الحب عند ابن حزم الأندلسي وابن داود الأصفهاني

الحب عند ابن حزم الأندلسي وابن داود الأصفهاني

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد سلسلة من المؤلفات بلغت 45 كتاباً في الفكر والتاريخ الإسلامي، وبعد كتابيه «نهاية اسطورة»، و«ابن حزم ومدرسته» الذي كشف فيهما المؤلف عن سطو «ابن خلدون» على أفكار جماعة «إخوان الصفا»، وعن تنظيرات «ابن حزم». يتابع المؤلف د.محمود إسماعيل، في كتابه الجديد «الحب عند ابن حزم الأندلسي وابن داود الأصفهاني» طرح إشكالية ظاهرة اقتباس الخلف من كتب السلف، أو «السرقات العلمية» بالمفهوم الحديث.

عبر مثال جديد وهو مفهوم الحب والعشق كما جاء في كتاب «طوق الحمامة في الألفة والألاف» لابن حزم، وكتاب «الزهرة» لابن داود الأصفهاني.

يعرّفنا المؤلف في البداية إلى ابن حزم وابن داود وكتابيهما. فالأول والأقدم تاريخيا، ابن داود الأصفهاني، هو أبو بكر محمد بن داود الظاهري (ت297هجري) مؤسس المذهب الظاهري الذي اعتنقه ابن حزم وجدده. وكان لغويا وشاعرا مبرزاً. وكتابه «الزهرة» أول عمل تراثي في الحب والعشق.

ألفه تعبيرا عن هواه بفتى يدعى محمد بن جامع الصيدلاني. إلا أن حبه وولهه كان عفيفاً طاهراً بشهادة المؤرخين الثقاة. ويقع الكتاب في جزأين: يتعلق الأول بموضوع الحب والعشق، والثاني خصص لأشعار الغزل في العصرين الأموي والعباسي. واستشهد بالشعر وأقوال الحكماء والفلاسفة.

والثاني ابن حزم وهو «علي بن احمد بن سعيد بن حزم الأندلسي» (ت:456هجري). ولد في قرية «لبله» ـ غرب الأندلس ـ وسط أسرة ارستقراطية اشتغلت بالسياسة وتقلد بعض أفرادها الوزارة. وشهرته كانت سبب الخلاف حول نسبه. فمنهم من نسبه إلى اليونان أو الاسبان أو الفرس.

إلا أن المؤلف يرى انه ينسب إلى العرب الذين كانوا موالين للخلافة الأموية في الشرق والذين نزحوا إلى الأندلس مع عبدالرحمن الداخل عام 138 هجري. عاش في قصر أبيه وكان فقيها ومؤرخاً وشاعراً، ذا باع طويل في حقول معرفية شتى. وكان صاحب مشروع إصلاحي سياسي واقتصادي واجتماعي يتجاوز معطيات عصره. وعمل جاهدا لإحياء المشروع الوحدوي للحكم الأموي في الأندلس بعد التشرذم الذي وقع على أيدي ملوك الطوائف. وهاجم الإقطاع واعتبره ظاهرة لا تمت للإسلام بصلة، ودعا إلى أن الأرض ملك لمن يفلحها.

كما ندد بالرق ودعا إلى تحرير المرأة. وجدّد ابن حزم «المذهب الظاهري» الذي أسسه (داود بن علي الأصفهاني.ت: 270 هجري) كبديل عن المذهب المالكي. ولذلك عمد ابن حزم إلى التمسك بظاهر القرآن والسنة مع إعمال العقل في استنباط الأحكام من منطوق اللغة. ورفض القياس والرأي واستعاض عنهما بالبرهان و«الدليل العقلي».

على أساس أن بديهيات العقل بوسعها ـ وحدها ـ استخلاص الحكم الشرعي الصائب. ولذلك كان مجدداً مبدعاً لتعويله على «بديهة العقل والحس». وقد حظي كتابه «طوق الحمامة» بشهرة واسعة منذ أن عرف به المستشرق الهولندي دوزي عام1861.

ثم تم تحقيقه وإعادة طبعه عدة مرات على يد المستشرقين الألمان والفرنسيين الذين اعتبروه رائعا في جدة موضوعه وبراعة مؤلفه. وتوجت آخر طبعاته في 1986 بتحقيق شامل قام به د.الطاهر مكي المختص بالأدب الأندلسي ووصفه بأنه «أروع كتاب درس الحب في العصر الوسيط في الشرق والغرب، في العالمين المسيحي والإسلامي».

و«انه غير مسبوق في التراث العربي الإسلامي، فضلاً عن جسارة مؤلفه وصراحته، وجمعه في المعالجة بين التحليل النفسي والواقع التاريخي والتجربة الذاتية». وقد كان لتربيته ورعايته من قبل جواري القصر بعد وفاة أمه وهو في المهد صبيا، أثر كبير في حياته الشخصية، ووقوفه على الكثير من أحاديث وتجارب الغرام، وتأليفه كتاب «طوق الحمامة». ويعرض المؤلف مجموعة من الشواهد اقتبسها من الكتابين «الزهرة» لابن داود الأصفهاني، و«طوق الحمامة» لابن حزم. وسنقتصر على بعض الأفكار الأساسية التي أوردها المؤلف في كتابه:

لقد صنف ابن داود كتابه في خمسين بابا. اختصرها ابن حزم في ثلاثين مع تعديل في صياغة العناوين نقل ابن حزم عن ابن داود رأيه في مشروعية الحب وعدم مساسه بالعقيدة والشريعة.

ـ عن الحب من أول نظرة:

«رب حرب جنيت من لفظة، ورب عشق غرس من لحظة» (الزهرة).

«وكثيرا ما يكون الحب من نظرة واحدة» (الطوق)

وعن أنواع الحب وضروبه:

«يكون الحب على ثلاثة اضرب: إما لاتفاق الأرواح، فلا يجد المرء بدا من أن يحب صاحبه، وإما للمنفعة، وإما لحزن وفرح» (الزهرة)

«.. ومحبة الطمع في جاه المحبوب، ومحبة بلوغ اللذة وقضاء الوتر، ومحبة العشق التي لا علة لها إلا ما ذكرنا من اتصال النفوس» (الطوق)

وعن وقوع الحب نتيجة وجود صفات مشتركة بين الطرفين:

«إن المحبة قد تقع من العاقلين من باب تشاكلهما في العقل، ولا تقع بين الأحمقين من باب تشاكلهما في الحمق» (الزهرة)

«انك لا تجد اثنين يتحابان إلا وبينهما مشاكلة واتفاق الصفات الطبيعية. وكلما كثرت الأشباه زادت المجانسة وتأكدت المودة» (الطوق)

وعن صفات المحب ودلائل الوقوع في الحب:«وأنت ترى العاشق إذا سمع بذكر من يحب يهرب ويستحيل لونه... ولا شفاء له إلا بلطف يقع له من رب العالمين... فهذا هو الداء الذي يعجز عن معالجته الأطباء» (الزهرة)«... ومنها بهت يقع، وروعة تبدو على المحب عند رؤية من يحب فجأة.. ومنها اضطراب يبدو على المحب عند رؤية من يشبه محبوبه، أو عند سماع اسمه فجأة». ويضيف «ولا دواء له بالوصل ولا بغيره، إذ قد استحكم الفساد في الدماغ، وتلفت المعرفة، وتغلبت الآفة» (الطوق).

وهذا التفسير السيكو ـ فسيولوجي أخذه ابن حزم عن ابن داود الذي أخذه بدوره عن أطباء اليونان ثم أعطاه بعدا فلسفيا.

إلا أن ابن داود كان ينتقد مقولات حكماء اليونان مثل انتقاده مقولة «جالينوس» عن أحوال العاشق متجاهلاً المرحلة السابقة لحالة العشق محكماً الصلة بين المرحلتين: فعنده أن العشق يبدأ «بالنظر أو السماع» ثم «الاستحسان» الذي يتطور إلى «المودة». عندئذ تظهر «الإرادة» فتحول المودة إلى «المحبة».

فإذا وقعت المحبة تسبب عنها «طاعة» المحب للمحبوب. أما ابن حزم فيختزل هذه المراحل، مكتفياً بأن المحبة تفضي إلى الطاعة بقوله «..عندئذ تصبح صحبة المحب استسلاماً».ويعرض المؤلف التشابهات في الأفكار في أبواب الحب الرئيسة: تمكن العشق من العاشق ـ كتمان سر المعشوق ـ العفة في الحب ـ صفات المحبوب ـ وصال المحبوب ـ استنكار دور الرقيب ـ العتب بين المحب والمحبوب ـ الهجر ولوعة الفراق ـ وغيرها.وبعد هذا التنصيص المقارن. لا يخامر المؤلف أدنى شك في الجزم بأن كتاب «الزهرة» يشكل العمود الفقري لكتاب «طوق الحمامة».

ورغم أن المؤلف يقدر ابن حزم كفقيه مجدد وأصولي أثرى المنهج الأصولي، ومؤرخ من طراز فريد بكتابه «جمهرة أنساب العرب». إلا انه لا يستطيع تبرئة ابن حزم من التهمة ذاتها التي وجهها لابن خلدون، بأنه نهل من كتاب «الزهرة» لدرجة تصل إلى حد نقل كل أفكاره المبتكرة ونسبها إلى نفسه دون وجه حق. وكان ابن داود متواضعا، عكس ابن حزم الذي ادعى الريادة والتفرد وان كتاب «الطوق» غير مسبوق برغم نقله عن سلفه.

ويرى مؤلف الكتاب جازما أن ابن حزم لم يكن صادقا بقوله بصدد «مذهبه في نفي مطية سواه، وعدم التحلي بحلي مستعار» بمعنى عدم أخذه ونقله عن مؤلفات سابقة.

ويرد المؤلف على القائلين بان ما قام به ابن حزم لا يدخل في باب «السرقات الأدبية» لأن من أهم شروطها النقل الحرفي بالقول: إن ذلك صحيح ومشروع في مجال الشعر ليس إلا. أما في مجال الأفكار، فالعبرة في جوهر الفكرة ومعناها وليس بأسلوب صياغتها. وهذا ما يجعل المؤلف يجزم بان ابن حزم نقل كتاب «الزهرة» برمته وأعاد توزيع مقولاته وأفكاره، اتساقا مع نقله «فهرست» ابن داود وإعادة ترتيب أبوابه.

مروان عبد الرزاق

* الكتاب: الحب عند ابن حزم الأندلسي وابن داود الأصفهاني

* تأليف: د. محمود إسماعيل

* الناشر: رؤية للنشر والتوزيع القاهرة 2006

* الصفحات: 80 صفحة من القطع المتوسط

Email