وفي تناوله لسورة التكوير مثلا يشير المؤلف إلى أنها تتضمن قسمين الأول قسم الظواهر الكارثية التي تدل على قيام الساعة وتسمى أشراط الساعة وجوابه »علمت نفس ما أحضرت « أي أن كل نفس ستحاسب على ما جاءت به في سجل حسناتها وسيئاتها، والمقصود إثبات البعث والحساب. أما القسم الثاني والمقسم به هنا هو النجوم التي

تجري في مداراتها وما ينشأ عن ذلك من تعاقب الليل والنهار وجواب القسم هو أن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس بمجنون وأن القرآن ليس من تأثير الجن بل هو من عند الله ذكر للعالمين بربهم طريق الرشاد والاستقامة. أما في تناوله لسورة مثل سورة الليل فيقول المؤلف: نحن هنا في هذه السورة أمام خطاب واضح مباشر حول البعث والحساب »المعاد« وهى تشبه في تركيبها ونظمها سورة التكوير من حيث أنها تؤسس لخطاب القرآن حول مسألة المعاد وثانيا من حيث أنها تتناول،وهذا لأول مرة، محورا آخر جديدا يتعلق هذه المرة بالمسألة الاجتماعية الإحسان إلى الفقراء.

ويختم المؤلف كتابه بما يصفه بالاستطراد متناولا من خلاله التوحيد والأصنام والتصوير مشيرا إلى أن الدعوة ابتدأت إلى التوحيد من اللحظة الأولى في مسار الدعوة المحمدية لحظة «اقرأ باسم ربك الذي خلق» وسارت في ذلك في ثلاث مراحل حيث عملت على تثبيت النبوة وإقرار البعث ثم إبطال الشرك وتسفيه عبادة الأصنام وهنا فقد تحركت بقولة داخل ذلك الوجود مشيرا إلى المجهود الكبير الذي بذلته الدعوة المحمدية من أجل تغيير الواقع القائم آنذاك.

المؤلف في سطور

ولد في المغرب عام 1936 حصل على دكتوراه الدولة في الفلسفة عام 1970 من كلية الآداب بالرباط، له العديد من الكتب المنشورة منها: »العصبية والدولة»، «معالم نظرية خلدونية في التاريخ العربي الإسلامي»، «مدخل إلى فلسفة العلوم» جزءان. كما أصدر أربعة أجزاء في إطار مشروعه لنقد العقل العربي منها 1 ـ «تكوين العقل العربي»،2 ـ «بنية العقل العربي.. دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة»، 3 ـ «العقل السياسي العربي.. محدداته وتجلياته»، 4 ـ «العقل الأخلاقي العربي» .

يقدم المفكر العربي الكبير الدكتور محمد عابد الجابري في هذا الكتاب القسم الأول من مشروعه كتابة التفسير القرآني: « فهم القرآن الحكيم.. التفسير الواضح حسب ترتيب النزول»، وهو مشروع من ثلاثة أقسام يعكس في مجمله النتيجة العامة والعملية التي خرج بها المؤلف من مصاحبة التفاسير الموجودة وهى أن المكتبة العربية الإسلامية. تفتقر إلى تفسير يستفيد في عملية الفهم من جميع عناصر التفاسير السابقة.

مصطفى عبدالرازق

Email