من المكتبة العالمية

تاريخ الإسلام والمسلمين في فرنسا منذ العصور الوسطى وحتى اليوم

ت + ت - الحجم الطبيعي

ساهم في تأليف هذا الكتاب الضخم ما لا يقل عن خمسة وسبعين باحثا عربيا وأجنبيا، نذكر من بينهم المؤرخ الشهير جاك لوغون، والمشرف العام على المشروع محمد أركون، وعلي بن مخلوف، أستاذ الفلسفة العربية الإسلامية في جامعة نيس بجنوب فرنسا، ورشدي راشد أكبر مختص بتاريخ العلوم عند العرب وأستاذ الشرف في جامعة طوكيو،

وجاك فريمو أستاذ علم التاريخ في جامعة السوربون وصاحب الكتاب المعروف عن العلاقات بين فرنسا والإسلام منذ الثورة الفرنسية وحتى اليوم. ولا ينبغي أن ننسى المؤرخ الجزائري محمد حربي، والروائي اللبناني المعروف أمين معلوف، وهنري لورنس أستاذ التاريخ المعاصر للعالم العربي في الكوليج دو فرانس، الخ.

ويتألف الكتاب من مقدمة وخاتمة وأربعة أجزاء كبرى، وكل جزء يتفرع إلى عدة فصول. فالجزء الأول يتحدث عن العلاقات بين فرنسا والعالم العربي الإسلامي في العصور الوسطى. وهنا نجد عدة فصول تشرح لنا نوعية هذه العلاقات بكل جوانبها وتفاصيلها.

فالفصل الأول مثلا يتحدث بشكل عام عن الحضور الإسلامي في فرنسا إبان تلك الحقبة. أما الفصل الثاني فيتحدث عن المرحلة المضطربة للحروب الصليبية. ولكن لم تكن كلها عداءات وحروبا على عكس ما نظن. وإنما تخللتها فترات سلام وتفاعل وتبادل تجاري وثقافي بل وحتى علاقات شخصية بين كلا الطرفين. فصلاح الدين الأيوبي مثلا كان يتعاطى الهدايا مع ملوك الفرنجة.

وأما الفصل الثالث من هذا الجزء الأول فيتحدث عن الصورة التي شكلها الفرنسيون عن الإسلام والمسلمين إبان تلك الفترة. وينبغي الاعتراف بأنها كانت صورة سلبية عموما وقائمة على الجهل بتراث الإسلام العظيم وشخصية نبيه الكريم. وهذا الشيء لا يزال مستمرا حتى الآن بشكل أو بآخر.

أما الفصل الرابع فيتحدث عن كيفية استقبال الفكر العربي في فرنسا إبان تلك الحقبة القديمة. وهنا نجد عدة بحوث قيمة عن الدور الذي لعب فكر الفارابي وابن سينا وابن رشد في إيقاظ أوروبا المسيحية وتدشين نهضتها المقبلة. فأوروبا كانت تغطّ آنذاك في ظلمات العصور الوسطى ولولا تتلمذها على العرب والمسلمين لما استطاعت النهوض من كبوتها.

أما الفصل الخامس فيتحدث عن إسهام المسلمين والعرب في العلوم المحضة وما قدموه لأوروبا في مجال علم الفلك، والطب، والبصريات، والرياضيات، والفيزياء، والفلاحة، والكيمياء، الخ.

أما الجزء الثاني من هذا الكتاب الضخم الذي يتجاوز الألف ومائتي صفحة فمكرس لدراسة العلاقات بين الطرفين في الفترة الحديثة أي فترة هيمنة الإمبراطورية العثمانية على مقدرات العالم الإسلامي. وهنا يمكن للقارئ أن يطلع لأول مرة على آراء كبار مفكري فرنسا وفلاسفتها بالإسلام والعالم الإسلامي. نذكر من بينهم مونتيني الذي عاش في القرن السادس عشر، أي في عصر النهضة.

كما ونذكر المفكر الشهير باسكال الذي كان معاصرا لديكارت، هذا بالإضافة إلى فلاسفة التنوير الذين تلوهم. وينبغي التنويه هنا بالبحث الذي قدمه الدكتور علي بن مخلوف عن الموضوع الأول، وبالبحث الذي قدمته السيدة دومينيك كارنو، تورابي تحت العنوان التالي: نظرات حول الإسلام: من العصر الكلاسيكي إلى عصر التنوير.

أما الجزء الثالث من الكتاب فمكرس لدراسة الفترة المعاصرة من العلاقات بين الإسلام وفرنسا: أي الفترة التي تلت الثورة الفرنسية وحتى بدايات القرن العشرين. وهنا يتم التركيز على القرن التاسع عشر والحملات الاستعمارية الفرنسية على الجزائر ودول المغرب العربي عموما.

وهنا نجحد بحثا مهما للبروفيسور هنري لورنس عن الإسلام في الفكر الفرنسي، من عصر التنوير إلى الجمهورية الثالثة. كما ويقدم المؤرخ جاك فريمو بحثا مضيئا بعنوان: المراحل المتتالية للاستعمار الفرنسي في أرض الإسلام. وأما روبير سوليه فيقدم بحثا معمقا عن: نابليون بونابرت والإسلام. هذا في حين أن بيرنو ايتيان يقدم دراسة قيمة عن الإشعاع الفكري والروحي الذي مارسه الأمير عبد القادر الجزائري على الأوساط المسيحية والماسونية في فرنسا.

أما الجزء الرابع والأخير من الكتاب فمكرس لدراسة العلاقة بين الإسلام وفرنسا في الفترة المعاصرة الممتدة منذ بداية القرن العشرين وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية وتحقيق الاستقلال الوطني في معظم الدول العربية والإسلامية وطرد الاستعمار الفرنسي من بلادنا. كما ويتحدث هذا الجزء عن ظهور حركة معاكسة للاستعمار:

أي هجرة المسلمين إلى فرنسا واستقرارهم فيها كعمال أو كعسكريين وجنود أو حتى كمثقفين وأساتذة، الخ. وهذا ما أدى بمرور السنوات إلى تشكل جالية عربية إسلامية ضخمة في بلاد فولتير وموليير. وقد وصل عدد أفرادها الآن إلى خمسة ملايين وربما أكثر، وأصبح الإسلام الدين الثاني في البلاد بعد المسيحية بمذهبها الكاثوليكي.

ويشمل هذا الجزء أيضا دراسة الموضوع إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم. وهنا نجد عدة بحوث مهمة كذلك الذي كتبه دانييل ريغ عن الاستشراق، وهو يندرج ضمن إطار عريض يتخذ العنوان التالي: نظرات فكرية وثقافية عن الإسلام. ويمكن للقارئ أن يتعرف من خلال هذه البحوث على نظرة كبار المستشرقين للتراث العربي الإسلامي، أي نظرة لويس ماسينيون، وشارل بيلا، وجاك بيرك، وروجيه ارنالديز، ومكسيم رودنسون، واندريه ميكل، وعشرات غيرهم...

بل ونجد بحثا عن الإسلام في مرآة الآداب والفنون الفرنسية بل وحتى السينما الفرنسية. وبالتالي فالكتاب شامل جامع عن هذا الموضوع الخطير الذي يشغل وسائل الإعلام حاليا: أي موضوع العلاقة بين الإسلام والغرب من خلال فرنسا. ويرى المفكر الجزائري المعروف محمد أركون في المقدمة العامة للكتاب أن هذه هي أول مرة تقدم فيها صورة شاملة عن وضع الإسلام والمسلمين في فرنسا على مدار ألف وثلاثمائة سنة.

والهدف من هذا الكتاب هو تهدئة المشاعر الهائجة والنقمة العارمة ثم بشكل خاص تغيير صورة الإسلام والمسلمين في فرنسا، وذلك من أجل مساعدة المسلمين على التوصل إلى مرتبة المواطنيّة الكاملة في كل أنحاء الفضاء الأوروبي وليس فقط في فرنسا.

فهذه الصورة السلبية بل والشائنة المشكلة عن الإسلام والمسلمين منذ القرون الوسطى ينبغي أن تتغير لأنها ظالمة جدا وغير مقبولة. وهدف هذا الكتاب تغييرها لكي تحل محلها صورة إيجابية وإنسانية والتعريف بمنجزات الحضارة العربية الإسلامية يساعد على ذلك بدون شك.

وبالتالي ينبغي أن يتجاوز المسلمون والفرنسيون مرحلة الأحقاد المتبادلة إلى مرحلة التفاهم والتضامن الإنساني حول دائرة حوض البحر الأبيض المتوسط الذي يفصل بينهم. فنحن نقف على ضفته الشرقية الجنوبية، وهم يقفون على ضفته الغربية الشمالية. ولا تفصل بيننا إلا مسافة ساعتين بالطائرة (باريس-تونس، أو باريس- طنجة، أو باريس- الجزائر، الخ).

وقد آن لنا أن نتفاهم ونكتشف بعضنا بعضا بشكل علمي موضوعي بعيدا عن كل إيديولوجيات الكره والنبذ المتبادل. لقد آن الأوان لتجاوز حزازات الماضي الموروثة عن العصور الوسطى أو عن العصر الكولونيالي الاستعماري في القرن التاسع عشر.

ويرى البروفيسور أركون أن الغرب مدعو لتجاوز نظرته الاستعلائية أو الاحتقارية الموروثة عن عصر الاستعمار، وعلى العالم العربي الإسلامي أن يتجاوز نظرته الأصولية الموروثة عن العصور الوسطى السابقة على تشكل الحداثة. فنحن نستورد أحدث أنواع السلع الاستهلاكية والآلات التكنولوجية الغربية

ولكننا لا نزال غاطسين في غياهب العصور الوسطى الظلامية فيما يخص شرائح واسعة من مجتمعاتنا على المستوى الفكري. وبالتالي فالحداثة المادية موجودة في مجتمعاتنا ولكن الحداثة الفكرية غائبة أو ضعيفة. وهذا الشيء لا يمكن أن يستمر إلى الأبد لأنه يعني انفصام الشخصية.

* الكتاب: تاريخ الإسلام والمسلمين في فرنسا منذ العصور الوسطى وحتى اليوم

* الناشر: ألبان ميشيل باريس 2006

* الصفحات: 1217 صفحة من القطع الكبير

Histoire de l'islam et des musulmans

en France du Moyen-Age à nos jours

Mohammed Arkoun

Albin Michel- Paris 2006

p.1217

Email