أبو عمار

أبو عمار

ت + ت - الحجم الطبيعي

مؤلف هذا الكتاب هو فريد الفالوجي الذي بحث وكتب في مجالات فكرية وسياسية كما تناول في العديد من كتبه مواضيع تتعلق بأعمال الجاسوسية من كتبه:

ماذا حدث في بغداد ـ التاريخ السري للصحاف ـ موسوعة أشهر المنتحرين ـ جواسيس الموساد العرب ـ أمينة المغني ـ العملية « 007» انشراح موسى ـ أحمد الحلاق أول جاسوس يعدم في لبنان ـ حراس الهيكل بأجزائه الثلاثة ـ قصتي مع الموساد ـ البكاء الصامت ـ رصاصة الرحمة ـ جاسوسات عاشقات ـ وغيرها.

يسلط المؤلف في هذا الكتاب ( أبو عمار.. ثائر أسطوري أم عميل لإسرائيل ) الضوء على شخصية كاريزمية ظلت لغزا محيرا، فالمناضل الثائر الذي كان الموت يمشي في أعقابه كان كما يقول عنه العقيد أحمد دحلان، يلعب بالبيضة والحجر يملك قدرات هائلة على تجميع الشتات والمتناقضات.

يرفض مناقشته والخروج عن طاعته، يتدخل في كل صغيرة وكبيرة فهو يضع في يده كل القرارات وأصغر جزء فيها كان هو السلطة، والسلطة هو، لو أردت شراء أربطة لأحذية جنود الأمن فهو يصر على توقيع القرار بنفسه.

يقول الكاتب بما معناه مات عرفات في الحادي عشر من ديسمبر 2004 بعد أن شغل العالم لأربعة عقود، وحرك المياه الراكدة في قضية فلسطين، فرفع علم دولته على مقر الجامعة العربية.

وعلى مقر الأمم المتحدة ولامست شهرته عنان السماء، كان يمتلك حاسة سياسية خاصة أكسبته الكثير من الأصدقاء ومن التعاطف الدولي، لكن العالم كان يزن قضيته بميزان اقتصادي بحت، حيث كانت المصالح أقوى من تأييده، حتى في عالمنا العربي فالصمت كان عارا على كل الرؤوس التي خذلته في السنوات الأخيرة، لم يكن عرفات نبيا .

ولد ياسر عرفات سنة «1929» بالقاهرة واسمه الحقيقي محمد عبد الرحمن عبد الرؤوف القدوة الحسيني، وهو الابن السادس قبل الأخير لتاجر فلسطيني من خان يونس، هاجر إلى القاهرة عام «1927» للعمل في التجارة، بيد أن الدكتور « سامي يونس حسن » يقول في رواية مثيرة ما معناه.

ان الشاعر الفلسطيني « عبد الرحمن عرفات القدوة » الذي كان في العشرينات من القرن الماضي يدير شركة في القدس لبيع المتعلقات الدينية للمهاجرين اليهود هرب إلى غزة بعدما أحرق الفلسطينيون محله وبيته، وفي غزة أسس شركة تجارية مماثلة، فهدده أهل غزة بالقتل وأحرقوا منزله، فهرب إلى القاهرة .

حيث أقام في حارة اليهود، وهناك رزق ابنه البكر « عبد الرؤوف » بابنه ياسر عرفات وليس معروفا إلى اليوم لماذا أراد عرفات ابعاد شخصه عن قريبه الشهير الحاج محمد أمين الحسيني « مفتي القدس » واستخدام أسماء مستعارة لاخفاء شخصيته الحقيقية، مع ما عرف عن تاريخ الحاج أمين الحسيني النضال في مقارعة الاستعمار البريطاني والاستيطان الصهيوني.

في منتصف ابريل 1948 انضم عرفات إلى مقاتلي الإخوان المسلمين في فلسطين، حيث ظهرت مهارته القتالية، وبعد أن حلت الكارثة على فلسطين ووقعت سلسلة من الاتفاقيات بين الدول العربية وإسرائيل من أجل الهدنة، اجتاح اليأس عرفات مما دفعه بعد عودته إلى القاهرة للتفكير في الهجرة بعيدا عن الوطن العربي، وتقدم بطلب هجرة إلى أميركا .

انتخب ياسر عرفات رئيسا لاتحاد الطلبة الفلسطيني، وقام بزيارة محمد نجيب وقدم له عريضة كتبها بالدم « لا تنسوا فلسطين» وقد استطاع أن يقنع الجامعة العربية بضرورة تحمل مصاريف الطلاب الفلسطينيين أثناء مدة الدراسة، وأصدر جريدة طلابية أسماها صوت فلسطين وبمهارة وحذق تمكن من تخطي الرقابة على الجريدة وكان الطلاب في غزة يفهمون ما بين السطور.

كان لقاء قيادة فتح مع جمال عبد الناصر حاسما بالنسبة لدورها في الصراع العربي الإسرائيلي، فاعتراف عبد الناصر بفتح منحها مكانة تقدمت بها على غيرها من المنظمات الفلسطينية، وقد وعد عبد الناصر بتقديم كل المساعدات الممكنة لفتح في مقابل طلب واحد .

وهو أن تنطلق رصاصة واحدة كل يوم في الأرض المحتلة العسكرية بل ان عبد الناصر اصطحب معه ياسر عرفات إلى موسكو كأحد أعضاء الوفد المصري بهدف تقديمه للقيادة السوفييتية.

وعلى أثر تبني منظمة التحرير الفلسطينية عام 1968 الميثاق الوطني الذي أعلن أن الكفاح المسلح هو الوسيلة الوحيدة لتحرير فلسطين، بدأت الجبهة الشعبية بقيادة الدكتور جورج حبش عمليات خطف الطائرات بهدف الضغط على إسرائيل لتنفيذ شروطها، لا سيما بعد إعلان عبد الناصر قبوله لمبادرة روجرز مما أحرج كلا من الملك حسين وعبد الناصر.

وفي سبتمبر من عام «1970» كان الصراع بين الفلسطينيين وحكومة الأردن قد اتخذ شكل المواجهة المسلحة، بعد رفض الفلسطينيين الانصياع لأوامر الحسين وقد أسفرت هذه المواجهات عن سقوط عشرات الآلاف من القتلى بين صفوف الطرفين، ولم تنته تلك الصدامات الا بتدخل الجامعة العربية وتحرك الجيش السوري.

حيث تم تشكيل لجنة لفض النزاع بقيادة جعفر نميري الذي عمل على اخراج عرفات من عمان متخفيا بزي أحد أعضاء الوفد الكويتي بتنسيق مع القيادة المصرية..

ومع انعقاد مؤتمر القمة العربية بالرباط والإقرار بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، دخل عرفات بردائه العسكري إلى الأمم المتحدة في نيويورك عام 1974، وألقى كلمته التي استمرت تسعين دقيقة وسط تصفيق حاد منقطع النظير، وقد حمل معه كلا من مسدسه وغصن زيتون..

وبعد اسبوع واحد من انضمام المنظمة للأمم المتحدة وقع هجوم مسلح على شمال اسرائيل تلاه اختطاف طائرة بريطانية على متنها «47» رهينة إلى تونس حيث طالب الفدائيون بالإفراج عن ثلاثة عشر من رفاقهم في السجون المصرية والايطالية والهولندية وقتلوا يهوديا وألمانيا وألقوا جثته على أرض المطار وبعد اذعان القاهرة لمطالبهم، وافقت تونس على منحهم حق اللجوء السياسي.

بعد حادثة السفارة السعودية في الخرطوم بدأ التقارب بين محسن سلامة ممثلا لمنظمة التحرير الفلسطينية، وبين روبرت أميس ممثلا لوكالة C. I. A ثم بدأت مرحلة الاتصالات السرية لجس النبض، حتى عام 1992.

حيث اتخذت الاتصالات مرحلة جديدة مثيرة مع عدة أطراف مؤثرة، انتهت إلى اقتراح اللقاء في النرويج، ذلك البلد المحايد لبدء مرحلة من المفاوضات السرية بين المنظمة وإسرائيل.

والتي انتهت باتفاقية اوسلو، التي اختلفت وتباينت الآراء حولها حد القطيعة، ولقد أورد الكاتب المبررات التي دفعت ياسر عرفات إلى القبول بها ومنها الاتفاقيات الثنائية التي وقعها الإسرائيليون مع كل من الأردن ومصر.

إضافة للحرب الأهلية في لبنان وما تمخض عنها من خروج للفصائل الفلسطينية من بيروت، وانتقال مقر المنظمة إلى تونس، إلى جانب حرب الخليج وقد كانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير، اذ كان عرفات يعانق صدام حسين بعد ساعات من غزوه للكويت البلد التي تشكلت فيه النواة الأولى لمنظمة فتح، فما كان من الدول الخليجية الا أن قامت بإلغاء عقود عمل الفلسطينيين مما أدى إلى الإضرار بأنشطة كافة المؤسسات الفلسطينية.

وقد انعكست تداعيات هذا الموقف على مستوى تمثيل المنظمة في مؤتمر مدريد 1991 حيث تم تمثيلها ضمن وفد أردني فلسطيني مشترك. في سبتمبر 1993 وقع عرفات ورابين في واشنطن اتفاقية إعلان المبادئ للحكم الذاتي، وفي أول يوليو 1994 دخل أبو عمار الأراضي الفلسطينية.

ثم يقترب الكاتب من الحياة الخاصة لهذا الرجل العتيد الذي واجه مصيره المجهول بكل شجاعة على الرغم من تخلي الجميع عنه دوليا وعربيا وفلسطينيا، يقول بما معناه كانت حياة هذا المناضل لغزا محيرا.

فالمناضل الذي كان الموت يمشي في أعقابه عرف الحب، لقد صام طويلا عن الزواج حيث تراجع أمام سها الطويل الحسناء الجميلة ابنة الثامنة والعشرين التي قهرته وهو في الواحدة والستين من عمره، كانت هي زوجته الأولى والأخيرة.

لكنها لم تكن حبيبته الأولى فقد عرف الحب في كل من الإسكندرية والكويت وبيروت، ثم يتحدث عن ملابسه التي وصفها بالبسيطة، فهو لم يتخل عن بزته العسكرية وكوفيته الفلسطينية الشهيرة على الرأس ثم أضاف إليها كوفية أخرى على الرقبة وأصبحت كوفيته موضة للشباب في العالم.

لكثرة ما تعرض عرفات لمحاولات اغتيال أطلق عليه لقب أبو سبعة أرواح كانت أولها عام 1967 حين اختبأ في الضفة الغربية لمدة ستة أشهر لتأسيس الخلايا الثورية.

وفي عام 1968 وقعت معركة الكرامة حيث قاد عرفات رجاله إلى أول انتصار حقيقي مسلح للعرب على إسرائيل، هذا النصر الذي ادعى البعض انه كان باتفاق مسبق مع الإسرائيليين لإعلاء اسمه وإسقاط رئيس المنظمة آنذاك أحمد الشقيري.

وهكذا جرى الإعداد لما سمي بعملية شمشون حيث تم تدريب أحد المقاومين لاتمام عملية اغتيال عرفات الا أن هذه العملية فشلت، كما قامت إسرائيل بمحاولة اغتياله مرتين فوق الأراضي الأردنية ،كذلك حاول الملك حسين اغتياله عدة مرات.

كما سجلت تقارير الاستخبارات الفلسطينية نجاة عرفات من أربع محاولات اغتيال قصفا بالصواريخ على مقر إقامته في بيروت وكذلك لاحقت المقاتلات الإسرائيلية عرفات إلى تونس حيث دمرت الصواريخ مكان إقامته. أما حارسه الخاص العقيد عدنان ملحم الذي عمل مرافقا له منذ 1971 في لبنان فيروي: ان عرفات عاش وقاد الثورة في لبنان عبر الأقبية ولم ير نور الشمس لفترات طويلة.

وقد أفضى شارون لوزير الخارجية الأميركي كولن باول برغبته في اغتيال عرفات قال: كالقطط بسبع أرواح.. لقد دبرت له أكثر من تسع محاولات جادة وتنظيمية لاغتياله.

كانت سها عرفات غائبة عن الساحة الفلسطينية منذ أكثر من أربع سنوات، فهي منذ بدء الانتفاضة الثانية في سبتمبر 2000 لم تزر المناطق الفلسطينية ولم تلتق بزوجها، فيما كانت تعيش في قصرها في باريس مع ابنتهما زهوة، في ترف أثار استياء الكثيرين لتناقضه مع الحياة المتقشفة لزوجها وللشعب الفلسطيني في الداخل.

ومع هذا فقد ظهرت فجر الاثنين في الثامن من نوفمبر لتوجه رسالة للشعب الفلسطيني بأن عرفات لم يمت وان هناك مجموعة من المستورثين قادمين للإعلان عن دفنه حيا !

داخل مستشفى بيرسي العسكري الفرنسي وهناك في مقر المقاطعة في رام الله، ثم يقرر الوفد الفلسطيني عدم الذهاب إلى باريس لزيارة عرفات، بعد تصريحات زوجته، ليقرر الذهاب ثانية.

ثم يعلن مسؤول فلسطيني موت عرفات في اليوم التاسع من نوفمبران الشكوك في تسميم عرفات لم تكن مواكبة لوفاته، بل كانت قبلها فترة طويلة تزيد عن العامين عندما حذر الوزير عمر سليمان مدير المخابرات المصرية السلطات الفلسطينية عام 2002 من وجود عميل في مكتب عرفات ينقل إلى الإسرائيليين أسرار وأخبار المقاطعة،.

وكشفت التحريات السرية والتحقيقات أن أحد المرافقين لعرفات يعمل لحساب إسرائيل، وينقل الأخبار من خلال كاميرا مزودة بجهاز تنصت في مقدمة بندقية.

وعن الجانب المادي يروي الكاتب أن عرفات أدار طوال أربعة عقود مبالغ ضخمة كانت في معظمها مساعدات من الدول العربية وهذه الأموال تشمل استثمارات منظمة التحرير الفلسطينية في شركات الطيران وفي زراعات الموز وشركات التكنولوجيا العالمية، بالإضافة إلى حسابات مصرفية في مختلف أنحاء العالم.

وفاء الخطيب

الكتاب: أبو عمار ثائر أسطوري أم عميل

لإسرائيل؟

الناشر: دار الكتاب العربي ـ دمشق 2005

الصفحات: 400 صفحة من القطع الكبير

Email