مستقبل العلاقات العربية ـ الأميركية

مستقبل العلاقات العربية ـ الأميركية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في مناخ تتزايد فيه الضغوط الأميركية على منطقة الشرق الأوسط إلى الحد الأقصى، وخاصة بعد احتلال العراق، ودعم إسرائيل غير المحدود في عملية القتل اليومي للفلسطينيين محاولة تكييف سياسة الأنظمة العربية كي تتوافق مع السياسة الأميركية.

يأتي كتاب «مستقبل العلاقات العربية ـ الأميركية» ـ لمؤلفه د.حسين كنعان، وهو باحث لبناني وأستاذ جامعي في الجامعة الأميركية في بيروت ـ ليرصد لنا تاريخ هذه العلاقات وتبدلاتها منذ مطلع القرن الماضي وحتى الآن لأن المعرفة بهذا التاريخ ضرورية للعمل على صنع مستقبل مشرق يكون بديلا عن الصورة التي يقدمها بوش الابن والمحافظون الجدد من جهة، والزرقاوي من جهة أخرى كنموذج سيء لهذه العلاقات.

ويمكن تقسيم هذا التاريخ، كما يعرضه الباحث، إلى مرحلتين:

* المرحلة الأولى (1918 - 1941): حيث اقتصر التدخل الأميركي في المنطقة،على إرسال البعثات التبشيرية الدينية والعلمية التي استندت إلى مبادئ «ويلسون» السلمية، الداعية إلى حق تقرير المصير والعدالة والحرية والتي كانت شعوبنا تواقة إلى تطبيقها عبر تصفية التركة الثقيلة للإمبراطورية العثمانية. حيث أسست لعلاقات ثقافية وعلمية مهمة تم بموجبها إنشاء العديد من الجامعات الأميركية في المنطقة (بيروت، القاهرة).

* المرحلة الثانية: تبدأ مع انتهاء الحرب العالمية الثانية حيث برزت أميركا كقوة اقتصادية وعسكرية عظمى، مقابل أوروبا التي أنهكتها الحروب،،وتصدرت قيادة التكتل الرأسمالي الامبريالي ضد الاتحاد السوفييتي الذي ظهر بدوره كزعيم للمعسكر الاشتراكي،،وشكلوا بصراعهم ما سمي بالحرب الباردة التي امتدت إلى الستينات حيث برز الرعب النووي بين المعسكرين كخطر يهدد العالم،،مما أدى بالجبارين للانتقال لمرحلة جديدة يسميها الباحث بسياسة «التفاهم السلوكي» و التي تبعد شبح الحرب النووية بين أميركا والاتحاد السوفييتي.

وتعود قوة أميركا ليس إلى قوتها الاقتصادية والعسكرية فحسب إنما إلى تاريخ تشكلها منذ القرن الثامن عشر وتأسيسها لدولة علمانية وإبعادها الدين عن الدولة والأمور العامة، مع محافظتها على الحريات العامة، وحرية الأفراد وحرية الاعتقاد.

وممارسة الطقوس الدينية، مما جعل المجتمع الأميركي مثالاً للانصهار بين المذاهب المختلفة (63% بروتستانت - 32% كاثوليك - 8% أديان أخرى - 6% بدون أديان) والقوميات المختلفة (69% أبيض، 12% أسود،7% آسيويون و آخرون).

وهؤلاء جميعاً انصهروا في بوتقة واحدة / أميركية / يحميهم دستور علماني يتساوى أمامه الجميع ووافقوا عليه منذ العام (1781).رغم أن التمييز العنصري بين البيض والسود لم يلغ قانونيا إلا في ستينات القرن الماضي.

وقد دخلت عناصر جديدة ساهمت في تركيب النظام السياسي الأميركي،،تمثلت بتشكل قوى ضاغطة تؤثر على السياسة الأميركية وقرار الرئيس الأميركي بشكل خاص.

وهذه القوى هي :

ـ اللوبي الصهيوني الذي بدأ يتشكل منذ الخمسينات والمنظم تنظيماً جيداً ترعاه منظمة إيباك (اللجنة الأميركية الإسرائيلية للعلاقات العامة) التي تعمل و تنسق مع أكثر من مئة لجنة من لجان الضغط المحلية والفدرالية.

وتدير / 38 / منظمة يهودية في جميع ولايات أميركا،وهي لا تطلب أكثر من دعم إسرائيل ضد العرب، ومحاربة خصوم إسرائيل من السياسيين الأميركيين (مثل فولبرايت وغيره).

وقد ساهم هذا اللوبي إلى حد كبير في جعل أميركا تدعم إسرائيل اقتصادياً و عسكرياً بشكل غير محدود إلى حد امتلاكها السلاح النووي.

ـ وشركات إنتاج و توزيع الأسلحة والشركات المتعددة الجنسية الكبرى التي استعادت دورها بقوة مع العولمة الجديدة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. وهذه تدفع بالسياسة الأميركية لان تدفع بالفوضى والحرب في كل دول العالم المتخلف .

مما يجعل منها سوقا دائمة لصفقات السلاح وإعادة الإعمار من جديد. وأخيرا تم التنظير لمثل هذه السياسة بنظرية «الفوضى البناءة» ويتم تجريبها الآن في العراق.

وهذه القوى الضاغطة تلعب دوراً مهماً في قرار الرئيس الذي وحده يقرر السياسة الخارجية وفق الصلاحيات التي يمنحه إياها الدستور.وتدل الدراسات على أن معظم الرؤساء كانوا يوظفون السياسة الخارجية في خدمة الانتخابات التي يمكن أن تؤهله لدورة رئاسية ثانية.

وهذا أدى إلى وقوف كافة الرؤساء إلى جانب إسرائيل ضد العرب. ابتداءً من ترومان الذي دعم إنشاء دولة إسرائيل كدولة لليهود في فلسطين(1948).

وكذلك تم تهريب السلاح الأميركي إلى اليهود في فلسطين. بعد أن وعدته الحركة الصهيونية بأصوات الانتخابات، والتي كانت تهمه بالدرجة الأولى. وما عدا ذلك كان كل شيء ثانويا بالنسبة له حسب تصريحاته.

و أما آيزنهاور الذي خلف ترومان فقد أعطى الشرق الأوسط أهمية استراتيجية، وليس فقط من الزاوية الانتخابية. وكان يرى ضرورة التكيف مع الواقع العربي.

وحاول أن يستميل العديد من العرب عبر سياسة الأحلاف التي قسمت العرب إلى حلف موال لأميركا وآخر ضدها. ورغم أنه لم يكن أسيراً لإسرائيل لأنه كان يرى مصالح أميركا أبعد و أشمل من ذلك معبراً عن سياسته بقوله الشائع : (ما هو جيد لجنرال موتورز فهو جيد لأميركا) مما جعله يقف ضد الهجوم الثلاثي على مصر.

إلا انه لم يتوقف عن دعمه لإسرائيل. وحارب بالمقابل عبد الناصر والثورة العراقية وحركة عدم الانحياز. وكانت سياسة آيزنهاور مبنية على مصالح الشركات الكبرى وليس على حق تقرير المصير للشعوب فكان الدولار هو الإله بالنسبة للسياسة الأميركية.

ومن بعده كينيدي الذي توخى العرب منه موقفاً عادلاً تجاه قضية الشرق الأوسط،لكنه لم يقدم شيئاً. وتولى جونسون من بعده وهو المعروف بانحيازه التاريخي لإسرائيل. وهذا شجعها على شن الحرب سنة 1967 واحتلال أراضي جديدة ومازالت محتلة حتى الآن.

وكذلك فورد من بعده،،ثم ريغان الذي سمحت سياسته باحتلال إسرائيل لأول عاصمة عربية مدعومة بشكل مطلق من أميركا،،ثم بوش،وبعده كلينتون الذي أعطي لإسرائيل أكثر مما أعطاه أي رئيس أميركي آخر.

وصولاً إلى بوش الابن الذي بدأ ينظر إلى قضية الشرق الأوسط من خلال مدرسة المحافظين الجدد والتي يعبر عنها أمثال: تشارلز كراونهامر واليوت كوهين ووليام باكلي و غيرهم الذين يلتقون مع أطروحات صامويل هينتينغتون حول صراع الحضارات، والذين يرون الخطر على الغرب ليس الأصولية الإسلامية بل الإسلام نفسه كعقيدة وثقافة و تراث.

ويوجز «اريك رولان» السياسة الأميركية بتقرير سري للغاية تحت عنوان Clean BreaK أعده كل من ديفيد ورمر و ريتشارد بيرل ودوغلاس فيث وتم تسليمه إلى نتانياهو عام/ 1996/.

ويتناول التقرير موضوعين رئيسيين: أولهما تمزيق العراق وإضعاف سوريا، والعمل على عودة الهاشميين على العراق وتقوية الأردن للوقوف في وجه سوريا، واستعمال المعارضة اللبنانية لإشغال السوريين في لبنان.

وهذا التخطيط أنتج القرار /1559/ ضد سوريا كمقدمة لضربها بعد العراق. وقد لعب ولفوفيتز الدور الرئيسي في هذا التحضير. وهذا كله ضمن إستراتيجية السيطرة على البترول، وحماية إسرائيل، وحماية بعض الأنظمة المتحالفة معها.

ويناقش الباحث نظرية صراع الحضارات ويراها تستند إلى خرافة القوة والتي سرعان ما يكشفها التطور التاريخي. ويرى أن العلاقة بين الحضارات هي علاقة تنافس تنحو نحو التكامل والأحسن.

ويفرق بين التدخل الإنساني الذي دعا إليه ويلسون، وتدخل المحافظين الجدد المبني على القوة. ويتساءل في النهاية: هل يمكن لأميركا أن تعود وتتدخل في المنطقة بشكل إنساني وتتراجع عن القوة والاحتلال. وتساهم فعليا في حل مشاكل المنطقة وخاصة إسرائيل واحتلالها لفلسطين؟

عرض - مروان عبدالرزاق

* تأليف: د.حسين كنعان

* الناشر: دار الخيال ـ بيروت 2005

* الصفحات: 213 صفحة من القطع الكبير

Email