كتب في الذاكرة

نزهة الألباء في طبقات الأدباء

ت + ت - الحجم الطبيعي

مؤلف كتاب «نزهة الألباء في طبقات الأدباء» هو «أبو البركات كمال الدين عبد الرحمن بن محمد ابن الأنباري» النحوي الشهير، والعارف بعلوم العربية وأسرارها. سكن «بغداد» وهو صبي جاء يطلب العلم في المدرسة النظامية، المدرسة المشهورة، حتى برع في فنون مختلفة، من الفقه واللغة والأدب والنحو.

ثم لزم منزله بعد أن درّس في المدرسة النظامية فترة طويلة، لينقطع للعلم والعبادة، وقد قرأ عليه جماعة كثيرة وأخذوا عنه، واستفادوا منه، وكان مقيماً برباط له بشرقي بغداد، في الخاتونية الخارجية وكان ورعاً ناسكاً، زاهداً، ترك الدينار ومن زهده أن كان لا يخرج إلاّ يوم الجمعة، وقد توفي في بغداد سنة 577.

كانت حياة «ابن الأنباري» جداً محضاً، فقد انقطع للتدريس والتأليف وقد جاء في مظانه، أن له مئة وثلاثين مصنفاً. في اللغة والأصول والزهد، وأكثرها في فنون العربية، ومنها: الأضداد، أسرار العربية، الإنصاف في مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين، بداية الهداية، تاريخ الأنبار، تفسير غريب المقامات الحريرية... الخ

أما كتابه «نزهة الألباء في طبقات الأدباء» فقد ضمنه مؤلفه ذكر أعيان الأدباء ومعارفهم وأحوالهم وزمانهم. مع ذكر من قاربهم في الفضل والإتقان، وابتدأه بذكر أول من وضع علم العربية، وهو أمر المؤمنين «علي بن أبي طالب» رضي الله عنه، ووصل فيه إلى ترجمة أبي السعادات ابن الشجري، المتوفى سنة 542 هجرية.

لقد أخذ «ابن الأنباري» عن الذين سبقوه، من كتّاب الطبقات والتراجم المعتمدين والمعدودين، ومن هؤلاء «القاضي أبو سعيد بن عبد الله بن المرزبان السيرافي» صاحب كتاب أخبار النحويين البصريين المتوفى سنة 368 هجرية، ومن هؤلاء أيضاً الحافظ أبو بكر احمد بن علي بن ثابت البغدادي الخطيب صاحب «تاريخ بغداد» المتوفى سنة 463 هجرية.

ولكن «ابن الأنباري» تابع في ذلك وبخاصة فيمن عاصره من النحويين والأدباء، ليصبح كتابه هذا مصدراً رئيساً مهماً في تاريخ من ترجم لهم من المتأخرين وممن عاصرهم، كأبي منصور الجواليقي، وأبي السعادات ابن الشجري. يبدأ «ابن الأنباري» كتابه بمقدمة يبين فيها محتويات كتابه حيث يقول« وبعد فقد ذكرت في هذا الكتاب الموسوم بنزهة الأدباء في طبقات الأدباء، معارف أهل هذه الصناعة الأعيان، ومن قاربهم في الفضل والإتقان،

وبيّنت أحوالهم وأزمانهم على غاية من الكشف والبيان، ثم يضيف: اعلم أيدك الله بالتوفيق أن أول من وضع علم العربية وأسسه قواعده، وحد حدوده، أمير المؤمنين «علي بن أبي طالب» رضي الله عنه، وأخذ عنه أبو الأسود الدؤلي، وسبب وضع «علي» رضي الله عنه لهذا العلم ما روي أبو الأسود قال: دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فوجدت في يده رفعة، فقلت ما هذا يا أمير المؤمنين؟

فقال: إني تأملت كلام الناس فوجدته فسر بمخالطة هذه الحمراء «يعني الأعاجم» فأردت أن أضع له شيئاً يرجعون إليه ويعتمدون عليه، ثم ألقى إليّ الرقعة، وفيها مكتوب «الكلام كلّه اسم وفعل وحرف، فالاسم ما أنبأ عن المسمّى، والفعل ما أنبأ به، والحرف ما جاء لمعنى، وقال لي: انح هذا النحو، وأضف إليه ما وقع إليك ...»

ثم يأتي إلى ما فعله «أبو الأسود» الذي يقول: وضعت بابي العطف والنعت، ثم بابي التعجب والاستفهام، إلى أن وصلت إلى إن وأخواتها، ما خلا لكنّ، فلما عرضتها على «علي» رضي الله عنه، أمرني بضم «لكنّ» إليها، وكنت كلما وضعت باباً من أبواب النحو، عرضته عليه إلى أن حصلت ما فيه الكفاية، قال: ما أحسن هذا النحو الذي قد نحوت، لذلك سمّي النحو.

ثم يتابع السلسلة فيسرد من أبي الأسود الدؤلي وهم : «عنبسة الفيل، وميمون الأقرع، ونصر بن عاصم، وعبد الرحمن بن هرمز، ويحيى بن يعمر» ليفصّل بعد ذلك في حياة كل منهما وما قدمه للنحو والأدب، ومن أخذ منهما، ذاكراً في الوقت نفسه ما ألف من كتب النحو والأدب واللغة، إلى أن يصل إلى «ابن الشجري» الذي يقول عنه: وآخر من شاهدنا من حذّاقهم وأكابرهم، وعنه أخذت علوم العربية،

وأخبرني أنه أخذه عن «ابن طباطبا» وأخذه هذا عن علي بن عبس الربعي، وأخذه الربعي عن أبي علي الفارسي.. وهكذا نكون أمام شجرة النحو في كل تفريعاتها لنعرف أساس هذا العلم وفروعه.

Email