المجيء إلى كندا

المجيء إلى كندا

ت + ت - الحجم الطبيعي

مؤلفة هذا الكتاب هي الباحثة سوزان هيوجيز المختصة بالشؤون الكندية، وهي تقدم هنا لمحة تاريخية في كندا وطبيعتها واقاليمها وسياستها وجمالها الشهور وتطور حضارتها.

ومنذ البداية تقول بما معناه ان كندا هي البلد الأكثر شمالية في أميركا الشمالية، فمن الجنوب تحده الولايات المتحدة الأميركية بحدود طويلة جداً وغير مدافع عنها من قبل أي جيش لأنه لا توجد أي مشاكل بين البلدين.

وأما من الشمال الغربي فتحدها ولاية آلاسكا، وكندا بلد يمتد من المحيط الأطلسي شرقاً الى المحيط الباسفيكي غرباً وحتى القطب الشمالي شمالاً.

وينبغي العلم أن كندا هي ثاني بلد في العالم من حيث اتساع المساحة، فمساحتها تبلغ حوالي عشرة ملايين كيلومتر مربع، وأما روسيا البلد الأول في العالم من حيث الاتساع فتبلغ مساحتها سبعة عشر مليون كيلومتر مربع أو أكثر قليلاً. ومع ذلك فإن كندا أغنى من روسيا!

فمدخولها السنوي يبلغ حوالي سبعمئة مليار دولار، هذا في حين ان مدخول روسيا لا يتجاوز الاربعمئة مليار، واذا ما عرفنا ان عدد سكان كندا قليل «واحد وثلاثون مليون نسمة مقابل مئة وخمسين مليون لروسيا» أدركنا مدى غنى الإنسان الكندي بالقياس إلى الإنسان الروسي. ثم تضيف المؤلفة قائلة: النظام السياسي في كندا هو ديمقراطي، فيدرالي، برلماني، فكندا بلد مؤلف من عشرة أقاليم.

وكل إقليم له حكومته المحلية واستقلاليته الذاتية وان كان يظل مرتبطاً بالحكومة المركزية في العاصمة أوتاوا.وأما اللغة المهيمنة في كندا فهي الانجليزية في معظم الأقاليم ما عدا إقليم كيبيك الناطق بالفرنسية، وبالتالي فله خصوصيته بالقياس الى كل مناطق كندا الأخرى.

وأما الدين السائد فهو المسيحية بكلا مذهبيها: الكاثوليكي والبرتستانتي، والكاثوليكي سائد في أقليم كيبيك الفرنسي، وهنا تكمن خصوصيته الثانية بالقياس الى عموم كندا، ومعلوم انه فكر أكثر من مرة بالانفصال ولكنه تراجع في آخر لحظة عن ذلك.

وكان الجنرال ديغول قد ألقى خطاباً شهيراً في مونتريال عاصمة كيبيك عام 1967، وفيه أطلق عبارته الصارخة: لتحيا كيبيك حرة! وقد أزعج بذلك الحكومة الكندية أيما إزعاج إلى درجة أنه اضطر إلى اختصار زيارته الرسمية الى البلاد وقفل عائداً بسرعة إلى باريس.

والواقع ان هذا الانقسام بين الناطقين بالفرنسية والناطقين بالانجليزية يعود الى التاريخ القديم وكيفية تشكل كندا أو استعمارها في القرن السابع عشر من قبل الأوروبيين.

فمن المعلوم ان فرنسا وانجلترا كانتا الامبراطوريتين الكبيرتين اللتين تتنافسان على استعمار العالم الجديد، وقد نجحت فرنسا في الاستيطان في كيبيك أو ما كانوا يدعونه آنذاك بفرنسا الجديدة.

بالطبع فإن السكان الأصليين لكندا هم الهنود الحمر كبقية أنحاء أميركا، ولكن وصول الأوروبيين اليها في القرنين السادس عشر والسابع عشر أدى الى انقراضهم تدريجيا وحلول العرق الأوروبي الأبيض محلهم.

ثم تردف المؤلفة قائلة: من الناحية الجغرافية تعتبر كندا من أجمل بلدان العالم وأكثرها غنى بالمصادر الطبيعية، وهي البلد الصناعي الوحيد، المتقدم الذي يعتمد على مصادره أو ثرواته الطبيعية من أجل تطوير نفسه والاستغناء عن الطاقة البترولية إلى أقصى حد ممكن.

وتنقسم جغرافية البلاد الى مناطق جبلية، ومناطق سهول وهضاب، وفيها توجد شلالات نياغرا التي تعتبر إحدى عجائب الدنيا السبع والتي تجذب السياح إليها من شتى أنحاء العالم كل سنة.

وبما ان عدد سكانها قليل ومساحتها شاسعة فإن الكثافة السكانية ضعيفة جداً في البلاد إلا في المدن الكبرى كمونتريال ثم أوتاوا وسواهما من عواصم الأقاليم.

وكندا بلاد مليئة بالغابات والانهار والجبال والسهول الخصبة المنتشرة على مد النظر، وبالتالي فهي من أجمل بلدان العالم، ولكن فيها علة واحدة هي: الطقس، ففصل الشتاء القارس هو الفصل الأساسي في السنة، وأما الربيع والصيف والخريف فهي فصول ثانوية قصيرة.

وبما انها قريبة من القطب الشمالي فإن درجة الحرارة شتاء قد تنخفض الى عشرين أو ثلاثين تحت الصفر في بعض المناطق.

ولكن بما ان البلاد غنية ومتقدمة فإنها تستطيع ان تؤمن التدفئة الكاملة للمنازل والمخازن والأماكن العامة طيلة فصل الشتاء على الأقل، فكندا غنية ليس فقط بطبيعتها وإنما أيضاً بعقولها وتكنولوجيتها المتقدمة جداً في كل المجالات.

كما أنها بلد ديمقراطي يرفض سيطرة الأغلبية الانغلو ـ ساكسونية على الأقلية الفرانكفونية، ولذلك فإنها اتبعت النظام الفيدرالي الذي يعطي حرية واسعة لكل اقليم في ان يدير شؤونه الداخلية بنفسه، وبالتالي فالفيدرالية نظام ايجابي، انساني، تقدمي على عكس ما يتوهم البعض.

فعلى الرغم من ان ثلاثة أرباع كندا يتكلمون الانجليزية إلا أنهم لا يفرضونها بشكل اجباري على الربع المتبقي الذي يتكلم الفرنسية في كيبيك على وجه الخصوص وانما يتركون لهم حرية الاختيار والتكلم بلغة آبائهم وأجدادهم. وهذا هو معنى الديمقراطية.

وبالتالي فإن كندا، كدولة، تعترف بوجود لغتين رسميتين للبلاد، لا لغة واحدة وهما: الانجليزية والفرنسية، وهكذا ترضي اقليم كيبيك ولا تدفع به دفعاً نحو التمرد والانفصال فلماذا ينفصل عن الوطن الأم اذا كانت حقوقه اللغوية أو هويته التاريخية محترمة ومحفوظة؟

ثم تردف المؤلف قائلة: ان 80% من سكان اقليم كيبيك ناطقون بالفرنسية وهناك 30% من سكان اقليم «برونسويك الجديد» ممن يتكلمون الفرنسية أيضاً، وهو الاقليم الوحيد مزدوج اللغة، أما الثمانية أقاليم الباقية فتتحدث الانجليزية في أغلبيتها.

والواقع ان سكان كندا يتجهون أكثر فأكثر نحو ازدواجية اللغة بمعنى ان الكثيرين أصبحوا يتقنون لغتين لا لغة واحدة.

وهذا ما يزيد من خصوبة شخصيتهم وثقافتهم في الواقع، فاللغة الإضافية هي شخصية إضافية تضاف إليك.

قلنا بأن كندا بلد فيدرالي مؤلف من عشرة أقاليم هي التالية: اقليم كولومبيا البريطانية وعاصمته فيكتوريا، وهو يقع غرب كندا بالقرب من المحيط الباسيفيكي.

يضاف إليه إقليم «البيرتا» الواقع في المنطقة نفسها تقريباً، وعاصمته ادمونتون، وهناك اقليم «أونتاريو» الواقع في الوسط الشرقي وعاصمته هي مدينة أوتاوا عاصمة البلاد كلها.

وهناك اقليم كيبيك الواقع شرق البلاد وعاصمته هي مونتريال أشهر مدينة في كندا بعد أوتاوا، بل وربما أشهر من العاصمة ذاتها.وهناك الاقاليم الأخرى الواقعة على شاطيء المحيط الأطلسي هذا وتمتلك كندا اقتصاداً غنياً ذا سيطرة عالية على التكنولوجيا.

ولذلك فهي عضو في الدول السبع الكبار التي تسيطر على العالم وتجتمع سنوياً في إحدى العواصم الغربية: أي الولايات المتحدة، المانيا، فرنسا، انجلترا، ايطاليا، اليابان، كندا، ثم أضافوا إليها مؤخراً روسيا وان بشكل غير رسمي.

وبالتالي فكندا تنتمي إلى نادي الأغنياء: أي نادي العولمة الرأسمالية، وهو النادي الذي أثار ضده مؤخراً القوى النقابية والفلاحية والعمالية واليسارية عموماً، وهي قوى تدعو الى عولمة أكثر عدالة وإنسانية.

أما فيما يخص إقليم كيبيك فتقول المؤلفة بما معناه: إن مساحة هذا الاقليم وحده تشكل أكثر من مليون ونصف المليون كيلومتر مربع! بمعنى أنه أكبر من «أمه» فرنسا بثلاث مرات.. وهذا أكبر دليل على مدى ضخامة كندا واتساعها.

وأما عدد سكانه فلا يتجاوز الثمانية ملايين نسمة، من هنا غناهم وبحبوحة العيش التي يتمتعون بها.واقليم كيبيك لا يتميز عن بقية كندا، الانغلو ساكسونية من حيث اللغة فقط، وانما أيضاً من حيث الدين أو المذهب بالاحرى.

فالمذهب الغالب فيه هو المذهب الكاثوليكي التابع لبابا روما والفاتيكان، أما المذهب الطاغي في معظم أنحاء كندا الانجليزية فهو المذهب البروتستانتي المعادي تاريخياً للمذهب الكاثوليكي داخل المسيحية الغربية.

وهناك سبب أساسي لهذا الاختلاف المذهبي هو ان معظم المهاجرين الذين استوطنوا اقليم كيبيك كانوا من الفرنسيين.

وبالتالي فقد حملوا لغتهم وديانتهم معهم، أما معظم الذين استوطنوا في بقية أنحاء كندا فكانوا من أصل انجليزي، ولهذا السبب فهم يتكلمون الانجليزية ويعتنقون المذهب البروتستانتي الغالب في انجلترا واسكتلندا وبقية أنحاء أوروبا الشمالية، وهذا شيء منطقي.

وقد كانت الكنيسة الكاثوليكية ذات تأثير كبير على السكان في كيبيك حتى أمد قريب فهي التي كانت تسيطر على المدارس وبرامج التعليم حتى حصول «الثورة الهادئة» في الستينات من القرن الماضي، بعدئذ انقلبت البنية الزراعية لكيبيك ولمجمل كندا وأصبحت صناعية، ورافق ذلك انتشار التعليم الحديث والفلسفة العلمانية.

ولذلك فقدت الكنيسة الكثير من تأثيرها على العقول وعلى هذا النحو أصبح المجتمع الكندي علمانياً مثل ذلك مثل معظم الدول الصناعية المتطورة في الغرب.

وبالتالي فلم تعد كندا تعاني من أي تمييز مذهبي أو طائفي بين الكاثوليكيين والبروتستانتيين كما كان يحصل سابقاً، فالحداثة العقلانية والفهم المستنير أو الليبرالي للدين وحدا الجميع في ظل الوطنية الكندية الراقية.

يضاف الى ذلك ان كندا بسبب اتساع مساحتها وقلة عدد سكانها أصبحت أرض هجرة بالدرجة الأولى وهي لا تنفك تستقبل موجات الهجرة المتدفقة عليها من كل حدب وصوب وقد تشكلت في اقليم كيبيك وبالأخص في مدينة مونتريال وضواحيها جالية عربية لايستهان بها وهي من أصل لبناني أولاً ثم لحق بهم سوريون ومصريون وعرب كثيرون، وبالتالي فكندا أرض مضيافة.

الكتاب: المجيء إلى كندا

الناشر: مابل تري بريس ـ مونتريال 2005

الصفحات: 111 صفحة من القطع الكبير

Coming to Canada

Susan Hughes

Maple tree press - montreal 2005

p. 111

Email