لبنان والإمارة الدرزية في العهد العثماني

لبنان والإمارة الدرزية في العهد العثماني

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

مؤلف الكتاب هو عبد الرحيم أبو حسين، أستاذ في دائرة التاريخ والآثار في الجامعة الأميركية في بيروت. من مؤلفاته: الكنائس العربية في السجلّ الكنسي العثماني 1869 ـ 2291 المعهد الملكي للدراسات الدينية في عمان 1988. الأشقياء الدروز، هذه العبارة التي غالباً ما تتكرر في السجلات ال263 من مجموعة (أموري مهمة دفتري)، التي يضمّها هذا الكتاب، تعطي صورة مختلفة عن تلك التي قدّمتها الكتابات المحلية التقليدية والمؤلفات الحديثة حول علاقات الدروز والعثمانيين في الفترة السابقة للعام 1585، أو عن الفترة اللاحقة لإطاحة الأمير فخر الدين.

بسبب الغياب شبه التام للمعلومات التاريخية ساد الاعتقاد ان المناطق الدرزية في لبنان نعمت، خلال تلك الفترات، بحالة سوية من السلام والاستقرار: علاقات ودية مع العثمانيين، الزعماء الدروز محل ثقة، وأهل وظائف كبيرة، ومقامات رفيعة... وغالباً ما كان التفسير التقليدي لحملات العثمانيين التأديبية ضدهم، ينسبها إلى التهم الكاذبة التي يلفّقها الخصوم المحلّيون لآل معن.

لكن الحقيقة، التي تؤكدها وثائق (المهمة)، والتي تغطي الفترة الممتدة بين عامَي 1553 و1905 من تاريخ لبنان، هي أن العلاقات الدرزية العثمانية منذ منتصف القرن الثامن عشر كانت محكومة بحالة شبه دائمة من التمرد الدرزي: لقد أرسلتَ مكتوباً إلى سدة سعادتي يفيد بأن الدروز الذين يقطنون في المناطق الواقعة حول دمشق قد استمروا في عصيانهم، كما هي عادتهم منذ القدم.

ولأن التفاوت كبير بين التوثيق المحلي في القرنين الأولين من حكم العثمانيين من جهة، والقرنين الأخيرين من جهة ثانية، والذي يعزى إلى حقيقة أن لبنان لم ينفصل عن محيطه السوري - العثماني باعتباره وحدة تاريخية مستقلة قبل القرن الثامن عشر، يكتسب التوثيق العثماني أهمية كبرى، لجهة أنه يقدّم الموقف الرسمي والتعليمات الحكومية التي تتناول حوادث تلك الفترة ومشكلاتها: منذ الفتح العثماني عام 1516، حتى إيجاد نظم الالتزام لإمارة جبل لبنان، تحت حكم الشهابيين عام 1711، لم تتمكن المناطق التي تسمّى لبنان اليوم من أن تكون وحدة تاريخية متكاملة، لكنها كانت مقسمة تبعاً لولايات سوريا العثمانية المختلفة.

تاريخ متسلسل ومفصّل تقدّمه وثائق (المهمة) عن تمرد الدروز، الذين كانوا مزوّدين على الدوام بأسلحةً نارية، تتفوق أحياناً على أسلحة العثمانيين، منذ أربعينات القرن السادس عشر، حتى نهاية القرن السابع عشر. هذا التمرد، الذي أحدث حالة طوارئ طويلة الأمد انعكست تلقائياً في الوثائق، حمل السلطات العثمانية على إعادة النظر في الوضع الإداري للواء صيدا - بيروت: إضافة إلى تغيير تبعيته بين ولايتي دمشق وطرابلس في تسعينات القرن السادس عشر، كان هذا اللواء، من قبل، قد تحول إلى ما تسمّيه الوثائق (كلربكليك ولايت الدروز). لذلك، ونظراً الى كثرة الثورات فيه، جاءت الوثائق المتعلّقة به أكثر عدداً وأشد تفصيلاً من الوثائق المتعلقة بأي منطقة لبنانية أخرى.

يضرب عبد الرحيم أبو حسين الشرح المقدّم من المصادر المحلية عن الاحتلال العثماني للشوف عام 1585، مثلاً على بعض المغالطات التي وقعت فيها المصادر المحلية في خصوص بعض الإجراءات التي اتخذها العثمانيون: البطريرك المؤرخ إسطفان الدويهي، أول مؤرخا محليا يذكر احتلال الشوف، يربط ذلك بسرقة قافلة الضرائب المصرية الذاهبة إلى اسطنبول، مع أن الضرائب وصلت بالكامل، بينما توضح وثائق (المهمة) أن ذلك الاحتلال جاء لوضع حدّ لتمرد الدروز.

أيضاً، تقدم الوثائق معلومات غير متيسرة في المصادر التقليدية: الأمير الدرزي أحمد معن (ت. 1697)، وهو حفيد شقيق فخر الدين، وآخر أفراد السلالة المعنية، يبدو في (تاريخ الأزمنة) للدويهي، والذي يعتبر المصدر الرئيسي لسيرة هذا الأمير السياسية، شخصية باهتة لرجل ورث مركزه لانعدام وجود مرشح آخر، ليس في سيرته ما يثير الاهتمام. في حين ان الوثائق تبرز صورة مختلفة له: شخص طموح، ماكر ومراوغ، فشل العثمانيون في القبض عليه وسوقه إلى العدالة.

إذ يبدو غريباً اقتصار الإشارات إلى ثورة الأمير فخر الدين معن (ت. 1635) على إشارتين عرضيتين حول سفره إلى توسكانا، فإن هذا الأمير، الذي يبرز عنواناً للفخار في التواريخ اللبنانية التقليدية، بوصفه البطل الوطني الذي منحه العثمانيون لقب (سلطان البرّ)، يظهر في وثائق (المهمة) كأمير لواء صفد، أكثر منه أميراً للواء صيدا - بيروت.

كما أن علاقته بالعثمانيين لا تختلف قط عن علاقة الكثير من معاصريه بهم. إضافة إلى أنه لم يُمنح البتة رتبة أعلى من رتبة (أمير لواء). وليست هناك أيّ وثيقة تسند إليه لقب (سلطان البر).يردّ أبو حسين عيوب هذه الوثائق إلى أنها ليست النسخ الأصلية، بل تلك التي أنجزها نسّاخ لم يكن جميعهم دقيقاً (أميناً؟) في النقل، أو عالماً بالمناطق التي تتعلق بها هذه الوثائق: بعض الشخصيات البارزة، المعروفة بكونها سنّية، تُذكر على أنها درزية، فتُقدح وتُذمّ لكونها كذلك. الأكيد أن السبب في هذا يعود إلى الشهرة التي اكتسبها المجتمع الدرزي كمجتمع عاصٍ. وتالياً، فإن كل العصاة ، أفراداً كانوا أو جماعات، بات يُشار إليهم على أنهم دروز، بغض النظر عن انتمائهم الديني الحقيقي.

بالطبع، لا يقلل هذا العيب، وسواه، من قيمة هذه الوثائق كمصادر أولية فائقة الأهمية، لدراسة تاريخ بلاد الشام في العهد العثماني، وكعمل مرجعي كسر احتكار المصادر المحلية والأوروبية، لكتابة تاريخ لبنان في القرنين: السادس عشر والذي يليه.

ماهر شرف الدين

* الكتاب: لبنان والإمارة الدرزية في العهد العثماني

* الناشر:دار النهار ـ بيروت 2006

* الصفحات:293 صفحة من القطع المتوسط

Email