مختصر تاريخ لندن

مختصر تاريخ لندن

ت + ت - الحجم الطبيعي

مؤلف هذا الكتاب هو الباحث الانجليزي أ. ن. ويلسون. وكان قد ولد عام 1950 وتلقى تعليمه في أحد معاهد أكسفورد. ثم أصبح بعدئذ عضواً في الجمعية الملكية البريطانية للأدب. وأخذ يحتل مكانة مهمة في عالم الأدب والصحافة الانجليزية. وكان قد نشر سابقاً عدة كتب عن سير العظماء. نذكر من بينها كتابه عن تولستوي، والمسيح ... الخ.

ثم اشتهر بكتابه عن العصر الفيكتوري الصادر عام 2002. يضاف إلى ذلك أن المؤلف روائي شهير. وقد نال عدة جوائز على رواياته. وكان قد عاش لفترة طويلة شمال لندن. وفي هذا الكتاب الجديد يقدم لنا المؤلف صورة عامة عن تاريخ مدينة لندن منذ البداية وحتى اليوم. فمقدمة الكتاب تحمل العنوان التالي «تاريخ لندن». وأما الفصول التالية فمكرسة لتاريخ هذه المدينة العريقة عبر العصور والسلالات المالكة حتى نصل إلى عصر الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر.

وبعدئذ يتحدث المؤلف عن لندن في عهد الملكة فيكتوريا الذي يمثل مجد الإمبراطورية البريطانية. وكان من أطول العهود إن لم يكن أطولها لأنه امتد من عام 1819 إلى عام 1901: أي أكثر من ثمانين سنة!! وقد بلغ ذروته بين عامي 1851-1901. وفي تلك الفترة ما كانت الشمس تغيب عن الإمبراطورية البريطانية. كانت بريطانيا العظمى آنذاك سيدة العالم بدون منازع. ثم يتحدث المؤلف بعدئذ عن أحوال لندن ما بعد فيكتوريا: أي من عام 1900 إلى عام 1939 حيث حصلت الحرب العالمية الأولى وانتصرت فيها بريطانيا وفرنسا على ألمانيا.

وبعدئذ اندلعت الحرب العالمية الثانية وكاد الطيران الألماني أن يدمر لندن عن بكرة أبيها. ولكن هذه المدينة المناضلة صمدت في عهد تشرشل ولم تخضع للألمان على الرغم من حجم الدمار والخراب الذي لحق بها. ثم يتحدث المؤلف بعدئذ عن لندن وما طرأ عليها من مستجدات بعد الحرب العالمية الثانية حيث كبرت كثيراً وتحولت إلى مدينة كوزموبوليتية. وأصبحت إحدى عواصم العالم الكبرى بالإضافة إلى باريس ونيويورك وروما، وبرلين، وموسكو ... الخ.

لنتوقف الآن عند لندن وكيف كانت أحوالها في بداية القرن السابع عشر. يقول المؤلف بما معناه: حوالي عام 1600 كان عدد سكان لندن خمسة وسبعين ألف نسمة. ولكن هذا العدد لا يشمل السكان بالمدنية ذاتها، أي الذين يسكنون داخل الأسوار وتغلق عليهم الأبواب ليلاً. أما سكان الضواحي المحيطة بها فكان عددهم يبلغ الضعف: أي مئة وخمسين ألف شخص. ولا تزال مدن أوروبا مشكّلة على هذا النحو. فضواحيها أكبر منها عادة. أنظر حالة باريس مثلاً.

وفي ذلك الوقت كان زائر المدينة يلاحظ نصبين تذكاريين واضحين من بعيد هما: برج لندن وكان عبارة عن قلعة وسجن في آن معاً، ثم جسر لندن. هذان هما المعلمان الرئيسيان للمدينة آنذاك. وفي ذلك الوقت كان جسر لندن مليئاً بالحوانيت والمساكن الصغيرة. وقد ظل هذا الجسر قائماً حتى عام 1832، ثم هدموه. وقد بنى الأميركان جسراً مطابقاً له تماماً في الولايات المتحدة من أجل تخليد ذكراه.

ثم يردف المؤلف قائلاً: وفي عهد الملكة إليزابيث الأولى، وهو من أعظم العهود، أصبحت المدينة غنية ومزدهرة. فقد حصل عندئذ حدث مهم جداً ألا وهو: انتصار الأسطول الانجليزي على الأسطول الأسباني الذي كان الناس يعتقدون بأنه لا يُقهر. وكان ذلك عام 1588. وهذا الانتصار أتاح للانجليز أن يكملوا فتح أميركا الشمالية. وبدءاً من تلك اللحظة ابتدأت قوة أسبانيا تتراجع وقوة انجلترا تتصاعد وتكبر.

وكان أهم خبر يحصل عام 1600 هو الإعلان عن الحكم بالإعدام على أحد عشاق الملكة «دوت إيسيكس». وبالفعل فقد قطعوا رأسه في ذلك العام. ولم تفعل الملكة أي شيء لإنقاذه. ولكن المدينة كانت مزدحمة بالسكان وقذرة. وكانت الجرذان تسرح فيها وتمرح وتنقل مرض الطاعون من حارة إلى حارة.. وكان هذا الوباء يظهر وينتشر في الصيف خصوصاً عندما تكون العائلة المالكة في الريف بعيداً عن الخطر.

وكان الأطباء يشعرون بالعجز عن فعل أي شيء وإنقاذ السكان. لماذا؟ لأنهم ما كانوا قد انتبهوا بعد إلى الدور الخطير الذي تلعبه الجرذان في نقل المرض.. وأشهر طبيب في ذلك الزمان كان يدعى جيلبرت، وقد مات بالمرض نفسه. وبعدئذ تقدم الطب واكتشف العلاقة الكائنة بين الطاعون والجرذان.

وفي ذلك العام، أي عام 1600 انتصر شكسبير من خلال تمثيل مسرحياته الخالدة. وقد بنى مسرحاً على نهر التايمز، وكان يمتلئ بالمشاهدين كل يوم. وهم الناس الذين يجيئون لحضور مسرحية يوليوس قيصر، أو هاملت، أو سواهما.

ثم ينتقل المؤلف بعدئذ للتحدث عن لندن والحضارة البريطانية في عهد الملكة فيكتوريا ويقول: كانت مدينة لندن أكبر مدن أوروبا وأعظمها في بداية القرن التاسع عشر. وكانت منتشرة على امتداد واسع جداً لكي تشمل الضواحي البعيدة والقريبة. وهذا ما سمح بتخفيف الضغط عن المدينة الأصلية، أي المدينة القديمة لأن السكان أخذوا يذهبون إلى الضواحي من أجل التمتع بالطبيعة وبمساحة أكبر حول البيوت. أو قل ذهبوا إلى هناك لأن لندن ذاتها كانت مكلفة جداً.

وقد تضاعف عدد سكان لندن خلال تلك الفترة، وبل زاد بمعدل ثلاث مرات إذا ما أخذنا عهد فيكتوريا كله بعين الاعتبار. وهو أطول العهود في تاريخ بريطانيا كما قلنا. وكانت كل الصناعات متمركزة في لندن ما عدا صناعة الحديد واستخراج المعادن. ولذلك هجم عليها العاطلون عن العمل من الأرياف ومختلف المناطق. وشهدت ظهور طبقتين اثنتين: طبقة اللوردات والأغنياء وأرباب العمل والشركات من جهة، وطبقة العمال والبروليتاريا الرثة من جهة أخرى.

وهي المدينة التي صورها تشارلز ديكنز في رواياته أعظم تصوير. وكانت تضج آنذاك بالثوريين والمنفيين الباريسيين. كما كانت لندن مختبراً لجميع الأفكار الثورية والتقدمية. وبالتالي فقد سبقت باريس إلى هذا المجال. فماركس أقام فيها من عام 1850 وحتى موته عام 1883: أي ثلاثة وثلاثين عاماً. وفيها كتب أعظم مؤلفاته ولكن بالألمانية دائماً لا بالانجليزية. فهو لم يستطع أن يتخلى عن لغته الأصلية.

وأما انفلز فكان يقيم فيها بشكل مطول من وقت إلى آخر. والأممية الأولى أقامت مركزها فيها قبل أن تنقله إلى نيويورك عام 1873. وكانت نقلة مشؤومة لأنها قضت عليها. لقد كانت لندن آنذاك عاصمة الإمبراطورية الانجليزية والرأسمالية العالمية. كانت عاصمة الدنيا مثل نيويورك الآن وربما أكثر. وكان يوجد فيها أكبر ميناء في العالم وأكبر أسطول بحري.

ثم يردف المؤلف قائلاً ما معناه: ولكن لندن لم تكن أبداً المركز الوحيد للحياة الأدبية والفنية والثقافية كما حصل لعواصم أخرى وبخاصة باريس. ولكنها في الوقت ذاته لعبت دوراً كبيراً في الحياة الأدبية والفكرية وبخاصة في فترة الملكة فيكتوريا: أي النصف الثاني من القرن التاسع عشر. فمعظم الأدباء كانوا يحلمون بالمجيء إلى لندن لتعريف الناس بإنتاجهم ولنشر كتبهم ولحضور المؤتمرات والمحاضرات والندوات.. فالعاصمة تظل مركز الحركة والنشاط والإبداع.

وفي لندن كانت توجد المسارح الكبرى التي تعرض أفضل المسرحيات الانجليزية أو العالمية. ومعظم الأدباء الكبار كانوا يعيشون فيها ولكن ليس كلهم. فالشاعر يتنيسون الذي توج أميراً للشعراء عام 1850 عاش في إحدى الجزر لفترة طويلة قبل أن ينتقل إلى مقربة من لندن.

وأما الكاتب براوننغ فقد عاش في فلورنسا بإيطاليا حتى وفاة زوجته عام 1861 ثم عاد إلى لندن بعدئذ. ويبدو أن حياة الفقراء لم تتحسن على مدار القرن الذي حكمته فيكتوريا. وهذه هي أكبر لطخة عار في تاريخ ذلك العهد الكبير. فالأغنياء من أرستقراطيين وبورجوازيين كانوا يزدادون غنى، والفقراء من عمال وطبقات شعبية كانوا يزدادون فقراً وعذاباً، ولذلك فإن معظم الأدباء والشعراء توقفوا عند هذه الظاهرة وصوروا عذاب الناس البسطاء في رواياتهم وكتبهم.

للكلمة. فالعديدون من المنفيين واللاجئين السياسيين والكتّاب والمثقفين اختاروها كملاذ من أجل الهرب من الاستبداد والطغيان. ولندن مدينة عجيبة وساحرة. فهي تحتوي على معظم الآثار السياحية لبريطانيا وعلى أربعة مواقع سياحية مسجلة لدى اليونيسكو كتراث عالمي للبشرية. نذكر من بينها: قصر ويستمنستر، وبرج لندن، والحدائق النباتية الملكية.

كما أن فيها المتحف البريطاني الذي يعتبر من أعظم المتاحف في العالم بالإضافة إلى «اللوفر» في باريس. ولندن جنة بالنسبة للأغنياء لأنها تحتوي على 26 شارعا تجاريا و30 ألف مخزن من أعظم المخازن في العالم.

الكتاب: مختصر تاريخ لندن

الناشر: فوينكس ـ لندن 2005

الصفحات: 166 صفحة من القطع المتوسط

LONDON

A SHORT HISTORY

A. N. WILSON

PHOENIX - LONDON 2005

P. 166

Email