من المكتبة العالمية

تاريخ الأدب العربي الحديث ) (1945 - 1900

ت + ت - الحجم الطبيعي

المشرفان على هذا العمل الضخم بطرس حلاق وهايدي تويل، هما أستاذان في جامعة باريس الثالثة والمعروفة بتسمية «السوربون الجديدة». وساهم فيه عدد من الباحثين المختصّين بالأدب العربي من عرب وأجانب.

هذا الكتاب هو الجزء الأول من عمل سوف يجري استكماله عن دار النشر نفسها خلال الفترة القادمة. وهو يغطي المرحلة الواقعة بين بداية القرن العشرين وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية (1945).

الميزة الكبيرة، بل الاستثنائية، لهذا العمل هي أنه يسد ثغرة حقيقية، إذ لا يوجد في فرنسا ولا في أوروبا كلها عمل «حديث العهد» من هذا النوع يخص الأدب العربي الحديث ويحلل الآليات الداخلية والسياق العام الذي أنتجه وأعطاه خصوصياته وسماته المتفرّدة.

تتوزع مواد هذا الكتاب بين قسمين رئيسيين و12 فصلا. يحمل القسم الأول عنوان: «عودة النشاط والتجديد»، وتحمل فصوله العناوين التالية: «الحالة العيانية للعالم العربي في نهاية القرن الثامن عشر» و«النهضة العربية في القرن التاسع عشر» و«النهضة بواسطة الأحياء» يليه «النهضة بواسطة الاقتباس» على مدى فصلين، ثم «ما بعد الأحياء والاقتباس» وأخيرا: والمراهنة على اللغة».

أمّا القسم الثاني فيحمل عنوان: «إعادة التأسيس والتطور» وعناوين فصوله هي بالتتالي: تحولات العالم العربي خلال النصف الأول من القرن العشرين ثم إعادة التأسيس الأدبي و تطور الأقصوصة والرواية ثم تطور المسرح خلال فترة ما بين الحربين العالميتين، يلي تطور الشعر والأدب الشعبي والنقد الأدبي العربي الحديث الذي يمثل الفصل الأخير من الكتاب.

ويشرح المشرفان على العمل الضخم آليات التطور والانتشار الكبير اللذين شهدهما الأدب العربي الحديث ونهوضه في اللحظة التي كانت فيها الإمبراطورية العثمانية قد عرفت بدايات مسيرة انحطاطها ثم ازدهاره خلال القرنين التاسع عشر والعشرين.

وكانت الخطوة الأولى في هذا العمل هي العودة إلى تاريخ سابق للفترة المدروسة لإبراز السياق الذي عاشه العالم العربي خلال نهايات القرن الثامن عشر. وهذه عودة مفيدة نظرا للجدل الكبير المثار دائما حول حملة نابليون على مصر (1798-1801) وأيضا نظرا للفكرة السائدة القائلة أن القرن الثامن عشر كان بمثابة «الفترة الأكثر قتامة في تاريخ الأدب العربي» كما جاء في مقدمة الفصل التي كتبها فاروق مردم بك وهيلاري كليباتريك.

ويشير الكاتبان إلى أنه إذا كان الأدب العربي في القرن الثامن عشر يتموضع، بخطوطه العريضة، في خط الاستمرارية الأدبية للحقبة المسماة «كلاسيكية» فإنه استطاع أيضا أن يجيب عن بعض الاهتمامات التي طرحها العصر على صعيدي الشعر والنثر. فـ «الشعر أصبح أبعد من إمكانية اختزاله بشكل كامل إلى مجرد حذلقات لغوية مصطنعة وعفا عليها الزمن. والنثر تخلّص في أغلب الأحيان من السجع».

ومن مظاهر »التطور الحقيقي» لتلك الفترة يتم ذكر واقع «توسيع حلقات الإنتاج الأدبي» بحيث أن «دور المقاهي، كأمكنة للتجمع لم يكن دون شك غريبا عن ذلك التطور». كذلك تتم الإشارة إلى الدور الذي لعبه المسيحيون في الشرق الأوسط في «تمثّل معايير الثقافة الأدبية» وولوج سبل الخوض في أنواع جديدة للتعبير في مجتمعاتهم. في الوقت نفسه انفتحت «المقامة» على شؤون السياسة، وأصبح كتّاب التاريخ لا يهتمون حصرا بأعمال وأفعال الأعيان من رجال السياسة والأديان.

ويحظى القرن التاسع عشر وخاصة في نصفه الثاني أي «عصر التجديد» أو «العصر النهضوي»، حسب التسميات، باهتمام العديد من فصول هذا الكتاب. ويعرّف «ايف غونزاليس-كيجانو» الذي كتب الفصل الخاص بـ «النهضة العربية في القرن التاسع عشر»، هذه النهضة بأنها تعني «الإنتاج الأدبي والثقافي في هذه المنطقة من العالم اعتبارا من القرن التاسع عشر من أجل الدلالة على منعطف كبير شهدته تلك الحقبة».

ويتساءل: «هل هي نهضة أم شفاء»؟ بكل الحالات مثّلت النهضة العربية بالنتيجة بداية عصر جديد بدأ فيه العالم العربي، القريب جغرافيا من أوروبا، نوعا من التواصل و«الحوار» مع مضمون «القيم الكونية» لعصر التنوير، ولكن أيضا، كما يؤكد الكاتب، مع المظاهر الأولى لاقتصاد ذي طبيعة كونية، هو الآخر، أو ما يسمّى في الوقت الراهن بـ «العولمة».

ويتم التعرّض في هذا السياق للدور الذي لعبته طليعة من المفكرين والمثقفين النهضويين آنذاك من أمثال بطرس البستاني والأمير عبد القادر ومحمد عبده ورفاعة رافع الطهطاوي ويعقوب صرّوف وغيرهم. ولا ينسى الكاتب الحديث عن بعض المجلاّت الرائدة التي عرفتها فترة عصر النهضة مثل «المقتطف» و«الهلال» و«المنار».

وكان القرن التاسع عشر، كما تقول التحليلات المقدّمة، قد شهد «إحياء» أنواع قديمة ليس أقلّها شهرة «المقامة» التي أعيد تنشيطها حيث كتب العديدون على شاكلة «بديع الزمان الهمذاني» الذي «اخترعها» قبل عشرة قرون تقريبا.

وشهد القرن التاسع عشر أيضا تيارا جديدا في الشعر عمل روّاده على تجاوز الأشكال القديمة بكلفتها وتصنّعها وعدم اهتمامها بالشأن العام السياسي أو الاجتماعي ليبرز جيل جديد ممن تُطلق عليهم تسمية «الشعراء الكلاسيكيون الجدد الأوائل».

وقد برزت خاصة من هؤلاء أصوات في العراق ومصر من أمثال جميل صدقي الزهاوي ومحمود سامي البارودي وأحمد شوقي صاحب «دم الثوار تعرفه فرنسا/ وتعرف أنه نور وحق» و«للحرية الحمراء باب/ بكل يد مضرّجة يُدق».

ومن أشكال التجديد التي عرفها الأدب العربي في عصر النهضة اهتمامه بأدب الرحلات. وكان عصر النهضة قد عرف أيضا بدايات الاحتكاك مع المسرح الأوروبي حيث كانت «بلاد الشام» هي «الموطن الأول» للمسرح العربي، لكن الفرق المسرحية الحقيقية الأولى شهدتها مصر.

ويتم الحديث في هذا السياق عن الصالات المسرحية الأولى وعن الإخراج الذي مثّل مارون النقاش أحد أهم وجوهه. ومن السمات التي يتم التأكيد عليها في البدايات المسرحية لعصر النهضة محاولة المصالحة بين الفن الأوروبي باعتباره «مرادفا للحداثة» وبين «الذوق» العربي.

أما النصوص المسرحية العربية فإنها تأثرت بالمسرح الأوروبي بفضل بعض المثقفين خلال القرن التاسع عشر. لكن تتم الإشارة في هذا الصدد إلى أن مؤرخي المسرح العربي أهملوا كثيرا تأثير النشاطات الثقافية التي كانت تركيا مسرحا لها وكانت معروفة جيدا في منطقة الشرق الأوسط كلها. كذلك يتم التأكيد على أن عملية «أقلمة» النصوص المسرحية الأوروبية من قبل المسرحيين العرب قد تجاوزت «الاقتباس» وصولا إلى «التعريب» أو «التمصير»، كما فعل عثمان جلال.

أما الرواية العربية فقد عرفت ازدهارا كبيرا خلال العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وذلك بالتزامن والترابط مع ازدهار الصحافة والطباعة. وكانت النصوص الروائية الأولى ذات طابع اجتماعي أو عاطفي أو ذات هدف تعليمي. ويشير كاظم جهاد حسن الذي كتب عن «الرواية الاجتماعية ورواية المغامرات العاطفية» إلى «سليم البستاني» باعتباره المؤلف «الأكثر غزارة» (وتجدر الإشارة هنا إلى أن كاظم جهاد حسن، قدّم مؤخرا كتابا عن «الرواية العربية» باللغة الفرنسية).

كذلك ازدهرت في تلك الفترة الرواية التاريخية التي اتسمت بوجود عقدة بسيطة متمحورة حول توحيد الصوت العربي... وشخصيات روائية نموذجية تتقاسم مع القارئ همومه اليومية. وتؤكّد «آن لور دوبون» التي تعرّضت، مع ريشار جاكومون، للحديث عن التبدلات التي عرفها العالم العربي خلال النصف الأول من القرن العشرين، إن سياقا سياسيا واجتماعيا جديدا قد بدأت ملامحه بالظهور منذ بدايات القرن العشرين. وقد تكوّن آنذاك نوع من «وعي» العالم العربي بوجوده.

ومما أدى «منطقيا» إلى التشكيك بالوصايات الإمبريالية والاستعمارية. وضمن مثل هذا السياق أخذت تبرز مفاهيم الدول والأمم والانتماءات القومية. وقد تزامن ذلك أيضا مع تطور كبير عرفته البنى التحتية الثقافية.

ترجمة مثل ذلك التطور بدت على صعيد النهوض المسرحي الكبير خلال فترة ما بين الحربين العالميتين. وكانت مصر رائدة في هذا الميدان ثم تبعتها بعد ذلك دول عربية أخرى. وانتشر المسرح باللغة العامية الشفهي أكثر من المكتوب إلى جانب وجود نصوص مسرحية مكتوبة باللغة العربية الفصحى.

ونفس الازدهار عرفته الحركة الشعرية مع «الشعر الإحيائي» أو «الكلاسيكي الجديد» الذي من رموزه عبد الرحمن شكري وأحمد الصافي النجفي ومحمد مهدي الجواهري وبدوي الجبل وعمر ابوريشة وغيرهم.

الفصل الأخير من الكتاب مكرّس للنقد العربي الحديث وقد كتبه الكاتب والناقد السوري فيصل درّاج ويبحث فيه طويلا عن العلاقة بين النقد العربي الحديث وما يسمّى بـ «النهضة» أو «التنوير» الذي بدأت أفكاره تتجسد منذ نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.

مع التأكيد على الربط بين النقد الأدبي والتقدم الاجتماعي حيث قدّم رشدي الخالدي، الفلسطيني، كمثال للمثقفين المتنورين. ويكرّس فيصل درّاج عددا من صفحات دراسته للحديث عن النقد الأدبي في بلاد الشام والعراق ولا ينسى أن يختتمها بالتعريج على النقد في بلدان المغرب.

*الكتاب:تاريخ الأدب العربي الحديث 1900-1945

*الناشر: سندباد- اكت سود - باريس 2007

*الصفحات: 784 صفحة من القطع المتوسط

Histoires de la littérature arabe moderne 1900-1945

Sindbad Actes Sud- Paris 2007

P. 784

Email