تاريخ موجز للأرجنتين

تاريخ موجز للأرجنتين

ت + ت - الحجم الطبيعي

مؤلف هذا الكتاب هو أحد كبار المؤرخين الأرجنتينيين المعاصرين: البروفيسور فيليكس لونا وهو هنا يقدم تاريخاً ممتازاً عن الأرجنتين منذ الفتح الإسباني وحتى الفترة المعاصرة. ومعلوم أن الأرجنتين هي أحد بلدان أميركا الجنوبية المحاطة بتشيلي وبوليفيا والباراغواي والبرازيل والأوروغواي في الوقت الذي تحاط فيه بالمحيط الأطلسي شرقاً. وقد حصلت الأرجنتين على استقلالها يوم 25 مايو من عام 1810،

ثم أصبح هذا الاستقلال ساري المفعول كلياً بدءًا من 9 يوليو 1916. واللغة القومية للأرجنتين هي لغة المستعمر السابق، أي الإسبانية. ولكنهم يتكلمون أيضاً لغات أخرى غيرها وإن كانت لا ترقى إلى مستوى اللغة القومية. ثم يردف المؤلف قائلاً: بما معناه: وقد استعمرت الأرجنتين في القرنين السادس عشر والسابع عشر من قبل الإسبان كما هو معروف،

وكان أميريكو فيسبوتشي أول أوروبي يضع قدمه على الشواطئ الأرجنتينية عام 1506. وفي عام 1516 زار البحار الإسباني خوان دياز دوسوليس هذه الأراضي التي ستدعى فيما بعد بالأرجنتين. ثم ضمت إسبانيا الأرجنتين إلى مملكة البيرو التي كانت قد استعمرتها سابقاً وأقامت أول مستعمرة في المكان الحالي لبوينس أيريس.

وفي عام 1806 ـ 1807 حاول الانجليز غزو البلاد ولكن المقاومة المحلية والاسبانية استطاعت أن تصدهم. وفي (25) مايو من عام 1810 ابتدأت ثورة مايو التي استلهمت شعاراتها ومثلها العليا من الثورة الفرنسية. واستطاعت الأرجنتين بفضل هذه الثورة الشعبية أن تتحرر من الاستعمار الإسباني الذي دام قرنين من الزمن أو أكثر.وقد لعب الجنرال مانويل بيلغرانو والجنرال جوزيه دو سان مارتان دوراً كبيراً في تحرير البلاد. ثم حكم شخص يدعى خوان مانويل دوروزا البلاد بيد من حديد بين عامي 1829 ـ 1852. وتم إعلان الدستور بعد قلب نظام هذا الديكتاتور.

وفي عام 1930 قام العسكريون بانقلاب على الرئيس هيبوليتوابريفوين، أو قل أجبروه على الاستقالة. ثم تلا ذلك انقلاب عسكري حقيقي عام 1943 بقيادة مجموعة من الضباط. وكان من بينهم عقيد عسكري باسم خوان ديمنغو بيرون.

وقد أصبح وزيراً للعمل والتوظيف بعد نجاح الانقلاب. ثم سرعان ما ازدادت شعبيته في أوساط السكان.

ولذلك رشح نفسه للانتخابات الرئاسية ونجح فيها بتاريخ 20 فبراير عام 1946. وقد اتبع سياسة جيدة تجاه العمال وشجع على تشكيل النقابات في البلاد.

كما وقام بتأميم شركات القطارات وسكك الحديد التي كانت تنتمي إلى الأجانب حتى ذلك الوقت، واتخذ عدة قرارات وطنية لصالح الشعب الأرجنتيني. ربما أنه كان معجباً جداً بشخصية موسوليني، وفرانكو فان سياسته راحت تسير على منوالهما. ولكن الأرجنتين رفضت الانخراط في الحرب العالمية الثانية لصالح هذه الجهة أو تلك وفضلت أن تقف على الحياد.

ثم صعد نجم زوجته إيفا بيرون التي كانت في الأصل ممثلة خرجت من بيئة فقيرة متواضعة ثم صنعت نفسها بنفسها. وأصبحت بعدئذ ذات شعبية كبيرة لدى فقراء الأرجنتين بصفتها زوجة الرئيس ذات القلب الحنون تجاه المعذبين في الأرض.

والواقع أنها كانت تتزعم منظمة خيرية كبيرة تقدم الخدمات إلى الفقراء بقدر المستطاع. وقد نالت نساء الأرجنتين حق التصويت عام 1947: أي بعد الحرب العالمية الثانية تماماً كالنساء الفرنسيات.

ولكن الموت عاجل هذه المرأة الرائعة عام 1952 بعد إصابتها بمرض السرطان. وفي عام 1955 ضغط القادة العسكريون على الرئيس بيرون واضطروه إلى الاستقالة والمنفى في الخارج. ولكن حياته السياسية لم تنته بهذا العمل.

فالواقع أن الأرجنتين نظمت انتخابات عامة يوم 11 مارس من عام 1973. وكانت أول انتخابات تحصل في البلاد منذ عشر سنوات. ولكن بيرون ما كان يستطيع ترشيح نفسه. فانتخب الشعب الأرجنتيني شخصاً يدعى هيكتور كامبورا رئيساً للبلاد. ولكن بما أن نسبة الممتنعين عن التصويت كانت عالية جداً فإن الرئيس الجديد سرعان ما قدم استقالته.

وعندئذ رشح بيرون نفسه وحقق انتصاراً كبيراً إذ انتخبه الشعب بشكل رائع. وعندئذ أصبح رئيساً للبلاد للمرة الثانية. وكانت إلى جانبه زوجته الثالثة ماريا بيرون التي عاشت معه سنوات المنفى الطويلة. وقد أصبحت زوجته نائبة للرئيس. ولكن المتطرفين سواء أكانوا يمينيين أم يساريين لم يعجبهم الوضع. فراحوا يقومون بأعمال الاغتيال والتفجيرات.

وعندئذ اضطرت الحكومة إلى اتخاذ عدة تدابير احترازية. وأصبح من حقها اعتقال المشبوهين بكل حرية. وعندما مات بيرون عام 1974، أي بعد عام واحد من انتخابه حلت محله زوجته، ولكنها واجهت صعوبات كبيرة منذ البداية بسبب المشكلات الاقتصادية المتفاقمة والصراعات داخل حزبها وتضاعف العمليات الإرهابية في البلاد.

ولهذه الأسباب مجتمعة فإن بعض الضباط الكبار نظموا انقلاباً على الرئيسة ماريا بيرون يوم (24) مارس من عام 1976 وراحت زمرة عسكرية ديكتاتورية تحكم البلاد طيلة سبع سنوات، أي طيلة الفترة المدعوة بالحرب القذرة.

وخاض قادة الزمرة العسكرية حرباً ضروساً ضد شبيبة الأرجنتين اليسارية متهمين إياها بالإرهاب وراح الجيش أو البوليس السري يعتقل الناس ومن دون سبب وانتهكت حقوق الإنسان في تلك الفترة بشكل مريع.

وراح الحكم الطغياني يستخدم كل أساليب التعذيب لإرهاب المساجين السياسيين، وتم خطف ما لا يقل عن ثلاثين ألف مناضل يساري طيلة تلك الفترة العصيبة والسوداء من تاريخ الأرجنتين، ولم يعرف أحد مصير هؤلاء المخطوفين في جنح الظلام وعاشت عائلاتهم فترة قلق مرعبة.

بل وحتى أطفال المعتقلين والمخطوفين الذين ولدوا في السجون تم خطفهم من قبل الدولة وفصلهم عن عائلاتهم الأصلية وخلع أسماء جديدة عليهم. وهذا من أبشع أنواع الاستبداد والتعسف والإجرام. ثم يردف المؤلف قائلاً: حقاً لقد ساءت سمعة الأرجنتين كثيراً أيام حكم هذه الطغمة العسكرية الاستبدادية، وتشرد المثقفون والمناضلون اليساريون في جميع أرجاء الأرض بحثاً عن الأمان والاطمئنان ثم ازدادت مشكلات الأرجنتين تفاقماً آنذاك بعد اندلاع الحرب الإنجليزية ـ الأرجنتينية على جزر المالوين، ولكن لحسن الحظ فإن هذه الفترة المظلمة من حياة البلاد انتهت يوم (30) أكتوبر من عام 1983.

فقد تم تنظيم انتخابات حرة بإشراف دولي، وكانت انتخابات عامة تهدف إلى تجديد الطبقة السياسية برمتها من رئيس جمهورية، ونائب رئيس، وولادة للأقاليم، وأعضاء المجالس البلدية المحلية. ونجح مرشح الحزب الراديكالي راؤول الفونس في الوصول إلى سدة الرئاسة حيث نال 52% من نسبة الأصوات، وابتدأ أعهده لمدة ست سنوات بتاريخ (15) ديسمبر 1983.

ثم جرت انتخابات أخرى عام 1989 ونجح فيها مرشح من أصل سوري يدعى كارلوس منعم، كانت عائلته قد هاجرت إلى الأرجنتين منذ سنوات طويلة بحثاً عن الرزق والعمل والحرية كما فعل آلاف السوريين واللبنانيين في بدايات القرن العشرين. ثم أعيد انتخابه مرة ثانية عام 1995، وبعد أن ترك الرئاسة عام 1999 حاول مرة ثالثة أن يعود إليها عام 2003، ولكنه تراجع في منتصف الشوط، ويكفيه فخراً أنه حكم البلاد مدة عشر سنوات متواصلة.

أما في ما يخص جغرافية الأرجنتين واقتصادها فيقول المؤلف ما معناه: تبلغ مساحة تلك البلاد الواسعة نحو المليونين وثمانمئة ألف كيلومتر مربع، أما عدد سكانها فلا يتجاوز الثمانية وثلاثين مليون نسمة، وهذا يعني أن الكثافة السكانية ضعيفة بالقياس إلى مساحة الأرض الشاسعة.

ويمكن القول إن الأرجنتين تنقسم إلى ثلاث مناطق متمايزة: الأولى هي منطقة السهول الخصبة في الشمال، والثانية هي منطقة الجنوب التي تشمل نصف البلاد، والثالثة هي منطقة الغرب الجبلية المحاذية لتشيلي. وتحتوي البلاد على أنهار كبيرة عدة، معظمها يصب في نهاية المطاف في المحيط الأطلسي، ومناخ الأرجنتين عموماً معتدل، ولكنه قد يصبح حاراً في أقصى الجنوب وفي الشمال.

وأهم مدينتين هما العاصمة بوينس آيريس في الجنوب، وكوردوبا في الشمال، وربما كان المقصود بها قرطبة، لأن الإسبان استعمروا الأرجنتين كما قلنا وأثروا فيها كثيراً، وانعكس ذلك حتى على أسماء المدن، وبالتالي فالعرب وصلوا إلى الأرجنتين وإن بشكل غير مباشر!

أما الحدود الأرضية للأرجنتين فهي على النحو التالي: 5150 كلم مع تشيلي، و1880 كلم مع الباراغواي، و1224 كلم مع البرازيل، و832 كلم مع بوليفيا، و579 كلم مع الأورغواي.

أما في ما يخص الحياة الاقتصادية فيمكن القول ما يلي: تمتلك الأرجنتين ثروات طبيعية غنية ويداً عاملة كفؤة في كل المجالات. كما تمتلك ثروة زراعية موجهة نحو التصدير ونسيجاً صناعياً متنوعاً.

وعلى الرغم من كل هذه الأوراق التي تمتلكها إلا أنها غرقت في الإفلاس الكامل قبل بضع سنوات، والسبب هو أن ديونها تجاه الخارج تراكمت كثيراً في نهاية الثمانينات، هذا بالإضافة إلى التضخم المالي وأشياء أخرى. وتحاول الأرجنتين جاهدة الخروج من هذه الأزمة الاقتصادية الخطرة التي عصفت بها.

الكتاب: تاريخ موجز للأرجنتين

الناشر: بروشيه ـ نيويورك ـ لندن 2005

الصفحات: 224 صفحة من القطع الكبير

ASHORT HISTORY OF THE ARGENTINE

FELIX LUNA

PROCHE - NEW YORK. LONDON 2005

P. 224

Email