الفلسفة السياسية لبنيامين فرانكلين

الفلسفة السياسية لبنيامين فرانكلين

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

مؤلفة هذا الكتاب هي الباحثة الأميركية لورين سميث بانغل أستاذة العلوم السياسية في جامعة جون هوبكنز. وكانت قد نشرت سابقا كتابين لفتا الانتباه هما: أرسطو وفلسفة الصداقة (مطبوعات جامعة كامبردج 2003)، ثم تعلّم الحرية. الأفكار التربوية للآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأميركية (1993).

وفي هذا الكتاب الجديد تواصل المؤلفة أبحاثها عن كبار السياسيين والمفكرين الذين أسسوا أميركا قبل مائتي سنة وفي طليعتهم بنيامين فرانكلين. ومعلوم أنه ولد في بوسطن عام 1706 ومات في فيلاديلفيا عام 1790 عن عمر يناهز الرابعة والثمانين.

ولم يكن بنيامين فرانكلين سياسيا فحسب وإنما كان أحد كبار فلاسفة التنوير الأميركان. بل ويمكن أن نقارنه بالموسوعيين الفرنسيين الذين أدخلوا العلم والفلسفة إلى فرنسا في القرن الثامن عشر.

ثم تردف المؤلفة قائلة: وكان بنيامين فرانكلين أول سفير للولايات المتحدة في بلاط فرساي أيام لويس السادس عشر. ويعتبر أحد آباء الثورة الأميركية التي اندلعت عام 1776 أو سبقت الثورة الفرنسية بعشر سنوات على الأقل.

كما أنه أحد أولئك الكبار الذين كتبوا إعلان الاستقلال ووقع عليه بالإضافة إلى جورج واشنطن وتوماس جيفرسون وبعض الآخرين. وبالتالي فقد ساهم في تأسيس الجمهورية الأميركية الوليدة في نهاية القرن الثامن عشر. ولذلك يعتبر أحد الآباء المؤسسين لأميركا. وله مكانة عظيمة هناك.

وبالإضافة إلى نشاطاته الدبلوماسية والسياسية التي أدت إلى تحرير أميركا من الاستعمار الانجليزي فإنه ساهم أيضاً في مجال العلم والفكر والفلسفة. وقد اشتهر بتجاربه في مجال الفيزياء والطاقة الكهربائية حيث استطاع التوصل إلى عدة اختراعات مهمة ومفيدة.

وقد أدت هذه البحوث والاختراعات إلى شيوع شهرته في شتى أنحاء أوروبا. يضاف إلى ذلك أنه كان صديقا لكبار فلاسفة التنوير من انجليز وفرنسيين. ولذلك قال عنه الفيلسوف دافيد هيوم بأنه أول أديب ومفكر كبير أنجبته أميركا.

وقال عنه أيضا: إنه يمثل القيم العلمية والفلسفية العليا لعصر التنوير. ويحق له بالتالي أن يؤسس دولة جديدة في أميركا: أي دولة قائمة على مبادئ العقل الفلسفي ومضادة للكهنوت المسيحي والإقطاع السياسي.

وبالتالي فإن بنيامين فرانكلين جمع المجد من جميع أطرافه، أي مجد العلم، ومجد الفلسفة، ومجد السياسة. وهذا نادرا أن يتوفر في شخص واحد. ويبدو أنه كان أشهر شخصية فكرية وسياسية في عصره. نقول ذلك على الرغم من أنه كان من أصول فقيرة متواضعة في البداية. ولكنه استطاع أن يتجاوزها بعصاميته ومثابرته وفضوله العلمي الكبير.

كان بنيامين فرانكلين مثاليا وبراغماتيا في آن معا. وهاتان هما الصفتان اللتان ينبغي أن يتمتع بهما كل مفكر يريد تغيير الواقع. فلم يكن فقط مفكرا نظريا يتيه في غياهب الميتافيزيقيا كما يفعل بعضهم، ولم يكن رجلا عمليا سياسيا يخبط خبط عشواء كما يفعل الكثير من رجال السياسة الذين لا يتمتعون بأي أفق فكري أو مشروع فلسفي وإنما كان الاثنين معا. من هنا أهميته بالنسبة للتاريخ الأميركي وتأسيس الحياة السياسية الأميركية.

ثم تضيف المؤلفة قائلة بما معناه: في الواقع أن الفكر السياسي بنيامين فرانكلين هو ذاته فكر عصر التنوير. إنه لا يختلف في شيء عن فكر جون لوك وفولتير ومونتسكيو وجان جاك روسو وديدرو. فهو يدعو إلى التسامح الديني، والفصل بين السلطات الثلاث: أي التشريعية، والسياسية، والقضائية. كما ويدعو إلى المساواة الكاملة بين المواطنين أيا يكن عرقهم أو دينهم أو مذهبهم.

بالطبع فإن هذه المساواة لم تكن كاملة فيما يخص السود ولكنها سوف تكتمل لاحقا. فأنت لا تستطيع أن تحقق كل شيء دفعة واحدة وإنما ينبغي أن تنتظر حتى تنضج الظروف لكي تحقق كل إنجاز في وقته. مهما يكن من أمر فإن تأسيس الدولة الأميركية الحديثة.

ثم على يديه ويدي بقية الآباء المؤسسين الكبار كجورج واشنطن وجون ادامز وتوماس جيفرسون وسواهم. ولكنه كان الأب المؤسس الوحيد الذي أتيح له أن يوقع على الوثائق الثلاث التي يعتبرها الأميركان الآن شبه مقدسة: أي إعلان الاستقلال عن انجلترا، ووثيقة السلام، والدستور الأميركي.

والواقع أن بنيامين فرانكلين طبق فلسفة التنوير في السياسة وأسس جمهورية حديثة مضادة للنظام الإقطاعي الأرستقراطي الذي كان سائدا سابقا ليس فقط في أميركا وإنما أيضاً في عموم أوروبا. ففي ظل النظام الجديد لم يعد هناك ابن ست وابن جارية كما كان سائدا سابقا. وإنما أصبح الجميع سواسية أمام القانون والمؤسسات الأميركية لا فرق بين كبير وصغير، أو غني وفقير، أو متدين وغير متدين، أو كاثوليكي وبروتستانتي، الخ.

بل وكان بنيامين فرانكلين في السنوات الأخيرة من عمره من أكبر المعادين لنظام العبودية المطبق على السود في أميركا. وقد دعا إلى إلغائه فورا لأن السود هم بشر مثل البيض. ولكن للأسف فإن دعوته بقيت حبرا على ورق حتى تحققت لاحقا بعد حرب أهلية ضارية.

وترى المؤلفة أن بنيامين فرانكلين كان أول ديمقراطي في الولايات المتحدة. فقد كان يدعو إلى المساواة بين البشر ولكن مع تفضيل الذين يعلمون ويفيدون المجتمع على الكسالى المتقاعسين الذين لا يفيدون أحدا.

وبما أنه ولد فقيرا وفي أسرة متواضعة جدا فإنه طالب بفتح المدارس أمام كل أبناء الوطن بمن فيهم الفقراء. فالتعليم إما أن يكون ديمقراطريا وإما ألا يكون. وأولاد الفقراء قد يصبحون عباقرة إذا ما توفرت إمكانية تعليمهم ودخولهم المدارس والجامعات.

وأكبر دليل على ذلك هو شخصيا، فقد نبغ في كافة المجالات من علمية وفلسفية وسياسية. بل واشتهر بتجاربه في مجال الكهرباء ودراسة ظواهر الطبيعة المخيفة كالصاعقة مثلا. وقدم هنا لأميركا والبشرية بعض الاكتشافات الكبرى.

وعندما مات طالب بتوزيع ثروته الضخمة على المشافي والمدارس لا على عائلته. وقال عبارته الشهيرة: عندما ولدت لم أجد ثروة في البيت بل ولا فلسا واحدا. وهذا لم يمنعني من النجاح في الحياة. وبالتالي فما على أولادي وأحفادي إلا أن يفعلوا مثلي. عليهم أن يشكلوا ثروتهم بأنفسهم.

باختصار فإن الفلسفة السياسية لبنيامين فرانكلين كانت تتلخص في كلمة واحدة: خدمة المصلحة العامة. هذا هو كل همه وهدفه في الحياة. كان يريد تشكيل مجتمع أميركي ناجح وغني ومزدهر. وهذا ما تحقق بالفعل لاحقا بفضل جهوده وجهود الآباء المؤسسين الآخرين للأمة الأميركية. ولهذا السبب تفوقت أميركا على مختلف أمم العالم بل وتفوقت حتى على أمها أوروبا التي كانت سيدة البشرية طيلة عدة قرون متواصلة.

لقد تفوقت على انجلترا وفرنسا وألمانيا وكل الأمم الأوروبية الأخرى المتطورة. وأصبحت هي قائدة الغرب بعد أن كانت القيادة لأوروبا منذ القرن السادس عشر. ثم تختتم المؤلفة كلامها قائلة: نعم إن المجتمع الذي شكله الآباء المؤسسون الكبار كان مبنيا على الحرية والديمقراطية والتسامح الديني وإتاحة الفرصة لكل فرد لكي ينجح في الحياة.

وهذه القيم هي التي شكلت أكثر المجتمعات ديناميكية في العالم. ولهذا السبب أصبحت أميركا قدوة حتى لدول أوروبا المتقدمة. ولهذا السبب أيضاً أصبحت أميركا قدوة حتى لدول أوروبا المتقدمة. ولهذا السبب أيضاً أصبحت جامعاتها تضم نخبة عباقرة العالم. ليس غريبا إذن أن تكون جائزة نوبل من نصيب علماء أميركا في معظم الأحيان.

*الكتاب:الفلسفة السياسية لبنيامين فرانكلين

*الناشر:مطبوعات جامعة جون هوبكنز 2007

*الصفحات:296 صفحة من القطع الكبير

The political philosophy of Benjamin Franklin

John Hopkins University Press2007

P. 296

Email