شيخ المطربين صبري مدلل

شيخ المطربين صبري مدلل

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

محمّد قدري دلال العازف على العود السوري الوحيد حالياً الذي يعمل على تطوير نمط موسيقي جديد ومبتكر، في عام 1985 دعي إلى أوروبا بدعوة من جمعية تهتمّ بالموسيقى العربية، فعزف في باريس (جامعة فرساي) وليل وسكلان.

حازت اسطوانته (خواطر حلبية على آلة العود) على الجائزة العالمية لأكاديمية (شارل كرو) في فرنسا. أعماله المكتوبة: منهج لدراسة العود (جزءان)، المقامات وتطوّرها، وشارك في كتاب أهل الطرب في حلب، وله مئات الأعمال التراثية التي دونها من أفواه المنشدين في الزوايا والموالد وعن كتابه شيخ المطربين (صبري مدلل) يقول: ولد صبري في الدار العربية التي تقطنها عائلة المدلل في حي الجلوم من مدينة حلب عام 1918، ورثّه أبوه كثيراً من أخلاقه مع الاستقامة والأمانة والتواضع وحب العلم.

واكتشف الوالد (أحمد) جمال صوت ابنه باكراً، من خلال قراءة القرآن لدى شيخ الكتاب،ثم من خلال إنشاده بعض التواشيح في حلقة الذكر التي كان يصحبه إليها، وهو لم يتجاوز السادسة، وفي الثانية عشرة دفعه إلى المعلم (عمر البطش) الذي رعاه وقاده إلى الطريق التي تابع فيها حتى أضحى نجماً وعلماً يشار إليه بالبنان.

ارتاد صبري حلقات الذكر، وغشي الزوايا الصوفية، وسمع وحفظ وتأثر بأساتذة عصره، وفي العام 1949 دخل إذاعة حلب مع المجوّدين من المطربين، فغنى على الهواء من ألحان بكري الكردي أغنيتين (ابعتِ لي جواب) و (يجي يوم وترجع تاني) وهما للشاعر حسام الخطيب، ثم ترك الإذاعة لينشئ فرقة إنشاد ويختص بالغناء الديني، كانت الفرقة تحيي الحفلات الدينية وحفلات الطرب مع الفرقة الموسيقية.

التزمت الفرقة بإحياء حفلات المولد وحلقة الذكر في أكثر من جامع في حلب. وفي جامع الكلتاوية تعرف الباحث الموسيقي البلجيكي (كريستيان بوخه) بالفرقة فسجل لهم أسطوانتهم (مؤذنو حلب). وفي العام 1975، نظمت لهم حفلة في باريس كانت فاتحة عهد جديد للإنشاد الديني في أوروبا، ثم دعيت الفرقة إلى مهرجان الموسيقا العربية (لاموند La Mondial 1986)، فأثبتت قدرتها، وظهرت أهمية الحاج صبري كقائد لها.

حافظ الحاج صبري على ما ورثه من أساليب الأداء والغناء والانتقاء، فلم يخرج عن الجمل الموسيقية القديمة، ولم يتصرف فيها إلا في حدود الجماليات، وما يتناسب وإمكانياته الصوتية العالية التي دربها أحسن تدريب، لأنه من مدرسة محافظة، دعي إلى تونس عام 1996 لافتتاح ( قصر الزاهرة)،

فغنى الحاج صبري ضمن المهرجان الذي نظم بالمناسبة كأحسن ما يكون الغناء إتقاناً، بعد يومين استقبله المعهد العالي للموسيقى، في جلسة خاصة ضمّت أساتذة وطلاباً من كافة المستويات. اقترنت رقة الصوت وقوته وامتلاك ناصيته، بحسن المطالع وأناقة الانتقال، بقدرته على أن تكون الخواتيم متقدة، والقفلات حراقة.

ثم هو لا يقطع المستمع ويجعله متوجساً خيفة الانتهاء ... بل يصل القصيدة أو الموال بقد لطيف أو مطربة أو دور ذي خفة وجمال، وهذا شأن المطرب الذي يعرف ما يريد السميعة، وما يعجبهم ويبعث البهجة في نفوسهم حين تصغي إلى غنائه تحسبه تغريداً،

إذ ان فيه من الإحساس باللحن ما يجعلك تحلّق، رغم أنه أوتي صوتاً كامل الرجولة، واجتماع (القوة والمساحة والحسّ) في صوت واحد يعد من النوادر، يضاف إلى ذلك جمال الصوت في كافة مستوياته، ففي الطبقات المنخفضة لا تسمع حشرجة أو شوائب، وفي الطبقة المتوسطة نقاء وصفاء ينسال انسياب الجدول.

درس الحاج صبري علم التجويد ثم قرأ القرآن وحفظ أجزاء منه، مع الكثير من الشعر من أفواه المغنين والمنشدين، من موشح إلى توشيح ديني إلى قصائد منتقاة من روائعه، تقطر غزلاً رقيقاً، ثم اتجه نحو الموال، فحفظ حلبيه ومصريّه ولبنانّيه ، ثم انتقى أعذبه وراح ينشده، فكان الكمال الذي لا يدانى، والفن الذي لا يرقى إليه إلا فنان ولد في الشهباء وغذي من موشحاتها، وسقي من ينبوع الموسيقا قدودها، ودرس على أيدي متقنيها من عباقرة الغناء والإنشاد، نورد هنا قصيدتين يتكرر غناؤهما أكثر من سواهما في حفلاته:

يا قلب أنتَ وعدتني في حبّهم

صبراً فحاذر ، أن تضيق وتضجرا

إن الغرام هو الحياةُ فمت به

صبّاً فحقك أن تموت وتعذرا

وأخرى تسمعها منه كثيراً:

رأيت الهلال ووجه الحبيب

فكانا هلالين عند النظر

فلم أدر من حَيْرتي فيهما

هلال الدجى من هلال البشر

ولولا التورد في الوجنتين

وما راعني من سواد الشعر

لكنت أظنُّ الهلال الحبيب

وكنت أظنُّ الحبيب القمر

يعرض الكاتب مطلع لحني مرتجل لقصيدة (رأيت الهلال) وهي من غناء الحاج صبري في أحد التسجيلات، ويقوم بدراسته دراسة وافية. كان لا يعجبه من الألحان إلا الرصين، ولا يقنعه سوى ما أتقن صنعه، واستكمل حظه من المراجعة والتنقيح والتدبيج، وهذا ما انعكس إيجاباً في ألحانه، إذ لا ترى فيها الحوشي والساقط، ولا تسمع إلا الآسر.

لقد استلهم ما خزنته ذاكرته من أعمال ( سيد درويش والقصبجي وعبدالوهاب وزكريا احمد وداود حسني) فأعطى لوناً جميلاً، في أثواب لم يعرفها الإنشاد الديني قبلاً ولم يعهد مثلها في قوالبه، ويأتي الكاتب بمجموعة من التواشيح مع ألحانها، ودراسة هذه الألحان دراسة قيمة.

فيصل خرتش

* الكتاب: شيخ المطربين «صبري مدلل»

* الناشر: وزارة الثقافة - دمشق 2006

* الصفحات: 182صفحة من القطع المتوسط

Email