روايات خالدة

كانديد

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

مؤلف رواية «كانديد» هو (فرانسوا ماري ارويه) الكاتب والفيلسوف والمسرحي والمفكر والشاعر والمنور النهضوي الذي سيلقب لاحقاً باسم فولتير. ولد في باريس عام1694 وفي سن العاشرة التحق بمدرسة لويس الأكبر اليسوعية فادخر الكثير من الذكريات والمفارقات الساخرة التي ستكون وقودا لثورة تهكمية على السلطات الدينية.

بعد إتمام دراسته وانكشاف موهبته الساخرة أرسله والده إلى هولندا مع سفير فرنسا سكرتيرا له فقضى فيها أربع سنوات عاد بعدها إلى باريس ليهجو الدوق دورليان وصي العرش فتم نفيه على أثر القصيدة. بعد انتهاء المدة عاد وهجا لويس الرابع عشر فحبس في الباستيل قرابة عام مكث فيه وهو يؤلف ويبدع إلى أن أطلقه دورليان

وحاول أن يشتري لسانه الفاضح فقال له فولتير (إني أشكر لسموكم عنايتكم بطعامي وكسائي ولكني أرجو ألا تتعهدوا بسكني وإقامتي) وهي تورية غامزة من قناة الدوق يقصد فيها خوفه من معرفة عنوانه للقبض عليه عند الطلب.

هجاؤه للطبقة الحاكمة دفعه لتعلم المبارزة لكن أحد الفرسان المهجوّين لم يعطه حق المبارزة ولم يكن بحاجة إلى تعلم المبارزة بالسيف فلسانه كان أحد من أي حد، فزجّ في الباستيل مرة أخرى.

نص «الهزيادة» دفع السلطات إلى نفيه إلى إنجلترا مسدية إليه صنيعا كبيرا إذ ستؤثر الثقافة الإنجليزية في حياته الفكرية والأدبية بفضل مطالعاته لإبداعات أئمة الرأي والعلم أمثال شكسبير ونيوتن وسويفت وبوب وبولينغ بروك الذي أبدى إعجابه بفكر فولتير المتمرد الساخط على العلوم النظرية والفلسفية.

بث فولتير خلاصة أفكاره في التسامح الديني في عام 1734 في كتابه (الرسائل الفلسفية أو الرسائل الإنجليزية) والذي تعرض للإحراق بقرار من البرلمان الفرنسي، فاستضافته «مدام دي شاتليه» خمسة عشر عاما في بيتها والتي عشقها إلى حد انه سماها «نصفه الآخر»،

بعد موتها عاد إلى باريس ثم التحق بفريدريك الثاني إمبراطور بروسيا بدعوة «ثقافية» منه 1750 بقي عند مدة عامين ونصف مكرما معززا يساعده في تنظيم قصائده. إلى أن انقطع الود بعد معاملات تجارية غير موفقة اضطر بعدها إلى الهرب حاملا ديوان شعر الملك (ملابسه القذرة كما نعت الديوان) ليشهّر به لكن جنود الملك أدركوه وأودعوه السجن خمسة أسابيع إلى أن استخلصوا الديوان.

رواية كانديد تم تأليفها عام 1750 أي عندما كان في قمة نضجه الأدبي ( كان في الخامسة والستين) ردا على نزعة التفاؤل التي وضعها لايبنتز الفيلسوف الألماني الذي قال (كل شيء على خير حال في أحسن عالم يمكن أن يكون) خاصة بعد زلزال لشبونة وحرب السنوات الأربع 1756 وكان قد سبقها بقصيدة ساخرة عن جان جاك روسو ستجرحه كثيرا لما حوته من استهزاء بعقيدته الدينية.

كانديد تروي حكاية الشاب كانديد الذي يعيش في قصر أحد البارونات حياة بذخ، بانغلوس، هو مدرب ومربي الشاب الذي يعلمه أن الفرح هو الأصل ولا وجود للحزن وعلى النقيض منه رأي البارون الذي يرى أن الحزن هو الأصل وأن الفرح استثناء.

يحدث أول الكدر عندما يضبط البارون كانديد وهو يغازل ابنته كونيغوند فيطرده من جنة القصر كما طرد آدم من الجنة. فيتحول إلى متسكع ومعه معلمه المتفائل بانغلوس الذي يحاول أن يهون على الشاب المصيبة ويعمل على بعث التفاؤل عنده، لكن التشرد الطويل بين بلدان كثيرة واكتشاف نفاق الناس وبؤس العالم ووجهه الأسود يؤكد خطأ نظرية بانغلوس خاصة عندما يقع كانديد في أسر القراصنة.

يعرف في أسره عجوزا تركيا ينصحه بالانصراف إلى زراعة حديقة بيته فالشر لا يمكن القضاء عليه، فيسخط على مربيه بانغلوس، الذي هو صورة روائية تمثيلية من الفيلسوف لايبنتز وجان جاك روسو الذي يسخر فولتير من أفكارهما واطروحاتهما. يبدأ كانديد بحياة جديدة وقد توصل إلى أن تعاليم بانغلوس هراء.

ندد فولتير في الرواية بالفساد الخلقي الذي يسود باريس وبخصومه المعاصرين فوقعت موقعا حسنا في قلوب القراء إلى درجة أنها طبعت سنة ظهورها ثلاث عشرة مرة وظلت بعدها تطبع كل سنة مرة خلال ثلاثين عاما.

عاب النقاد على رواية «كانديد» ذهنية شخصياتها وغلبة السطحية عليها وطيفيتها ويمكن تصنيفها بين القصص الفلسفية التي تعتمد الرمز والتلميح، مع ملاحظة جهد المؤلف في رسم شخصياته ومحاولة إشباعها بالملابس والحركات والبيئات لكن المحاورات سرعان ما تكشف طابعها الفلسفي.

ينكشف الجانب الساخر في الرواية من خلال إثبات الراوي أن كل شيء على أحسن حال في الحين الذي تتراكم البلايا والمصائب أمام مصير الشخصيات. الرواية تذكر بقول الناقد باختين (الضحك يدمر الخوف) كما انه يهتك القداسة.

رغم تعدد الموضوعات ينجح فولتير في ضمها في وحدة موضوعية، ويتضح أسلوبه الهازل في جمله القصيرة وتكرار مفردات بعينها لخلق تأثيرات خاصة وقد يستخدم الطباقات والجناسات والاستعارات ويتسم أسلوبه بحسن انتقاء الألفاظ إلى درجة أنها اعتبرت درّة فن فولتير القصصي إلى جانب رواية «زاديغ».

كتب فولتير كانديد في سويسرا، منفاه الاختياري، عندما اختلف مع الإمبراطور فريدريك الثاني بعد صداقة متينة، التشاؤم الذي عبر عنه فولتير في كانديد ليس سوداوية وإنما هو نوع من إعادة التوازن الى التفاؤل المفرط في نظرية لايبنتز .

ألّف فولتير على مدى أعوام حياته الأربعة والثمانين عشرات الكتب، في الفلسفة والتاريخ والأخلاق والرواية والقصة والمسرح والشعر والرسائل إضافة إلى التأليف الموسوعي من مؤلفاته: «المعجم الفلسفي» و«القانون الطبيعي» و«مهاترة الدكتور اكاليا» والتي كانت وراء هربه من الإمبراطور فريدريك الثاني إلى فرناي بسويسرا والتي قضى فيها آخر سنوات حياته قبل أن يعود إلى باريس.عودة فولتير إلى باريس كانت مظفرة،

وصل إليها من سويسرا عام 1778 في وقت كانت تمثل مسرحيته مرة سادسة في إحدى دور العرض، وبدخوله تعالى التصفيق، ثم بادر أحد الممثلين فوضع على رأسه إكليل غار فدمعت عيناه فرحا وأُزيح بعدها الستار عن تمثال نصفي له فتعالى الهتاف العاصف فقال فولتير: (إنكم تريدون قتلي بنشوة المجد والسرور). مات في باريس عام 1778 بعد ثلاثة أشهر من وصوله،

وقد حظرت السلطات الحديث عن وفاته أو تمثيل مسرحياته خوفا من سخط رجال الدين والحكم. وبعد جهود استطاع أهله مواراة جثمانه في شامباني وظل فيها إلى عام 1791 نقل بعدها إلى مقبرة العظماء في البانثيون في باريس.

أحمد عمر

Email