من المكتبة العربية

الشركس عبر التاريخ

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

منذر بُج كاتب وباحث سوري أصدر ثلاثة كتب بحثية تقاربت في موضوعاتها: «اللغة الشركسية مصدر اللغة السومرية ـ 1992»، «العلاقة بين اللغتين السومرية والشركسية ـ 1996»، والثالث هو الذي بين أيدينا «الشركس عبر التاريخ 2006»، والثلاثة نشرت عبر دار عبد المنعم ناشرون في حلب.

وفي هذا الكتاب «الشركس عبر التاريخ» يبيّن المؤلف ويوضح تاريخ الشركس، فالشركس شعب ينتمي لغوياً إلى المجموعة القوقازية الشمالية، وهم الآن يقيمون في إقليم شركسيا، وهي منطقة تقع بين البحر الأسود ونهر قوبان، ويدين الشركس بالدين الإسلامي، ويشتهرون بشجاعتهم وبسالتهم في الحروب، تتميز نساؤهم بقدر كبير من الجمال.

ظهر الإنسان لأول مرّة في الشمال الغربي للقوقاز، متنقلاً من التجمعات الجنوبية واستقر عبر القوقاز وانتشر تدريجياً خلال المنطقة. وقد وجدت مواقع أثرية عديدة على سواحل البحر الأسود والمنحدرات الشمالية لسلسلة جبال القوقاز، داخل الحدود الحالية لمنطقة كراسنوا دار.

النصب الأثرية الجميلة الرائعة التي تعود إلى العصر البرونزي المبكر، منحت اسمها إلى ثقافة الشعب الذي عاش في الألف الثالث ق. م. في شمال القوقاز، وامتدت من شبه جزيرة (تامان) في الشمال الغربي لداغستان في الجنوب الشرقي، المستوطنات السكنية والمقابر التي تملأ تلك المساحة الشاسعة، تتمركز بصورة رئيسية في حوض نهر (القوبان)، إن زعماء القبائل دفنوا في حفر كبيرة مع كميات ضخمة من الأشياء والموجودات الفضية والذهبية والعقود والقلائد المودعة في الجرار الفضية.

ثقافة (القوبان)، تتمثل وتظهر بالمستوطنات والمدافن المجاورة، هناك مدفنان يحتويان على قبور من طراز (الدولمن) مع لقى قبرية متنوعة، إضافة إلى قبرين متماثلين اكتشفا في السنوات الحديثة، وإحدى غرف المدافن تظهر جداراً فخماً رسم بمهارة وبذوق فني رفيع، إن التنقيب وكشف المجمعات السكنية في منطقة (القوبان) تندرج ضمن الإنجازات الأثرية العظيمة، بخاصة درع الإيل الذهبي،

حيث اكتشف عند الضفة اليسرى لنهر (القوبان) في مدفن الأخوة السبعة التي كانت محصنة بأبراج وجدران ضخمة، تحتوي مقابر الطبقة التحتية على تقدمات من سروج وأسلحة ومجوهرات ذهبية وقرون للشرب وآنية برونزية وفضية ومواعين خشبية مرصعة بالذهب.

جميع هذه المدافن أظهرت شعائر دفن ولقى متشابهة، جواهر في أشكال حيوانية وأساور وحلقان أذن ومشابك وهي مرصعة بأحجار ثمينة، كما وجد الزجاج الملون والخزفيات والأواني الزجاجية والأوعية الفضية المستوردة والأسلحة، وكلها تعود إلى نهاية القرن الثاني قبل الميلاد.

إن تاريخ هذه المدافن يمتد من القرن الثاني والأول قبل الميلاد إلى القرن الثالث بعد الميلاد، وتم اكتشاف 120 مدفناً، أربعة منها نجت من النهب والسرقة في الأزمنة القديمة.لقد قسمّت القبائل الشركسية إلى كتلتين، الكتلة الغربية، وتضم ثماني قبائل والكتلة الوسطي أو الشرقية وتضم خمس قبائل.

إن أسطورة «نارت» الشركسية تعود إلى أوائل الألف الأول قبل الميلاد، إلى تاريخ اكتشاف الحديد والتعدين، ويستدل على ذلك من الاسم الشركسي الذي يحمله إله الحديد «تلبش» ويفيد معنى الصهر والتعدين، الذي يلعب دوراً مركزياً في أسطورة «نارت»، فالمستكشفون من بابل ذهبوا إلى القوقاز للبحث عن المعادن والأخشاب والأحجار الكريمة، متأثرين على وجه الخصوص بعصر البطولة السومري،

ويبدو أنه كانت هناك ظروف معينة متماثلة هي التي أنتجت هذه الأساطير والملاحم المتشابهة. يحاول الكاتب أن يستجلي معنى كلمة شركس من خلال دلالة اللفظ ووقائع التاريخ فتبين له أن SA معناها (رأس)، GAZ معناها (قطع)، وهذه الكلمة عرفت في سومر بهذا المعنى، أي الرجال ذوو السيوف القاطعة.

لقد اختلف المؤرخون في أصل السومريين، إذ لا يمكن إرجاع لغتهم إلى عائلة اللغات السامية أو إلى عائلة اللغات الهندو أوروبية، إن السومريين هم من أصل قوقازي، فهم قصار القامة مستديرو الرؤوس، ولما أصبحوا العنصر الغالب في سهل شنعار سميّت البلاد باسمهم، أي بلاد سومر، وقد تأسست عدة سلالات منهم وأطلق على هذا العصر، عصر فجر السلالات،

ثم ما لبثوا أن أسسوا عدة حكومات في بعض المدن مثل (أور ـ الوركاء ـ لاغاش)، وكانت بعض هذه الحكومات تسيطر أحياناً على القسم الأكبر من البلاد كما فعلت حكومة لاغاش والوركاء. وقد اشتهر من ملوك لاغاش مؤسس الأسرة «أورنانشه» و«إياناتم» و« أنتيمنا» و«أوركا جينا» واشتهر من ملوك الوركاء «لوغال زاغيزي».

والأسماء (أور ـ لاغاش ـ نيبور ـ كيش) هي أسماء سومرية ـ شركسية وقد قام الباحث بشرحها وبيان معانيها بالاستدلال مسترشداً باللغة الشركسية لبيان معانيها السومرية ـ إذ كان معناها السومري والشركسي متوافقاً مع الصفة واللقب الذي سميت به، وأطلقت عليه.

يحاول الكاتب سرد وبيان ما غمض والتبس على علماء السومريات من كلمات سومرية وردت في المقدمة مستعيناً باللغة الشركسية لبيان معانيها، وحلّ لغز التشابه والتماثل في أسماء وألقاب الطبقة الحاكمة، بين كل من «أراتا وايريك (أورك)» بدلالة اللغة الشركسية، مما يدل بصورة قاطعة على أن سكان «أراتا» التي تقبع في القوقاز و«إيريك» السومرية، كانوا يتكلمون اللغة الشركسية.

ويضيف الكاتب على أن اللغة الشركسية لغة لصقية كما قيل عن اللغة السومرية، والتصريف يكون بإضافة حرف أو كلمة إلى جذر الكلمة. يحلّل الكاتب بعض الكلمات مقارناً إياها باللغة الشركسية، مثل (نيبور ـ لكش ربارا ـ عبيد ـ انكي ـ لاران)، ويأتي بقصة الطوفان وقصة إبراهيم، ثم يحللها إلى قصص شركسية، ليصل إلى نتيجة تقول إن كلا الروايتين متشابهتان، وهذا يؤيّد الرأي القائل بوحدة الشعب الذي أنشأ الحضارتين السومرية والشركسية،

وإنه يدلل بشكل قطعي ونهائي، على أن السومريين كانوا يتكلمون اللغة الشركسية القديمة وموطنهم هو القوقاز، ونقلوا معهم لدى اضطرارهم للهجرة بسبب الطوفان من موطنهم أسطورة الطوفان الذي حدث في بلادهم، وهذه المقارنة تظهر بوضوح وحدة اللغتين وعلى الأقل وحدة أصول اللغتين السومرية والشركسية وتكشف اللغة الشركسية ما التبس وغمض من أسرار اللغة السومرية.

ثم يورد الكاتب نصاً طويلاً بعنوان «ابتهالات أنانا» ترجمه من اللغة الشركسية كاملاً، فيورد الكلمة السومرية والمعنى باللغتين العربية والإنجليزية ثم يورد ما يرادفه باللغة الشركسية ترى هل أصاب أم لا؟ ربما لأنه يعرف اللغة الشركسية وتكلم اللغة السومرية واستطاع أن يجتهد فيهما.

*الكتاب:الشركس عبر التاريخ (السومريون - الهاتيون - الكاشيون)

* تأليف:منذر بُج

*الناشر:دار عبد المنعم ـ حلب 2006

*الصفحات:281 صفحة من القطع الكبير

فيصل خرتش

Email